تأمل البنوك بعد سبع سنوات من التكفير عن ذنب دورهم فى الأزمة المالية العالمية أن تنتهى قريبا الإصلاحات المؤلمة التى فرضت عليها، ولكن لسوء حظها، لم تهدأ حماسة المشرعين الذين يسعون لتشديد القواعد القديمة وابتكار قواعد جديدة مما يبشر بموجة جديدة من الهيكلة.
واستحدث المشرعون ما لا يقل عن أربعة تدابير جديدة تتعلق بمتانة ميزانيات البنوك منذ الأزمة المالية العالمية، بما فى ذلك تدبير من المزمع أن تنتهى منه مجموعة العشرين فى نوفمبر، وتأتى هذه الإجراءات الأربعة الجديدة مباشرة بعد المعايير الأعلى لرأس المال المتضمنة فى اتفاقية «بازل 3».
وأحد أكثر هذه التدابير إثارة للجدل هو نسبة الرافعة المالية، التى تحد من قروض واستثمارات البنوك إلى مضاعفات معينة من رأسمالها دون الأخذ فى الاعتبار مدى خطورة هذه الاستثمارات، ويقول المشرعون فى العديد من المناطق إنهم سوف يعتمدون أقصى نسبة رفع مالى ممكنة، ولكنهم لم يقرروا بعد ما هى المضاعفات المناسبة، ولكن عادة ما يكون المشرعون المحليون أكثر صرامة من النسب المحددة فى الاتفاقات الدولية.
وذكر تقرير لمجلة «الإيكونوميست» أن رأس المال ليس هو المجال الوحيد الذى لا يزال غير مكتمل التنظيم، فالقواعد الجديدة المتعلقة بكيفية هيكلة البنوك هى أكثر مجالات النقاش حداثة، ويريد المنظمون وضع قواعد أبسط تجعل من السهل عليهم تصفية المصارف التى لا تحقق المعايير المطلوبة أو التعامل مع البنوك التى تحققها.
ورفضت مؤسسة تأمين الودائع الاتحادية خطط طوارئ أو ما يعرف بـ «living wills» التى قدمها أكبر 11 بنكاً أمريكياً لتوضيح كيفية تصرفها فى حالة الإفلاس أو الإغلاق أو البيع أو التصفية.
ونظريا، قد يؤدى الفشل فى معالجة هذه المشكلة إلى تصفية جبرية لعمالقة المصارف، وبينما لا يبدو ذلك ممكنا، قد يظهر فى الأفق تغيير إلزامى لهياكل البنوك القانونية أو اشتراطات أعلى لرأس المال.
ويدرس الاتحاد الأوروبى منذ سنوات إلزام البنوك بحماية وحدات مختلفة سواء من خلال نقل بعض أصولها للخارج أو إدارتها بطريقة تضمن أن الخسائر فى جزء ما لا تؤثر على الجزء الآخر للحد من انهيار البنوك فى أوقات الأزمات، وهذا قد يتطلب زيادة فى رأس المال.
وعلاوة على ذلك، تمثل القواعد الأوروبية للحد من المكافآت والخطط البريطانية لاسترداد المكافآت السابقة مصدرا آخر للإزعاج، كما أعاق النظام الجديد لتداول المشتقات المالية تحقيق الأرباح فى مجال كان مربحا فى السابق.
وتعد الغرامات من بين أشد ما يزعج المصرفيين، التى تضخمت من مجرد حوادث نادرة إلى سيل يهز القطاع، وقالت شركة «هو فان ستينز» التابعة لمورجان ستانلى إن المشرعين من حول العالم سوف يقتنصون 295 مليار دولار بحلول 2016، وبلغت حصة بنكى «بنك أوف أمريكا» و«مورجان ستانلى» وحدهما من هذه الغرامات حوالى 100 مليار دولار.
ووقع العبء الأكبر على البنوك التى اعتبرت «أكبر من أن تنهار» أو«ذات الاهمية النظامية»، واضطرت العديد من تلك البنوك إلى احتجاز أرباحها أو إصدار أسهم جديدة لتعزيز رأسمالها لتتماشى مع القواعد الجديدة مما أغضب المساهمين.
وتعرضت المجموعات مثل «سيتى جروب وباركليز وإتش إس بى سى» التى تجمع بين خدمات الصيرفة الاستثمارية وبين عمليات التجزئة لعذاب تنظيمى خاص بها بحكم حجمها وتعقيداتها وترتيبات تمويلها.
وبدأ بعض عمالقة الصيرفة الاستثمارية بما فى ذلك «جى بى مورجان» و«يو بى إس» فى التركيز على قطاع إدارة الأصول، وهو قطاع لا يثير قلق المشرعين بنفس القدر.
ومع ذلك، قد يظهر موقف تنظيمى أكثر ليونة، إذا فاز الجمهوريون فى أمريكا على سبيل المثال فى انتخابات مجلس الشيوخ فى نوفمبر القادم، أما فى أوروبا، سوف ينتقل التشريع من الوكالات الوطنية إلى البنك المركزى الأوروبى الذى قد يتبنى حجج المصرفيين بأن القواعد الأكثر صرامة على رأس المال سوف تعوق الاقتصاد الأوروبى المعتمد بشدة على الإقراض المصرفى.
كما توسل البنك المركزى البريطانى مؤخرا للمشرعين الأمريكيين بأن يستشيروا نظراءهم بالخارج قبل فرض أى غرامات مدمرة.
لكن معظم المشرعين يعتقدون أن البنوك الكبرى هى المسئولة عن الأزمات، ولكن فى الواقع هم يسمحون للشركات العميلة بالاستدانة إلى مستويات تدفع باتجاه أزمة.







