بقلم: سيرجى جيريف
يرى العديد من النقاد، أن العقوبات المفروضة على روسيا جراء ما قامت به فى أوكرانيا غير فعالة، لأنها محدودة جداً فى الحجم والمدي، وعلاوة على ذلك فهم يعتبرون العقوبات أنها تسمح لفلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، بأن يلقى باللوم على الغرب لمشاكله الداخلية.
وفى الواقع، رحب بعض مؤيدى بوتين داخل روسيا بالعقوبات كوسيلة لإجبار روسيا على الاستقلال اقتصادياً عن الدول الأخرى وبالتالى الاستقلال الاستراتيجى عن الغرب.
وهذه الحجج خاطئة، فعلى الرغم من أن الصين لا تدعم هذه العقوبات، فإن لها بالفعل تأثيراً قوياً، كما تشكل التوقعات، باحتمالية تشديد هذه العقوبات أكثر، مصدراً كبيراً للقلق بالنسبة للمستثمرين والحكومة الروسية، وفى الوقت ذاته، سوف يتضمن الاستقلال الاقتصادى الكلى انخفاضاً كبيراً فى مستويات المعيشة الروسية – التى تعد أساس الدعم الشعبى لبوتين.
وقد فرض الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة عقوبات على أكبر المسئولين والبنوك والشركات الرائدة فى روسيا، وتتضمن قائمة الاتحاد الأوروبى جميع البنوك الرئيسية المملوكة للدولة، والأهم من ذلك أن الاتحاد الأوروبى، أضاف إلى تلك القائمة بنك سبيربنك، الذى يعد حجر الزاوية للنظام المالى الروسي، مع إجمالى أصول يبلغ حوالى %30 من الناتج المحلى الإجمالى الروسى ونحو نصف ودائع قطاع التجزئة الروسية.
وتحد العقوبات حاليا من وصول سبيربنك إلى أسواق المال الأوروبية، ففى القريب العاجل، سوف يتمكن سبيربنك، والبنوك الأخرى المفروض عليها العقوبات، من استبدال الأموال الأوروبية بأموال البنك المركزى الروسى أو المصادر الآسيوية، ولكن حقيقة أن بنك سبيربنك مدرج فى قائمة العقوبة خلق نوعاً من القلق الشديد لجميع المستثمرين الأجانب فى روسيا.
وهم على حق فى قلقهم، فالنظام المالى الروسى معرض للخطر على نحو كبير، إذ يبلغ إجمالى الدين الخارجى للقطاع المصرفى 214 مليار دولار، منها 107 مليارات دولار من المقرر استحقاقها فى غضون عام و129 مليار دولار فى غضون عامين، ويبلغ إجمالى الدين الخارجى للشركات غير المالية 432 مليار دولار، مع 128 مليار دولار مستحق دفعها فى غضون عام و175 مليار دولار فى غضون عامين، تعد هذه الأرقام ضخمة حتى بالنسبة لروسيا، مع احتياطيها من النقد الأجنبى الذى يبلغ 480 مليار دولار.
وبالمثل، فإن حظر تصدير المعدات التكنولوجية إلى روسيا لقطاع البترول والغاز لا يحمل أى تأثيرات فورية على الاقتصاد الروسي، لكنه على مدى الأعوام القليلة المقبلة سوف يتعين على روسيا استخدام التكنولوجيا الغربية لتطوير حقول البترول الجديدة، وإلا سوف يتوقف الناتج أو حتى ينخفض، ما يلحق ضرراً شديداً بقيمة العملة ومستويات المعيشة.
وتدرك الأسواق المالية والحكومة الروسية جدية المخاطر على المدى المتوسط، ولتجنب انخفاض قيمة الروبل والضغوط التضخمية، قام البنك المركزى الروسى برفع أسعار الفائدة إلى %8 (من %5.5 قبل أزمة القرم)، ولكن ربما لا يكون ذلك كافياً، فنظراً لأن العقوبات المضادة التى استحدثتها روسيا مؤخرا- فرض قيود على واردات الغذاء من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة- سوف تساهم فى ارتفاع الأسعار ارتفاعا كبيرا.
وتقوم شعبية بوتين على مستويات المعيشة المرتفعة تاريخيا، فاستهلاك الأسر السنوى الآن ضعف المستويات التى سجلها فى الأيام الأخيرة للاتحاد السوفيتي، فقد قاد الاندماج الروسى فى الاقتصاد العالمى نمو الاستهلاك إلى نحو كبير ولا يمكن استمراره دون هذا الاندماج.
ويدرك الجيل الأخير من قادة الاتحاد السوفيتى أهمية الحفاظ على مستويات المعيشة، فعندما انهارت أسعار البترول فى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، انهار استهلاك الأسر، وبعد فترة وجيزة انهار الاتحاد السوفيتي.
وبالرغم من أن أسعار البترول لاتزال مرتفعة اليوم، فسوف يواجه النظام المالى والميزانية الروسية مشاكل خطيرة خلال العامين أو الثلاثة المقبلة، فماذا سيكون رد فعل الحكومة الروسية؟ بوتين لا يستطيع تحمل العودة إلى وضع ما قبل ضم القرم، مما سيتم اعتباره محلياً هزيمة سياسية كبري.
وهذا يعنى أن العقوبات ستظل كما هي، ولكن بعد استخدام القمع السياسى بالفعل والرقابة والدعاية، فسوف تكون أدوات بوتين للحفاظ على سيطرته محدودة بسبب انخفاض مستويات المعيشة، وطبيعة هذه المعضلة تجعل من المستحيل التنبؤ بما سيقوم به بوتين لاحقاً.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: بروجيكت سينديكيت