يعد تنظيم الشركات الإلكترونية وتطبيق القواعد المحلية فى عالم الإنترنت غير المحدود إشكالية، ومعظم التنظيمات المستخدمة حالياً هى نفسها القواعد المطبقة على الشركات التقليدية، متجاهلة لواقع أن أغلب المعاملات على الإنترنت تقع خارج الحدود الوطنية.
غياب التنظيمات فى عالم الإنترنت غير المحدود
أوضحت لجنة التجارة الإلكترونية الفيدرالية فى تقرير لها عن حماية المستهلك عبر التجارة الإلكترونية، إن المتسوقين عبر الإنترنت أكثر عرضة لسرقة معلوماتهم المالية، خاصة عند التسوق من مواقع أجنبية وهذا بسبب تباين إجراءات الخصوصية والأمان، لذا فقد دعت اللجنة الحكومة الأمريكية إلى أن تكون سباقة فى العمل مع الدول الأخرى من أجل تنسيق وتطبيق القوانين الدولية لحماية المستهلك بشكل أكثر فاعلية.
ورغم أن اللجنة أيدت توحيد قواعد التجارة الإلكترونية عالميا، فإنها لم تكمل المسيرة ولم تعين مؤسسة بعينها لوضع القواعد وتنفيذها، وبدلاً من ذلك، فقد وضعت تصوراً لعالم الإنترنت فى المستقبل تقوم فيه شركات القطاع والحكومات بالتوصل إلى إجراء بديل لتسوية النزاعات وإلى معايير مقبولة تتعلق بممارسات التسويق العادلة.
وتعد الولايات المتحدة أقل الدول تنظيماً لشركات الإنترنت، وربما بسبب قوة نشاط جماعات الضغط لصالح هذه الشركات، هذا بالإضافة إلى الترويج الشديد للتأثيرات السلبية لمثل هذا التنظيم على القطاع من قبل شركات كبيرة مثل «أمازون».
أما الاتحاد الأوروبى، وخاصة هيئته الإدارية، المفوضية الأوروبية، فقد كان أكثر اهتماماً من الولايات المتحدة فى لعب دور فاعل فى تنظيم التجارة الإلكترونية، ويرجع ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبى كان حينها فى خضم عملية تكامل اقتصادى مما يتطلب وضع قواعد محددة.
ولذلك أصدرت المفوضية الأوروبية فى عام 2000، قانون توجيهياً لتنظيم التجارة الإلكترونية، ويضع هذا القانون إطاراً للتجارة الإلكترونية من خلال قواعد منسقة بشأن الشفافية والمعلومات المطلوبة لشركات تقديم الخدمات، والاتصالات التجارية، والعقود الالكترونية.
كما يعمل هذا القانون التوجيهى على تعزيز التعاون الإدارى بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، وتحسين دور التنظيم الذاتي.
ومع ذلك، يقول المحللون إن التنظيم الذاتى – أى تنظيم الدول لهذا القطاع محلياً كل على حدة – سوف يخلق المزيد من التخبط ويعوق نمو قطاع التجارة الإلكترونية فى المنطقة مما سوف يضر بتنافسيته عالمياً.
وتعد الصين من بين أكبر الأسواق العالمية للتجارة الإلكترونية، ولكن نظراً لانغلاق الأنظمة الاقتصادية فى الصين، فقد كانت ردود أفعال الدولة تجاه تنظيم القطاع متضاربة، ففى الوقت الذى كانت تشجع فيه القطاع وتستثمر فى البنية التحتية التى تجعل الدولة أكثر تنافسية فى هذا المجال، فقد واصلت الإبقاء على ضوابط صارمة لتطور القطاع، وطبقت إطاراً قانونياً يعكس اهتمام الدولة بالقطاع.
وجاء آخر هذه التنظيمات فى فبراير الماضى، وقال المحللون – حسبما ورد فى تقرير لجريدة «وول ستريت جورنال» – إن هذه الإجراءات تعيد التأكيد على قوانين حماية المستهلك والبيانات السابقة، ومع ذلك، فإنها تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للتجارة الالكترونية فى الصين.
