بقلم: توماس فريدمان
ما هى حقيقة القتال فى الشرق الأوسط اليوم؟ هل هى طائفية (سنة ضد شيعة) أم قومية (إسرائيلى ضد فلسطينى وعربى ضد فارسى)؟ أم هى شيء أعمق؟ وقد كنتُ أناقش هذا السؤال الرئيسى مع نادر موسافيزادا، مسئول كبير سابق فى الأمم المتحدة، ومؤسس مشترك لشركة «ماكرو أدفيزر بارتنرز» للاستشارات الجيوسياسية.
وأعطى موسافيزادا إطاراً آخر للمناقشة قائلاً: «إن الصراع الحقيقى فى المنطقة هو بين مشعلى الحرائق ورجال الإطفاء».
وهناك الكثير من الحقيقة فى ذلك، فنيران الطائفية والقومية التى تحرق الشرق الأوسط ليست طبيعية وحتمية بقدر ما قد تعتقد.
وأكد موسافيزادا وجود أفعال حرق متعمدة من قبل قادة مختلفين لكى يحققوا أهدافهم السياسية والاقتصادية والأمنية ضيقة وقصيرة الأفق، وحذر من خليط الإرهاق والاستسلام للواقع فى الغرب والذى يهدد بتوليد سيناريو صراع بين السنة والشيعة لا مفر منه.
ولكن هذا تاريخياً خطأ ويحرر قادة المنطقة من مسئوليتهم فى إدارة السلطة بطريقة شرعية وخاضعة للمساءلة.
وأضاف أن الانقسامات الطائفية حقيقية بالتأكيد ولكنها «غير حتمية» ولا تستدعى نشوب حريق طائفى فى المنطقة، بل إن مشعلى الحرائق هم من ينفثون فى النيران الطائفية، وإذا لم يشعلوا هذه النيران ويشجعوها ويزودوها بالوقود، سوف تنطفئ كالعادة.
فعلى سبيل المثال، يعد الرئيس السورى بشار الأسد مشعل حرائق، فعندما واجهته احتجاجات غير عنيفة وواسعة ضد حكمه الظالم، فتح النار على المتظاهرين، آملا بذلك أن ترد الأغلبية السنية فى سوريا بعنف ضد نظامه من الشيعة العلوية الأقلية، وبالفعل نجح ذلك، واليوم يقدم الأسد نفسه كمدافع عن سوريا العلمانية ضد المتعصبين السنيين.
وكذلك، رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى هو مسعر حرب، ففى الدقيقة التى تركت فيها الولايات المتحدة العراق، اعتقل عن عمد القادة السنيين، ولم يعد يدفع لقادة القبائل السنية التى تصدت للقاعدة، وعندما أدى ذلك فى النهاية إلى رد سني، دخل المالكى الانتخابات الأخيرة بصفته مدافعاً عن الأقلية الشيعية ضد «الإرهاب» السني، ونجح ذلك.
كما أن الفلسطينيين الذين اختطفوا الشباب الثلاثة الإسرائيليين مشعلو حرب، يستهدفون تبديد أى أمل لإعادة إحياء محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، كما أن اليهود المتطرفين مشجعى بناء المستوطنات فى مجلس الوزراء الإسرائيلى مثل نفتالى بينيت، ووزير الإسكان أورى أرئيل مشعلو نيران كذلك.
فقد أعلن أرئيل عمدا عن خطط لبناء 700 وحدة إسكان جديدة لليهود فى شرق القدس العربية فى وقت مناسب لكى يعصف بالدبلوماسية المكوكية لجون كيري، وزير الخارجية الأمريكي.
ومع ذلك، هناك من يطفئ الحرائق أيضا فى هذه المناطق مثل تسيبى ليفنى وشيمون بيريز فى إسرائيل، ورئيس الوزراء الفلسطينى السابق سلام فياض، ومحمد جواد ظريف فى إيران، وآية الله على السيستانى فى العراق، ولكنهم حاليا مغمورون بالأهواء الطائشة لمشعلى الحرائق.
ومن الصعب على من لم يعيشوا فى العالم العربى أن يفهموا أن الشيعة والسنة فى أماكن مثل العراق ولبنان والبحرين عادة ما يتزاوجون من بعضهم البعض، فالمذابح الطائفية لا تعبر عن الوضع الطبيعي.
وأوضح استطلاع رأى أجرته شركة «زغبي» لخدمات الأبحاث فى سبع دول عربية أن الأغلبيات القوية فى أى دول تفضل سياسات الولايات المتحدة التى تدعم الحلول المتفاوض عليها بشأن النزاع (فى سوريا) بالإضافة إلى المزيد من الدعم للاجئين السوريين، ولكن تعارض الأغلبية فى كل الدول أى شكل من أشكال التدخل العسكرى للولايات المتحدة أو تسليح الجماعات المعارضة.
وبالتأكيد، يحتاج التجانس بين الطوائف المختلفة إلى النظام، وليس بالضرورة قبضة حديدية، فالعراقيون أقاموا فى أبريل الماضى انتخابات حرة معتمدين على أنفسهم، فهذه المجتمعات تحتاج إلى التحول عن كونها محكومة بقبضة حديدية إلى «مؤسسات حديدية شرعية وشمولية وخاضعة للمساءلة وقوية بما يكفى لاحتواء المجتمع بأكمله معا» حسبما قال موسافيزادا.
وهذا يتطلب توافر القيادة الصحيحة، «لذا عندما يأتى قادة المنطقة إلى واشنطن وينتحبون من أجل المشاركة أو التدخل، ويطلبون أموالاً أو أسلحة، عليهم أن يجاوبوا أولاً عن السؤال التالي: هل أنت مشعل حرب أم انت مطفئ لها؟».
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: نيويورك تايمز