سقوط الموصل يلخص مأساة دولة فاشلة

بقلم: رولا خلف

فى بداية الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، كانت الموصل بمثابة نموذج يحتذى به فى كيفية هزيمة التمرد المسلح الناشئ، واحتفت المدينة بدايفيد بتريوس، حينها قائد الفرقة 101 المحمولة جوا، ثم قاد القوات الأمريكية بأكملها فى العراق، بسبب حملته التى غزت القلوب والعقول وضمنت الأمن فى المدينة بينما كانت أراضى المسلمين السُنة تحرق فى كل مكان فى البلاد.
وأدرك الجنرال بتريوس وقتئذٍ أن الوسائل العسكرية وحدها لا يمكنها هزيمة البقايا المتشددة من أنصار نظام الرئيس المخلوع صدام حسين، لذلك أشغل الناس بالعمل وأوكل للمحليين مسئوليات تتعلق بإدارة شئونهم.
ولم يستمر السلام فى الموصل كثيرا، فقد امتلأت بالمسلحين مجددا بعد رحيل الجنرال، ودمرت وسط الحرب الأهلية التى اجتاحت العراق بين الشيعة والسنة خلال العامين التاليين.
ثم استعادت السلام جزئيا، بعدما شجعت القوات الأمريكية القبائل السنية على الانقلاب ضد مسلحى القاعدة الذين شكلوا حينها الجزء الأكبر من المتمردين المسلحين.
ولكن سقوط الموصل مرة اخرة فى أيدى الجهاديين ــ وهذه المرة مسلحون تعتبرهم حتى القاعدة متطرفين للغاية ــ لا يعد بمثابة فصل مؤسف آخر فى الملحمة العراقية.
بل هو يلخص المأساة التى تعيشها العراق اليوم، دولة فاشلة تفقد حكومتها المركزية قبضتها تدريجيا على أجزاء واسعة منذ اكثر من عقد بعد سقوط النظام البعثي.
ومع توسيع الجماعة المنشقة عن القاعدة، والمعروفة بجماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام، سيطرتها على المزيد من أراضى الجنوب، يبدو أن الحكومة اكثر شللا من ذى قبل.
كما تبدو القوات الأمنية التى أنفقت الولايات المتحدة مليارات على تدريبها وتجهيزها لا تكافئ القوى الجهادية الأصغر بكثير والأكثر حماسة، وفى هذه الأثناء، يلقى الساسة فى بغداد اللوم على بعضهم البعض فى هذه الخسارة الكارثية بدلا من البحث عن طرق لاحتوائها.
وحتما سوف يلقى البعض اللوم فى الاضطرابات التى تجتاح العراق على الاحتلال الأمريكى المدمر، وعلى إرث الأخطاء الأمريكى بما فى ذلك الفشل فى تدريب قوات كافية، وفى نفس الوقت تفكيك جيش صدام مما ساهم فى توسيع حركة التمرد المسلح وإلى ضعف الدولة العراقية بعد النظام البعثي.
وبالمثل، سوف ينظر البعض للاضرابات باعتبارها جزءاً من آثار الأزمة المجاورة فى سوريا، فجماعة الدولة الإسلامية هى خليفة ما كان يوما ما القاعدة فى العراق، واكتسبت فرصة جديدة للحياة فى انعدام سيادة القانون الذى انتشر بعد اندلاع التمرد السنى ضد الأقلية العلوية لنظام بشار الأسد.
وتدفق المجندون والأسلحة والأموال لقضية سنية جديدة، وأصبح فجأة حلم الجهاديين بدولة إسلامية متطرفة عبر حدود العراق وسوريا يمكن تحقيقه.
ومع ذلك، كان بإمكان العراق محاربة تسلح الجهاديين بالمزيد من السلطة والتغلب على الأخطاء التى ارتكتبها الولايات المتحدة، وهذا إذا كان لديها حكومة مركزية ذات مصداقية وذات رؤية قومية وليست طائفية.
ووصف مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن التهديدات التى تواجهها الدولة حتى قبل سقوط الموصل فى أيدى الجهاديين بأنها “جراح ذاتية تسبب فيها القادة السياسيون”.
وجاء الصراع فى سوريا فى وقت ارتفعت فيه التوترات بين الأغلبية الشيعية القوية والأقلية السنية فى البلاد، وأغضب نورى المالكي، رئيس الوزراء العراقى الشيعي، أصدقاءه وخصومه بما رأوه استبدادا زاحفا وفسادا حكوميا متفشيا.
وبدلا من الوفاء بالوعود للقبائل السنية التى حاربت القاعدة، أطلق المالكى حملة همشت المجتمع السنى وأثارت صرخات لانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، وتم تنظيم احتجاجات شعبية عبر مقاطعة الأنبار العام الماضي، ولكن تم استغلالها من قبل العناصر الجهادية المتطرفة.
ورغم أن غالبية الأحزاب السياسية ضد عودة المالكى للسلطة، ويرونه جزءا من المشكلات التى يعانى منها العراق، فإن ائتلافه فاز بـ 92 من أصل 329 كرسياً فى البرلمان، ما يضعه على قائمة الكتل السياسية الأخرى، ولكن فى ظل الصراع الدائر فى بغداد على السلطة، بينما تحقق اعتداءات الجهاديين تقدما، سوف ينتهى الأمر بكل اللاعبين السياسيين خاسرين.

إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشال تايمز