يبدو أنه لا يوجد شيء طبيعي فى الشرق الأوسط فى الوقت الحالي، فقد منعت إسرائيل الولايات المتحدة من أن يكون لها دور فى المحادثات مع مصر بشأن غزة، وتبدو العلاقات الامريكية – السعودية على نحو متزايد، وكأنها علاقة زوجية ندم كل طرف منهما على الدخول فيها، وتتظاهر السعودية بأنها ليست على دراية بالصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، والاحتجاجات ضد القصف الإسرائيلى فى غزة أكبر فى أوروبا من الاحتجاجات فى دول الشرق الأوسط.
ولا تنتهى المفاجآت عند هذا الحد، فقد كان الصمت النسبى لإيران بشأن الحرب على غزة صاخبا: إذ كان نواب البرلمان الإسبانى أكثر قوة فى نقدهم الهجمات الإسرائيلية على غزة من العديد من المسئولين الإيرانيين.
وعادة ما تعرف ايران باستغلال كل فرصة ممكنة لانتقاد إسرائيل انتقاداً لاذعاً حيال معاملتها مع الفلسطينيين، وقد عززت خطة اللعبة الايرانية خلال العقود القليلة الماضية محاولاتها للقيادة الإقليمية من خلال وصف الدول العربية بـ«الخدم الضعاف للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط». وفى الوقت ذاته، ترسم صورة لطهران بأنها البطل الحقيقى للقضية الفلسطينية، وبالتالى فإنها زعيمة العالم العربي.
وعادة ما يكون القتال بين إسرائيل وغزة مصدراً سياسياً جيداً لقادة إيران، ولكن وفقاً لمعاييرهم الخاصة بهم، لماذا ظل القادة الإيرانيون صامتين بحذر حيال القتال الدائر الذى دام شهراً حتى الآن؟ فقد غيرت الديناميكيات المتحولة عبر الشرق الأوسط والرئيس الجديد فى طهران الحسابات السياسية لإيران حيال فلسطين.
وتشتهر إيران بأنها الراعى الرئيسى لحماس، إذ تمد الجماعة بالصواريخ والأسلحة على مدار العقد الماضي، ولكن العلاقة بين الإسلاميين الفلسطينيين والحكومة فى طهران لم تكن أبداً خالية من الاحتكاك، فطالما اشتكى قادة حماس أن طهران تتحدث جيداً، لكنها عملياً لم تفعل سوى القليل لمساعدة الجماعة الإسلامية الفلسطينية.
وعلى الصعيد الأيديولوجي، دائماً ما يكون هناك فجوة بين جماعة الإخوان المسلمين السُنة والمفكرين الشيعة فى مدينة «قم» الإيرانية، ولم تصل تلك التوترات بين الجماعات الإسلامية المتباينة إلى أشدها إلا مع اندلاع الحرب الأهلية فى سوريا، عندما انحازت حماس إلى المعارضة السورية ودعمت طهران الرئيس السورى بشار الأسد، لكنَّ حماس وطهران قد تصالحتا رسمياً أوائل العام الجارى، حيث قال على لاريجاني، المتحدث بإسم البرلمان الايراني، إن العلاقات بين ايران وحماس قد عادت كما كانت من قبل وليس لدينا أى مشكلة مع حماس.
ولم تؤثر السياسات الدولية فقط على العلاقات بين حماس وايران، فقد خفف بشكل واضح، انتخاب الرئيس الإيرانى حسن روحانى العام الماضى وما تلاه من نجاح حتى الآن فى العلاقات الدبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة، من حدة موقف طهران العام تجاه اسرائيل.
فطالما فضل فريق السياسة الخارجية حول روحانى الدبلوماسية مع واشنطن، ويعتبر الادراك التام لتخفيض نغمة الخطاب الايرانى ضد اسرائيل أمراً ضرورياً لإحراز تقدم فى العلاقات مع الولايات المتحدة.
وبالنسبة للبعض فى طهران، توضح الحرب الحالية فى غزة ورد فعل الدول العربية على تلك الحرب أن واشنطن كانت مخطئة فى الانحياز إلى الإخوان المسلمين وحلفائها بعد الانتفاضات العربية عام 2011، واعتقاد الولايات المتحدة، أن مستقبل الشرق الأوسط بات فى أيدى الحركات القومية الإسلامية السنية المعتدلة، حيث افتقرت تلك الجماعات إلى الدعم الشعبى للفوز بالمعركة السياسية من أجل مستقبل المنطقة.
وسواء كانت تصورات طهران للحسابات الامريكية صحيحة أم لا، فهى الآن ليس لها علاقة بالموضوع، وقد أكدت الحكومة الايرانية مرة أخري- من خلال الصمت هذه المرة بدلا من الخطاب اللاذع – أن القضية الفلسطينية بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية وسيلة وليست غاية.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين بوليسى








