حريق منجم فتح الصندوق الأسود لمشروعات فقيرة تلتهم حقوق العمال
فى خضم بريق الانتهاء من إنشاء مصنع فورد أتوسان التابع لشركة فورد موتور والذى تأسس كشركة مشتركة بين شركة فورد موتور وشركة كوك هولدينج بقيمة 511 مليون دولار فى ضواحى اسطنبول، اجتمعت النخبة السياسية والتجارية مؤخرا فى تركيا لعرض أفضل مزايا الاقتصاد التركى التى تدعم مطالبة الدولة لتكون اقتصاداً حديثاً.
وكان السبب وراء الاحتفال هو بدء الشركتين فى تصنيع موديلات جديدة من الحافلات الصغيرة والسيارات التجارية الخفيفة، وكلاهما سيتم تصنيعها فى تركيا بمصنع فورد اتوسان الذى أصبح ثالث أكبر مركز من نوعه بين مراكز فورد العالمية للسيارات بعدد 1200 فرد يشاركون فى البحوث والتطوير، وتبيع فورد أتوسان لأكثر من مائة دولة وتشكل أكثر من نصف صادرات السيارات التجارية فى تركيا.
لكن حالة من الحزن خيمت على الاحتفال، فلم يتحدث أحد إلا وذكر الحريق القاتل فى منجم سوما التركى الذى اندلع الشهر الجارى وراح ضحيته ثلاثمائة وواحد شخص، وكان هذا الحادث تذكيراً للجانب الآخر لقصة الاقتصاد التركى الذى يتسم بقطاعات ذات القيمة المضافة المنخفضة ونقص الاستثمارات ونهج متهور لتطبيق القواعد.
ويقول دارون اسيموغلو، خبير اقتصادى فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن الاقتصاد التركى لديه هيكل مزدوج على نطاق واسع، حيث يوجد فى بعض المناطق مثل اسطنبول وأنقرة والمدن شركات حديثة جدا تنتج للطبقة المتوسطة وقطاع التصدير، ولكن هناك أيضاً عدداً من الشركات غير الرسمية والتأمين بها ضئيل، فضلاً عن أجورها المنخفضة، وهذه الشركات تعرقل بالفعل النمو الاقتصادى.
وأفادت بيانات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بأن نسبة المنتجات عالية التقنية من صادرات السلع فى تركيا قد تراجعت على مدار العقد الماضى إلى مستويات أقل من العديد من الاقتصادات التى يمكن مقارنتها بالإقتصاد التركى حيث بلغت %4.
وعلاوة على ذلك، لا يوجد أى استثمارات كافية فى البلاد لعكس هذا الإتجاه التنازلى لنسبة الصادرات من المنتجات عالية التقنية، إذ ارتفع العام الماضى الإنفاق الرأسمالى للقطاع الخاص بنسبة %0.7 فقط، وذلك فى ظل اقتصاد يدعمه فى المقام الأول الإنفاق الاستهلاكى والحكومي.
وعلى الرغم من انهيار قيمة الليرة أوائل العام الجاري، انتعشت الأسواق التركية، فارتفعت الصادرات بنسبة %9 خلال الربع الأول، كما أن الإنتاج الصناعى القوى نسبيا قد فاق التوقعات الأكثر تشاؤما.
ولكن الصورة التى رسمها أسيموغلو لتركيا يخيم على آفاقها الاقتصادية الحكم المعيب وضعف سيادة القانون، وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة المأزق الذى تواجهه تركيا فى الهروب من فخ الطبقة المتوسطة، هذا التحدى الذى تواجهه الدول النامية عندما لا تستطيع الحفاظ على معدلات النمو السابقة.
وقال أسيموغلو إن الأعمال التجارية فى تركيا تعتمد اعتماداً كبيراً على دعم الدولة، فكما هو الحال فى العديد من الاقتصادات النامية، دائما ما تكون الشركات على دراية بفواتير الضرائب الغامضة والعقود وتراخيص التصدير التى تُسحب منها، ما يعيق الاقتصاد جراء صعوبة الظروف الاستثمارية.
ويقول جوفين ساك، رئيس مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية، إن الإدارة الإقتصادية السيئة هى السبب الرئيسى فى المستوى المخيب للآمال للاستثمارات فى البلاد فضلا عن فشلها فى تحديث الإقتصاد.
وأضاف ساك أنه بسبب الطريقة التى يدار بها الاقتصاد، فإن هناك العديد من التقلبات، وبسبب هذه التقلبات، فإن آفاق الاستثمار ضئيلة، وأفضل طريقة للاستثمار هو البناء لأن الأسهل كما أنه يتمتع بجميع المحفزات.
وفى الواقع مرت تركيا بالعديد من النماذج الاقتصادية المختلفة فى العقود الأخيرة، بدءا من نموذج الميزة التنافسية القائم على الأجور المنخفضة فى تسعينيات القرن الماضي، إلى الاستثمار الأجنبى المباشر الذى عززه المحادثات بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى فى أوائل القرن الواحد والعشرين، وحتى نموذج الاستهلاك الممول بالديون والنمو المدفوع بقطاع الإنشاءات فى السنوات الأخيرة، والسؤال المطروح الآن هو ماذا سيكون شكل نموذج النمو القادم وهل سيطور تقدم المجموعات مثل فورد اتوسان أم أنه سيظل عالقاً فى العيوب التى كشفت كارثة منجم سوما عنها النقاب.







