بقلم: كمال دريش
(وزير مالية تركيا السابق)
يدخل الجدال بشأن طبيعة النمو الاقتصادى مرحلة جديدة، وتعتبر الاسئلة الجديدة المطروحة على الساحة الان مختلفة اختلافا كبيرا عن تلك التى كانت مطروحة فى العقود الأخيرة إلى الحد الذى يجعل المرء يشعر بتحول فى الإطار الاصطلاحى من شأنه أن يحدد ملامح النقاش حول التقدم الإقتصادى والسياسة الاقتصادية من الآن فصاعدا.
وأثار السؤال الأول، بشأن الوتيرة المحتملة للنمو الإقتصادى فى المستقبل، إختلافا كبيرا بين خبراء الإقتصاد لم ينته حتى الآن، فعلى سبيل المثال، يرى روبيرت جوردون لدى جامعة نورث وسترن أن الاقتصاد الأمريكى سينجح فى تحقيق نمو سنوياً للفرد على المدى المتوسط بنسبة %0.5، فى حين وضع دانى رودريك، استاذ العلوم الاجتماعية فى معهد الدراسات المتقدمة فى الولايات المتحدة، نسخة متشائمة للنمو بالنسبة للاقتصادات الناشئة.
والإفتراض الرئيسى المسلم به والشائع بين العديد من كبار المحللين، هو أن التقدم التكنولوجى سوف يتباطأ، بما فى ذلك مكاسب اللحاق بالركب التى ستجنيها البلدان الناشئة والنامية.
وهناك على الجانب الآخر “التكنولوجيا الجديدة”، إذ يزعم خبراء الاقتصاد أننا على مشارف ثورة صناعية رابعة، تتسم بـ”الآلات الذكية” التى ستصبح أفضل بديل للعمالة المتوسطة ومنخفضة المهارات.
وثانيا، هناك سؤال حول توزيع الدخل، ويقول توماس بيكيتى فى كتبه الشهير بعنوان “رأس المال فى القرن الواحد والعشرين” إن القوى الإقتصادية الأساسية تغذى الإرتفاع المستمر فى الأرباح كنسبة من إجمالى الدخل، مع معدل العائدات على رأس المال أعلى من معدل النمو الاقتصادى على نحو مستمر.
علاوة على ذلك، لاحظ العديد أنه إذا أصبح رأس المال بديلا لكل شيء عدا العمالة ذات المهارات العالية، فى حين أن الأنظمة التعليمية فى حاجة إلى وقت طويل من التعديل لتتمكن من إخراج عدد كبير من المهارات الجديدة، فإن التفاوت الكبير فى الأجور بين العمالة ذات المهارة العالية وغيرها من العمالة سيزيد مسألة عدم المساواة سوءا.
ويدور السؤال الثالث حول تأثير المزيد من الاعتماد ميكنات التشغيل الآلية التى تحتاج عدداً اقل من الموظفين على البطالة، فكما كان الحال فى الثورات الصناعية السابقة، سوف يتحرر الإنسان من العديد من الأعمال الروتينية، فلن يكون هناك حاجة إلى الصرافين وشركات الإتصال، كما ستقل حاجاتنا إلى المحاسبين والمستشارين الماليين والسائقين وغيرهم.
وإذا كان هناك شيئا من الصحة فى توقعات خبراء التكنولوجيا، فسوف يكون الناتج المحلى الإجمالى أكثر إرتفاعا، فلماذا إذا لا تغمرنا السعادة لإحتمالية أن تتراوح أوقات العمل فى الأسبوع ما بين 25 و30 ساعة والحصول على شهرين من الإجازة السنوية، وذلك مع قيام الماكينات الذكية بالعديد من الأعمال التى يقوم بها الإنسان؟
وأخيرا هناك سؤال بشأن تغير المناخ والقيود المحتملة على الموارد الطبيعية، وأصبحت هذه القضايا أكثر انتشارا على مدار العقد الماضي، فهل ستعوق هذه العوامل النمو على المدى الطويل، أم سيغذى التحول إلى الطاقة النظيفة ثورة تكنولوجية أخرى من شأنها أن تزيد الرخاء حقا؟
ومع تصدر تلك الأسئلة الأجندة السياسية، أصبح من الواضح أن التركيز التقليدى على النمو، الذى يعرف بأنه إزدياد فى الناتج المحلى الإجمالى ويتم حسابة من خلال الحسابات القومية التى تم إراعها منذ قرن مضي، بات أقل فائدة.
وينبغى أن تتضمن طبيعة وقياس التقدم الاقتصادى عقدا إجتماعيا جديدا تسمح للمجتمعات بإدارة القوة التكنولوجية حتى تخدم جميع المواطنين، فينبغى أن يكون العمل والتعلم والتمتع بأوقات الفراغ وكوننا أصحاء ومنتجين جزءا دائما فى حياتنا.
وأصبحت الأسئلة التى تحوم حول النمو الاقتصادى فى المستقبل أكثر وضوحا، ولكننا فى بداية عملية إنشاء إطار مفاهيمى جديد لازما لتمكين السياسات العالمية والقومية من تعزيز قضية التقدم الإنساني.
المصدر: بروجيكت سينديكيت
إعداد: نهى مكرم







