إذا قمت بجولة فى مراكز التسوق المزدحمة فى الرياض، فسوف يعطيك وجود عدد كبير من العلامات التجارية الأمريكية والأوروبية المشهورة انطباعاً ظاهرياً بأن السعودية دولة منفتحة على العالم الخارجي، كما أن هناك بعض شركات الطاقة والشركات الصناعية الكبرى لديها فروع أيضاً فى المملكة العربية السعودية مثل «اكسون موبيل» و«يونيليفر».
وينبغى ان تكون السعودية، التى تعد اغنى اقتصاد فى الخليج مع انخفاض الضرائب بها ونموها الاقتصادى الذى بلغ العام الماضى حوالى %4 وكثافتها السكانية التى تبلغ 30 مليون نسمة وحكومة تتمتع بحرية الانفاق وإمدادات رخيصة من الطاقة، جاذبة جداً للشركات التجارية تماما بقدر جاذبية مدنها المقدسة مثل مكة للحجاج، ولكن بينما تكثف الحكومة السعودية جهودها لتعزيز دخول الشركات الأجنبية، اصبحت الحكومة أكثر انتقائية بشأن الشركات التى يسمح لها بالاستثمار داخل المملكة والشركات التى لا يمكنها العمل هنا.
أعلنت الهيئة العامة للاستثمار «ساجيا»، الهيئة الحكومية المنوطة بتشجيع الاستثمار التجاري، خدمة جديدة سريعة للتعامل مع الطلبات المقدمة من المستثمرين الأجانب فى غضون خمسة أيام، وقد عقدت الهيئة مؤتمراً الشهر الماضى فى لندن لجذب المزيد من الاستثمارت من الشركات البريطانية، ولكن قبل اعلان الهيئة عن تلك الخدمات السريعة بأيام قليلة، قال عبداللطيف العثمان، رئيس الهيئة العامة للاستثمار، إن الهيئة سوف تطرد الشركات الأجنبية الصغيرة التى ترى أنها فشلت فى اضافة قيمة كافية للاقتصاد.
وقد ألغت الهيئة فى الاشهر الاخيرة تراخيص عشرات الشركات الأجنبية لانتهاكاتها المختلفة للشروط التى تم السماح لها بمقتضاها بممارسة نشاطاتها فى السعودية، والمزيد من الشركات الآن مهددة بالطرد من البلاد لعدم تطبيقها القانون الذى دخل حيز التنفيذ العام الماضى والذى يشترط عليها توظيف نسبة من السعوديين.
ولكن الحكومة أساءت توقيت انتقاء الشركات الأجنبية، نظراً لمدى الصعوبة التى كانت تواجهها السعودية فى السنوات الأخيرة فى جذب الشركات الأجنبية، وأفاد تقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الاونكتاد» بأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى السعودية قد تراجعت بأكثر من الثلثين، اذ بلغت 12.2 مليار دولار، فى اربع سنوات حتى عام 2012، عندما جاءت مرتبتها بعد تركيا كأكثر وجهة جاذبة للاستثمار فى الشرق الاوسط.
وعلى الرغم من الجهود التى تبذلها الهيئة العامة للاستثمار وغيرها من الهيئات لتسهيل إجراءات دخول الشركات الأجنبية إلى البلاد، فغالبا ما يكون التنسيق بين الهيئات الحكومية ضعيفاً، كما ان الحصول على تأشيرات دخول للموظفين الأجانب يعتبر كابوسا لا احد يستطيع التنبؤ بنتائجه، حتى الشركات التى تملكها السعودية تعانى هذه المشاكل، وقد تستغرق الإجراءات وقتاً طويلاً وتبقى الشركات فارغة، مع تراكم الايجار، لمدة تصل إلى سنة.
ونظراً لكون العمال السعوديين أكثر تكلفة وأقل إنتاجية من العمالة الأجنبية، فإن حصص توظيف السكان المحليين الجديدة تشكل مشكلة خاصة بالنسبة للشركات الأجنبية الصغيرة، التى لا تستطيع تحمل تكاليف تدريب الموظفين السعوديين.
ويتفهم رجال الأعمال الأجانب مسألة ان الحكومة يتعين عليها إيجاد سبل لتحسين مهارات مواطنيها وآفاق العمل فى البلاد وخاصة بعد الاحتجاجات التى هزت العالم العربى فى السنوات الأخيرة، ولكنهم يشيرون إلى ان القانون خنق قطاع الشركات الصغيرة التى تسعى الحكومة لتعزيزه، كما افاد تقرير الاونكتاد بشأن الاستثمار الأجنبى بأنه لا يوجد ما يكفى من السعوديين المؤهلين والقادرين على تنفيذ المهام التى تريد الحكومة اسنادها لهم فى العديد من القطاعات.
ولجعل الأمور أسوأ، تقول الهيئة العامة للاستثمار إنها تعتزم البدء فى ترتيب الشركات المحلية والأجنبية وفقاً لامتثالها لأهدافها، وتقديم الحوافز بدءاً من الطاقة الرخيصة وتأشيرات لمدد اطول للعاملين الأجانب.
وعلى الرغم من أن الانفاق الهائل للحكومة السعودية يوفر العديد من الفرص الاستثمارية للشركات، فإن نهجها المائل إلى التدخل يجعلها مكاناً لا يمكن التنبؤ بمدى نجاح الاستثمار فيه، فبالنسبة للعديد من الشركات الأجنبية، تعتبر السعودية مكاناً مثيراً بما يكفى لإبقاء العين عليها ولكن هناك العديد من الاقتصادات الكبيرة الاخرى لتستثمر أموالها فيها.








