المهاجرون غير الشرعيين يختبرون إنسانية أوروبا

بقلم: بادى أشداون

يصطدم الساسة البريطانيون، على مدار السنين، مع المسئولين الأوروبيين بشأن كل شيء تقريبا بدءا من حجم مكافآت المصرفيين إلى كمية الطاقة التى تستهلكها المكنسة الكهربائية.
ولكن الأسبوع الماضي، توصلت بروكسل إلى نتيجة بشأن مسألة تتعلق بالحياة والموت، وأثارت تلك النتيجة همهمة تدل على موافقة الحكومة البريطانية ألا وهى أن أفضل الطرق لتثبيط المهاجرين من شمال أفريقيا عن البحث عن حياة أفضل هو تركهم يغرقون.
ويُعتقد أن حوالى 700 شخص، معظمهم نساء وأطفال، غرقوا أثناء محاولاتهم تجاوز البحر المتوسط إلى أوروبا فى 2013، أما هذا العام فقد بلغ الرقم 3000، أما الذين استطاعوا الوصول بسلام إلى الشواطى الأوروبية حتى الآن هذا العام فقد بلغوا 180.000.
وتعد الإنسانية واحترام الحق فى الحياة أحد المبادئ الأوروبية، ولكن تتعرض تلك المبادئ للاختبار عندما يكون للقارة المزدحمة أصلاً جيران من بين أفقر المناطق فى العالم وأكثرها تقلبا.
ويسافر اللاجئون لمسافات بعيدة بعد أن يطأوا الأراضى الجافة، لذا تعد التدفقات مشكلة لكل الدول الأوروبية، ولكن لم يبد أى أحد اهتماماً بالتعامل مع هذه المشكلة، على الأقل حتى أكتوبر من العام الماضي، عندما غرق مركب صيد مكتظ بالإريتريين والصوماليين على بعد ميل من الجزيرة الإيطالية لامبيدوزا، ويُعتقد أن 300 شخص لقوا حتفهم فى هذه الواقعة.
وحثت هذه الواقعة البحرية الإيطالية على إطلاق عملية «بحرنا» والتى أنقذت 150.000 روح، وتحملت روما وحدها التكلفة الشهرية البالغة 9 ملايين يورو، بينما اكتفت العواصم الأوروبية الأخرى باستغلال كرم وإنسانية الإيطاليين.
وشعر مهربو الأشخاص – أكثرهم فى مصر – بسعادة غامرة من هذه العملية واستغلوا الرأفة الإيطالية، بل وكانوا يتصلون بالبحرية الإيطالية ليخبروهم بوجود قارب به تسريب ومليء بالهاربين بعيدا عن ساحل شمال أفريقيا، ويعلمون أنه بموجب القانون الدولى يجب على الإيطاليين إنقاذ هؤلاء من تخلى عنهم المهربون.
وتوصل الإيطاليون فى الأخير إلى أنهم لا يستطيعون الاستمرار فى مشاهدة كرمهم يُساء استغلاله.
وبذلك، أُجبر الاتحاد الأوروبى على التحرك، ولكنه لم يختر تخفيف الحمل عن الإيطاليين أو مساعدتهم، ولكنه قرر إرسال قوات الحدود الأوروبية التى سوف تتلقى تمويلاً يعادل ثلث ما كانت تنفقه إيطاليا، ولن يُسمح لهم بالعمل خارج المياه الإقليمية الأوروبية، أى لن ينقذوا اللاجئين المهجورين فى المياه الدولية، كما كانت تفعل البحرية الإيطالية، بل سيتركونهم يغرقون.
وقيل إن مشهد النساء والأطفال وهم يغرقون بأعداد كبيرة سيكون مساعداً على تقليل «عامل الجذب» الذى ينشأ عند إنقاذهم.
ولن تضر السياسة الأوروبية بالمتاجرين بالناس، فالضحايا المقصودون هم الحطام البشرى البائس الذين تخلى عنهم المجرمون.
فهل تجردت بروكسل حقا من الأخلاق الإنسانية المشتركة لدرجة أنها تفكر فى مثل هذه الحجج، ناهيك عن دعوتنا لقبولها؟
كما لن تفلح هذه السياسة، فالزيادة المشهودة فى عدد اللاجئين كانت بعد غرق قارب لامبيدوزا، ولم يستطع ذلك المشهد المأساوى إبعاد الناس، وبالتالي، فإن المزيد من الوفيات لن يكون عاملاً رادعاً فعالاً.
وصحيح أن عمليات الإنقاذ الإيطالية بدأت بعد لامبيدوزا، ولكن يبقى عبور البحر خطيرا فى كل الأحوال، فالناس تخوض هذه التجربة بسبب الظروف اليائسة التى يعيشونها، ورغم المخاطر، فإنها لن تكون أكثر إثارة للخوف من البقاء حيث هم.
ولكن ما الذى ينبغى على الدول الأوروبية – بما فيها بريطانيا – فعله بدلا من ذلك؟ ستكون بداية جيدة أن نساعد الإيطاليين بدلا من تركهم يقومون بكل العمل الصعب وحدهم، كما يمكن أن تقوم بروكسل بالمزيد لكى تضغط على حكومة مصر وحكومات شمال أفريقيا الأخرى لكى تتخذ إجراءات ضد المهربين، وأن تقدم لهم الدعم التقنى اللازم.
كما ينبغى أن تستثمر أوروبا أكثر بكثير فى تنمية المنطقة التى ترعرعت فيها النزاعات لوقت طويل، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الدبلوماسية لها، فالصومال دولة فاشلة، وإثيوبيا تقترب من الانهيار، أما إريتريا فتقع فى قبضة نظام وحشى يتحكم فى مواطنيها من خلال «الخدمة الوطنية» غير المحدودة للرجال والنساء من عمر 17.
وينبغى على بريطانيا أن تضغط على شركائها الأوروبيين لزيادة المساعدات الإنمائية فى شمال وشرق أفريقيا، فالغرب بالفعل ينفق المليارات عندما يتعلق الأمر بخوض حرب، ولكن عندما يتعلق الأمر بمنع صراع أو إعادة بناء السلام، لا يقدم سوى بنسات. وتطبيق أى من المقترحات السابقة – أو تطبيقها معا – سوف يكون أفضل بكثير من السياسة التى تقترحها أوروبا والتى فضلا عن أنها غير إنسانية وغير أخلاقية وغير شرعية، لن تفلح.

إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز