بقلم: أ. د. خالد سمير
السؤال الأكبر والأهم: هل نحن أمام نفس التحديات المعتادة لاعادة بناء البنية التحتية للمستشفيات المصرية والنظام الصحى المصرى أم نحن على أعتاب بناء الجيل الجديد من مستشفيات المستقبل المؤهلة للتدفقات الكبيرة المتوقعة من المرضى الجدد والأصحاء على السواء، كيف نفكر فى مستشفيات المستقبل للتحضير لمستقبل مجهول؟ كيف نخطط لمستشفيات محورها الأصحاء والفكر المتطور والمتكامل؟ وكيف نخطط لبناء وتصميم فكر المساحات المرنة والتصميمات المبنية على الأدلة.
أعتقد أن التكنولوجيا العالية والفكر التكاملى سيعيدان تشكيل مستشفيات المستقبل ونؤمن بأن محرك التكنولوجيا سيغير اللعبة فى مصر والعالم كله شكلاً ومضموناً. التكامل فى كل من الزمان والمكان مع نظم سير العمل، وآلات الرعاية السريرية، والمعلوماتية الصحية، والمريض وأنظمة الاتصالات والأسرة، سيؤدى حتما إلى بناء مستشفيات تحقق متطلبات وتحديات المستقبل.بمستشفيات المستقبل يجب أن نعامل كل الخدمات بمبدأ المركزية المتصلة والمتجددة وتضمين ذلك فى جميع مسارات العمل فى جميع أنحاء المؤسسات الصحية وغير الصحية.
بمستشفيات المستقبل لن يشعر المرضى بالعزلة بالرغم من كونهم محاطون بالأطباء والتمريض طوال الوقت بل لن ننظر إلى مرضانا من خلال وضعهم البيولوجى فقط بل ستمتد رؤيتنا بفعالية وكفاءة الأطقم الطبية والطبية المساعدة لتشمل كل نواحى الحياة. فكر الرعاية الصحية بمضمونه البسيط والمتجمد.
النظام الصحى كان ومازال بمصر يشمل الوقاية والعلاج والذى يجب تغييره فوراً وإلا سنجد أنفسنا نفكر ونبنى بعقول عاشت وترعرعت بالقرون الوسطي. مستشفيات المستقبل ستغير هذا الفكر القديم من الرعاية الصحية إلى مؤسسة القيمة حيث إن المواطن من ميلاده إلى مماته يستخدم تكامل المعلومات لمصلحته وفائدة مضافة.
أود لو أضرب مثلا على ما أطرحه: «تصور أنك قابلت طبيبا وحدد لك موعداً لإجراء جراحة الزائدة الدودية فقمت بتسجيل هذا الموعد على هاتفك المحمول وحددت موعد بالمنبه واستخدمت برنامج بهاتفك المحمول يوضح مدى أزدحام الطرق ولديك برنامج أيضا يوضح الطريق المختصر ويوضح المناخ العام ولديك رقم المستشفى ورقم الدكتور وربما لديك برنامج ذكى يجهز لك الأفطار ويفتح لك الضوء إلخ» وللأسف كل تلك البرامج غير متصلة ببعض لسبب أنها برامج غير ذكية، وتخيل معى أننا ابتكرنا برنامجاً ذكياً يربط فيما بينها جميعا فماذا سيحدث لو أنك أثناء نومك برنامجك الذكى علم أن الطقس سيء للغاية وأن الطرق ستزدحم وأنك تحتاج للاستيقاظ ساعة مبكراً عن الموعد السابق تحديده وبالتالى سيرتب لك البرنامج كل المواعيد بطريقة متكاملة لتحقق لك الوصول بالموعد المحدد سلفا. هذا بالضبط ما سيحدث بالنظام الصحى المستقبلى وبمستشفيات المستقبل والنظام الطبى الجديد حيث يحاط الفرد العادى بكل عناية ودقة فمثلاً إذا قرر الغذاء مع أسرته بأحد المطاعم فستجده مثلا يطلب أكلا مليئاً بالشطة والبهارات المملحة والحلو شيكولاتة بالفراولة فماذا نتوقع أن يحدث ” ستأتى الأطباق لكل أفراد الأسرة الأصحاء كما هى ما عدا الأب قستأتيه أطباق قليلة الدسم وخالية من البهارات المملحة وسيأتون لة ببدائل للفراولة ليختار منها لكونه يعانى من من حساسية من الفراولة وكل ذلك وهو لم يتكلم، فكل ما فعله انه قدم رقمه القومى والذى يحتوى على رقمة الصحى وهو متداخل مع معلومات تجهيز الأطباق للزبائن فلن يستطيع تحضير طبق يضر صاحبه وإلا تعرض للمسائلة القانونية.
من المؤكد أن القيمة التكنولوجيا المضافة لمستشفيات المستقبل ستؤدى إلى زيادة التكاليف بكل أنواعها ولكن قيمة التكامل المضافة من ربط التكنولوجيا السريرية والمعلوماتية ستؤدى بنا إلى إنشاء مؤسسة القيمة والتى هى ببساطة قيمة التكنولوجيا المضافة مع قيمة الخدمات الطبية المضافة إلى قيمة ترابط المعلوماتية معا.
من المعروف أن متوسط تكلفة السرير فى حالة الاستثمار المعتاد فى إنشاء المستشفبات الأقل من مائة سرير تتراوح بين 600 ألف و800 ألف ج.م/ للسرير الواحد وتزداد إلى مليون ج.م للمستشفيات الأكبر من مائة وخمسين سريراً (وفق حجم الخدمات المكملة التى تشمل الأشعة والمعامل والعناية وخلافه) ومن الواضح أن استثمارات القطاع الصحى ستتغير لتكون استثمارات تتركز على القيمة المضافة وستشمل قطاع الاتصالات والتحليل والمعلوماتية الصحية والتكامل الصحى والتدقيق الطبى والملف الطبى الموحد ومن المؤكد أن التكلفة ستزداد ولكن العائد والقيمة المضافة ستتضاعفان.
حقاً إننا نعيش فى عالم يتطور بصورة مذهلة وبسرعة هائلة وإذا لم نواكبه سنخسر جميعأ الحجم الهائل من مستثمرى اليوم بسبب استثمارهم وفق النظم القديمة وسنخسر مستثمرى الغد الراغبين فى الاستثمار فى المستقبل.
الاستثمار المتوقع فى هذا النوع من الخدمات يحتاج إلى حضانات للأفكار وتمويل للمشاريع الوليدة وأعتقد أن تكلفة تحويل أى مستشفى قائم يحتاج إلى استثمار يتراوح بين 50 و100 مليون جنيه خلال السنوات الثلاث المقبلة لتحويلها للعمل وفقاً لنظام مستشفيات المستقبل ويجب أن ترعى الدولة هذا النوع من الاستثمار المهم للغاية لبناء مستشفيات المستقبل.
● العضو المنتدب لشركة مستشفيات ومراكز دار العيون والمحكم الدولى لنزاع المستثمرين