بقلم: ستيفن كينج
قد يكون ما قاله ماريو دراجى – رئيس البنك المركزى الأوروبى – قبل أيام عن أن منطقة اليورو لا تواجه عقداً انكماشياً على غرار اليابان، نوعا من بث الطمأنينة فى النفوس، ولكن، بصراحة، لم تكن تطميناته مقنعة للغاية.
ويتمثل جزء من مشكلات اليابان فى الفشل الجماعى فى توقع الانكماش المتجه نحوها، وكما قال الاقتصاديون فى الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى 2002، إن الركود الانكماشى فى اليابان كان غير متوقع بالنسبة لصناع السياسة اليابانيين والمراقبين على حد سواء، وهذا كان عاملاً رئيسياً فى عدم قدرة السلطات على تقديم محفزات كافية للحفاظ على النمو والتضخم الإيجابى.
وعلى مدار العام الماضي، تراجع التضخم فى معظم اجزاء العالم بشدة، وانتهى عند مستويات لم تكن متوقعة بالمرة فى نهاية 2012، وإذا نبعت مشكلة اليابان جزئيا من الفشل فى تحديد بداية الانكماش، فهل يسير صناع السياسة فى الغرب بغير وعى نحو نفس المصير؟ وفى كل الاحوال، فإن التضخم فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو أقل من المستوى المستهدف، ولذا ينبغى أن يأخذ المسئولون فى البنوك المركزية وقفة ليفكروا.
ولا تعد المستويات المنخفضة للتضخم مشكلة فى كل الأوقات، حيث يمكن أن تؤدى الزيادة المفاجئة فى الإنتاجية إلى تخفيض الأسعار مقارنة بالأجور مما يدفع صافى الدخل لأعلى، ونفس الأمر ينطبق عندما تهبط أسعار الطاقة بحدة، وهذه هى الحالة فى الولايات المتحدة حيث تراجعت أسعار الطاقة بفضل ثورة استخراج الغاز من التربة الصخرية.
ويعتقد الكثير من الملاحظين حاليا أن التضخم المنخفض عبارة عن مؤشر متأخر عن الضعف الاقتصادى فى وقت سابق، وعلى هذا الأساس، فإن المؤشرات التى ظهرت مؤخرا والتى تشير إلى تجدد القوة الاقتصادية توحى بأن التضخم سيرتفع مرة أخرى على مدار العامين المقبلين.
ومع ذلك، فإن انخفاض التضخم لا يكون دائما مؤشرا متأخراً، وعندما تكون أسعار الفائدة صفرية أو قريبة من الصفر، فإن تعرض التضخم للمزيد من الانخفاضات سوف يرفع أسعار الفائدة الحقيقية، ويجعل سداد الديون أكثر صعوبة مما يهدد النظام المالى بزيادة نسبة الديون المتعثرة.
وعندما يكون النظام المالى فى حالة سيئة – مثل منطقة اليورو اليوم – فسينتهى به الامر فى وضع أسوأ، وستصبح العلامات المبدئية على التحسن الاقتصادى لا تزيد على كونها فجراً زائفاً.
ويختنق النظام الائتمانى بين النمو المتسارع المؤدى إلى تضخم عالٍ وبين تضخم منخفض يقود فى النهاية إلى نمو أبطأ.
وهذا ما اختبرته اليابان بالفعل فى منتصف التسعينيات، فأدت العلامات المبدئية على التحسن الاقتصادى فى 1995 و1996 إلى خلق انطباع بأن اليابان على وشك أن تتمتع بانتعاش سوف يقود بدوره إلى تضخم أعلى.
ولكن هذا لم يحدث، وبدلا من ذلك، انزلقت الدولة بشكل غير متوقع فى انكماش – رغم تحسن النشاط – ما أدى إلى تصلب النظام المالى، وضعف كبير فى نمو الائتمان، وعانت اليابان مما أصبح يعرف بالعقدين الضائعين.
وقد يكون تراجع التضخم بشدة فى معظم أنحاء العالم العام الماضى ردة فعل متأخرة على ضعف النمو الاقتصادي، ولكن إذا كان هذا هو السبب، فلماذا لم يتوقع أحد هذا الانخفاض العام الماضي؟ وهل فى ظل الفائدة الصفرية ستؤدى محاولات دولة واحدة عبر التيسير الكمى إلى تخفيض المخاطر الانكماشية أم سيؤدى ذلك إلى سعر صرف أقل يخدم فقط فى تصدير الصعوبات الانكماشية إلى أماكن أخرى فى العالم؟
ولم يفكر احد فى هذه المخاطر فى توقعاتهم للتضخم حاليا، وفى ظل عدم رغبة البنوك المركزية فى الاعتراف بأنهم قد يفقدون مستويات التضخم المستهدفة، ومع شعور مجتمع المتوقعين بالرضا باعتقادهم بأن التضخم سوف يعود إلى الارتفاع مرة أخرى بطريقة ما، لا احد يتوقع نتيجة على غرار الانكماش الياباني.
وقد يغير التضخم المنخفض قواعد اللعبة تماماً رغم كل البيانات المشجعة عن البيانات الاقتصادية، وكما اكتشف اليابانيون، فإن استمرار مستويات التضخم المتراجعة قد تصبح مشكلة كبيرة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز