يقع الغاز الطبيعي في دائرة اهتمام اقتصاديات الدول حول العالم وذلك في ظل ثروة الغاز الصخري المكتشفة حديثًا بالولايات المتحدة، خفض الاعتماد على الطاقة النووية عقب حادث فوكوشيما باليابان، والتوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا.
وتسبب اكتشاف كميات هائلة من موارد الغاز الطبيعي غير التقليدية على مدار العشر سنوات الماضية في تحول جوهري وإعادة تشكيل أسواق الطاقة العالمية، حيث يمثل الاستهلاك الحالي من الغاز الطبيعي 25% من إجمالي الاستهلاك العالمي الأولي للطاقة تقريبًا، وذلك وفقاً لتقرير نشره موقع “آي إم إف دايريكت”.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الغاز الطبيعي مختلف عن أغلب مصادر الطاقة الأخرى، كونه أخف من الهواء ويصعب نقله بالإضافة إلى التكاليف الباهظة لنقله، وبالتالي فإن الغاز الطبيعي أصبح سلعة إقليمية أكثر من كونها عالمية نظرًا لأن شحنه أو نقله يتطلب تدشين شبكة أنابيب مكلفة وبنية تحتية وأجهزة خاصة.
أولاً: ثورة الغاز الصخري بالولايات المتحدة:
مع إحراز تقدم ملموس في عمليات الحفر بالصخور، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من الغاز على نحو حاد مما جعلها أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، ومن المتوقع أن تبدأ تصديره قريبًا، وكان لهذه الثروة المكتشفة أثر بالغ على تجارة الطاقة العالمية، حيث انخفضت الواردات الأمريكية من الوقود الأحفوري إلى 225 مليار دولار عام 2013 من 412 مليار دولار عام 2008.
وأدى ذلك إلى انخفاض أسعار الغاز على الصعيد العالمي بالإضافة إلى زيادة التنافسية الأمريكية في المنتجات غير النفطية، كما أدى هبوط أسعار الغاز الطبيعي بالسوق الأمريكي إلى دعم الصادرات الصناعية بحوالي 6% منذ الاكتشاف المذهل للغاز الصخري.
وفي ظل استغلال الدول لمصادر جديدة للغاز الطبيعي، ليس فقط على الصعيد الجغرافي بالتداولات على منتجات الطاقة، فإن جغرافية التصنيع سوف تتغير أيضًا، فعلى سبيل المثال، تعد الولايات المتحدة الدافع الرئيس وراء انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، ولاسيما عقب اكتشاف الغاز الصخري، وهو ما أدى إلى استقرار أسعار الطاقة العالمية وتحرير المعروض لأوروبا وآسيا ليوازن النقص في الإمدادات.
ثانياً: تداعيات كارثة “فوكوشيما”:
أدت الكارثة التي وقعت بمفاعل “فوكوشيما” النووي باليابان في أعقاب زلزال ضرب البلاد في شهر مارس/أذار عام 2011 إلى تسليط الضوء على المخاطر البيئية المتعلقة بالطاقة النووية، حيث قلصت الحكومات الاعتماد عليها متجهةً إلى الغاز الطبيعي، وقبل هذه الكارثة، اعتمدت اليابان على الطاقة النووية بمقدار الربع، ولكنها أوقفت إنتاجها بعد ذلك.
ولكي تعوض اليابان النقص في إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، اعتمدت في مصانعها ومولداتها على الغاز الطبيعي حيث ارتفعت واردات البلاد من هذا المصدر بنسبة 40% منذ الكارثة، وأدى ارتفاع الطلب إلى زيادة حادة في أسعار الغاز الطبيعي بالتعاملات الآسيوية، خاصةً في اليابان، وبمقدار الضعف في أوروبا، وأربعة أضعاف بالولايات المتحدة.
ثالثاً: التوترات الجيوسياسية:
سلطت الأزمة المستمرة في أوكرانيا الضوء على أسواق الطاقة الأوروبية واعتمادها على الغاز الطبيعي، حيث تتعرض أوكرانيا ودول أخرى جنوبي القارة لمخاطر وقف إمدادات الغاز الروسي، وهو ما يلقي بظلاله على ارتفاع الأسعار ليس فقط الغاز الطبيعي ولكن ربما يمتد لمصادر طاقة أخرى.
رابعاً: الوقود كسلعة عامة:
وأشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن تزيد تجارة الغاز الطبيعي المسال، وأن تصبح الولايات المتحدة مصدر تدريجي للغاز الصخري، كما يُتوقع ارتفاع أسعاره بالأسواق الأمريكية ولكن بوتيرة أقل من الأوروبية والآسيوية، مع الوضع في الاعتبار أن الغاز الطبيعي هو أكثر مصادر الطاقة الأحفورية (المنتجات البترولية والفحم) صديقًا للبيئة مما يقلل الاعتماد على الطاقة النووية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه الأسواق مزيجًا من الطاقة، إلا أن السياسة تلعب دورها، حيث تتجه بعض الحكومات إلى الفحم والطاقة المتجددة، وهو ما يؤثر على أسعار الطاقة في المقابل، ولكن يوازن ذلك المخاوف البيئية والكفاءة الاقتصادية وتأمين الطاقة.
ارقام








