بقلم: نيك باتلر
من إحدى المفارقات فى الموقف الفوضوى الحالى فى الشرق الأوسط هو إمكانية فقدان دولة ما لأكثر الدول التى ساعدتها فى أزماتها.
وبينما تفكر الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية مليا بشأن ما إذا كان ينبغى عليها التدخل لمنع تفكك العراق، نجد الصين غائبة عن المشهد، على الرغم من أن الصين فى حاجة إلى كميات متزايدة من البترول العراقى، وتبلغ الآن واردات البلاد من البترول الخام والمنتجات البترولية 8 ملايين برميل يوميا، وهذه الكمية آخذة فى الازدياد.
وأفادت تقديرات وكالة الطاقة الدولية الأخيرة بأن واردات الصين من البترول، من الممكن أن تتجاوز 11 مليون برميل يوميا مطلع عام 2030، ومن الممكن أن يزداد هذا الرقم إذا لم تتمكن الصين من زيادة إنتاجها الخاص بها من البترول.
والدولة الوحيدة فى العالم التى من المرجح أن تمد الصين بمثل هذه الزيادة هى العراق، وليس من وليد الصدفة أن تستثمر الصين بكثافة فى تطوير حقول البترول العراقية مثل الرميلة وغرب القرنة وخارج البصرة فى الجنوب، وتعد الصين، وفقا لبيانات الحكومة العراقية، أكبر مستثمر أجنبى فى قطاع البترول فى العراق، ونظرا لانخفاض معدلات استهلاك البترول، وتراجع الحاجة إلى استيراده فى الولايات المتحدة، حتى أن قضية أمن الطاقة أصبحت قضية صينية.
ويعتبر التوقيت أمر بالغ الأهمية، فلا يوجد هناك نقص فورى فى البترول، ولذلك استمرت أسعار البترول فى التراجع، حيث انخفضت بإطراد على مدار الشهر الماضى إلى 103 دولارات للبرميل- وتتوقع العديد من الشركات أن تنخفض الأسعار خلال الأسابيع القادمة لتصل إلى أقل من 100 دولار.
ومن المؤكد، أن الأسعار تزيد من الضغوط لإرجاء الاستثمارات الرأسمالية الجديدة من أجل زيادة العائدات على المدى القصير، وتخفض العديد من شركات البترول الكبرى نفقاتها الرأسمالية العام الجارى، ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ستدخل لفترة طويلة من الصراع الداخلى، أماكن من الأفضل تجنبها، فربما يكون الرؤساء التنفيذيين لشركات البترول غير قادرين على تفسير الاختلافات الدينية بين السنة والشيعة، ولكنهم يدركون الخطر الأمنى عندما يشاهدون إحدى هذه الصراعات، مثل الهجوم على عين أمناس فى الجزائر، ويعرفون مدى سهولة وقوع منشآت الغاز والبترول والقوى العاملة الخاصة بهم تحت طائلة تلك الصراعات الأهلية.
والمشكلة التى تواجه الصينيين هى أن هناك خمسة عشر عاما فقط على حلول عام 2030 – وتعد هذه المدة داخل الجدول الزمنى للصين لإنهاء التطورات التى تم تصميمها والتخطيط لها- وإذا تم تأجيل التطورات واسعة النطاق فى العراق، سوف يواجه الصينيون حينئذ مجموعة من الخيارات الصعبة.. الخيار الأول: هو الحد من الطلب على البترول من خلال التحكم بشكل صارم فى أعداد السيارات واستخدامها، وتعد الصين واحدة من البلدان القليلة فى العالم التى يمكن أن تطبق مثل هذه القيود بفاعلية، ولكنها يمكن أن تستمر فى تجاهل التوازن الدقيق بين الحرية الاقتصادية الشخصية، وارتفاع مستويات المعيشة الذى مكن الحكومة فى بكين من الحفاظ على النمو لمدة ثلاثين عاما دون أى تحد سياسى كبير.
الخيار الثانى هو الاعتماد على السوق الدولى المفتوح من أجل حصولها على الإمدادات، ومما لا شك فيه أن الصين تستطيع تحمل التكلفة، ولكن المشكلة هنا أنه فى منتصف عشرينيات القرن الواحد والعشرين، من الممكن أن تكون الخيارات محدودة، فحينئذ من الممكن أن تواجه العديد من البلدان المصدرة للبترول – بما فى ذلك بعض الدول فى منظمة الأوبك- قيودا قاسية على قدرتها على التصدير.
ويعد الخيار الثالث مقبولا بالكاد، وهو أن تدرك الصين أنه وبالنظر إلى اعتبارها دولة تجارية، فإن لديها مصلحة مباشرة فى استقرار الدول التى تبرم معها صفقات تجارية، فإذا استمرت الولايات المتحدة، كما يبدو مرجحا، فى مقاومة فكرة أن تضع أقدامها مرة أخرى فى الشرق الأوسط، قد يجد الصينيون أنفسهم مجبرين على أن تصبح هى الضامن على استقرار الأنظمة التى تهمها.
وقد نشرت صحيفة «الشعب» اليومية الصينية مقالا مؤخرا تعترف فيه بأن الصين جزء من النظام الدولى، وعليها مسئوليات تجاه استقراره، وبالنسبة للصين فإن عواقب كونها واحدة من أكبر الاقتصادات فى العالم قد بدأت فى الظهور.
المصدر: الفاينانشيال تايمز
إعداد: نهى مكرم