وتوقعت شركة «فوريستر ريسيرش» أن يرتفع إجمالى المبيعات على الإنترنت فى الصين إلى 356.1 مليار دولار فى 2016 من 169.4 مليار دولار العام الماضى، بينما تنبأت أن تصعد مبيعات الإنترنت فى الولايات المتحدة إلى 327 مليار دولار من 226 مليار دولار خلال نفس الفترة.
ومن بين ما تدعو إليه القوانين الجديدة، تسجيل الأشخاص بأسمائهم الحقيقية عندما يستخدمون مواقع مثل «تاوباو» التابع لـ «على بابا» لبيع الأغراض، كما ينص على سياسة استرجاع لا تتجاوز سبعة أيام لمعظم السلع، ويلزم منصات الدفع عبر الإنترنت بأن تحمى خصوصية البيانات الخاصة بالمستخدمين بشكل أكبر.
ولا تطبق الصين ضرائب على مبيعات الإنترنت حتى الآن ولكنها بدأت مؤخرا تدرس إمكانية فرض الضرائب وكيفية ذلك.
أمريكا تستجيب لشركات التجزئة الإلكترونية وتؤجل قانون الضرائب
أصبحت قضية فرض ضرائب على قطاع التجارة الإلكترونية أمراً حساساً داخل الولايات وحول العالم أجمع، وبدأت معظم الدول مناقشة تحديد إجراءات ضريبية خاصة لمشتريات الإنترنت، ما يخلق فئة جديدة تماماً من التشريعات التى ستسلط الضوء مجدداً على الصراع بين الهياكل القانونية الوطنية والإنترنت غير المتقيد بحدود.
وظهرت فكرة الضرائب أول ما ظهرت على مبيعات البرامج ولم تكن قد نشأت بعد مواقع مبيعات التجزئة مثل الملابس والأحذية والبضائع الفاخرة، والشركات مثل «أمازون» و«على بابا».
مع ذلك فقد سارعت دول الاتحاد الأوروبى بفرض ضرائب على صفقات الإنترنت من خلال ضريبة القيمة المضافة والتى تعمل كضريبة استهلاكية ويمكن أن تصل إلى %20، بينما أصرت الولايات المتحدة على إعفاء الشركات الإلكترونية من الضرائب بموجب قانون «الإعفاء الضريبى للإنترنت» الذى طرحته فى عام 1998.
وفى عام 2000، نشب خلاف حاد بين الولايات المتحدة وأوروبا بعدما اقترحت المفوضية الأوروبية أن تقوم الشركات التى تبيع منتجات إلكترونية معينة بما فى ذلك، برامج الحاسب الآلى «السوفت وير»، فى منطقة اليورو بجمع ضريبة القيمة المضافة من المستهلكين الأوروبيين، ورفضت الشركات الأمريكية فكرة جمع ضرائب للحكومات الأوروبية، وبعد ذلك قامت بعض الدول الأوروبية بتقديم بعض المقترحات البديلة أدت كل منها إلى إثارة الخلاف بين جانبى الاطلنطي.
كما كانت الدول الأوروبية فى مجموعة السبعة الأكثر حماساً لتأسيس نظام يطالب شركات التجارة الإلكترونية بالتسجيل فى هيئات الضرائب فى الدول التى ترغب فى بيع المنتجات الرقيمة فيها، التى يتم تحميلها مثل الموسيقى والبرامج.
ومع ذلك، فقد قاومت الولايات المتحدة هذه المقترحات مجدداً، وترجع هذه المقاومة إلى هيمنة الشركات التجارية الأمريكية على هذا القطاع، وبالتالى ستكون الأكثر ضرراً من هذه التنظيمات.
وبعد ظهور شركات التجزئة الإلكترونية، بدأت الشركات التقليدية مهاجمتها، وطالبت الحكومات بفرض ضرائب على أرباحها، وضرائب مبيعات على المستهلكين مثلها مثل الشركات التلقيدية صاحبة المنافذ والمحال.
وبالطبع تأثرت مبيعات وأرباح شركات التجزئة التقليدية بعدما أصبح بالإمكان شراء جميع المنتجات تقريباً من الإنترنت دون عناء، ومع ذلك فقد قوبلت تلك الطلبات بالرفض فى أمريكا.
أما فى أوروبا، فقد طالبت شركات التجارة الإلكترونية الحكومة بإلغاء ضريبة المبيعات فى رسالة بعثتها ست شركات إلكترونية إلى وزارة المالية معربين فيها عن قلقها من أن تؤدى الضرائب على مبيعات الإنترنت إلى معربة قطاع منتعش فى بريطانيا وإعاقة خلق الوظائف.
ومع ذلك فقد ردت الوزارة فى خطاب قالت فيه إن الحكومة فضلت اتباع نهج يهدف إلى ضمان تطبيق المبادئ العامة على جميع الشركات سواء كانت تعمل على الإنترنت أو من متجر مادى أو كلاهما.
أما فى أمريكا، فقد نجحت شركات التجزئة التقليدية فى الضغط من أجل استحداث قانون ينهى مجانية التسوق عبر الإنترنت المحميّ بموجب قانون «الإعفاء الضريب للإنترنت» مرره مجلس الشيوخ العام الماضى، ولكن لم يوافق عليه الكونجرس بسبب خلاف الديمقراطيين والجمهوريين بشأنه.
ثم بعد استيلاء الجمهوريين على أغلب مقاعد الكونجرس هذا الشهر، تعرض هذا القانون للتأجيل، فيما يعد أول خيبة أمل للشركات الأمريكية من قبل الجمهوريين.
ولطالما قامت شركات مثل «وول مارت»، و«تارجت» و«بيست باي» بحملات مناهضة للثغرات التى تعطى المنافسين من شركات التجارة الإلكترونية ميزة غير عادلة بسبب عدم وجود ضريبة مبيعات.
واعتقدت شركات التجزئة التقليدية أن فرصة القانون فى التمرير كانت لتكون أفضل فى كونجرس تنقسم فيه السيطرة بين الجمهوريين والديمقراطيين بدلا من كونجرس يسيطر عليه الجمهوريون وحدهم.
ويعد الجزب الجمهورى أكثر قرباً لقطاع الأعمال، وسياساته تعطى أكبر الشركات الأمريكية الأولوية، لكن قضية الضرائب على الإنترنت تحظى باهتمام أكبر من الديمقراطيين.
ومع ذلك فقد قالت جماعة الضغط لصالح شركات التجزئة إنها ستواصل الضغط من أجل تمرير القانون خلال جلسات الكونجرس الحالية قبل أن تبدأ فترة الكونجرس التى يسيطر عليها الجمهوريون.
الطروحات الأولية تحقق مكاسب كبرى لشركات التجارة الإلكترونية
تلجأ الشركات الكبرى إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام فى البورصات بهدف زيادة رأسمالها إذ إنها تبيع جزءاً من ملكية الشركة إلى المستثمرين مقابل المال الذى يدفعه هؤلاء المستثمرون كثمن للأسهم.
وأحدث تلك الطروحات فى مجال التجارة الإلكترونية هو الطرح العام الأولى الذى قامت به شركة «علي بابا»، عملاق التجارة الإلكترونية الصينى، والذى يعد الأكبر فى التاريخ، إذ حققت الشركة 25 مليار دولار خلال عملية طرح أسهمها فى بورصة نيويورك.
وأدى إقبال المستثمرين على شراء الأسهم إلى أن يكون السعر الافتتاحى لسهم الشركة 92.70 دولار، وهو أعلى بنسبة %38 عن السعر المبدئى للسهم الشركة الذى كان 68 دولاراً، وتبلغ قيمة تداول السهم حاليا 115 دولاراً، ومع ارتفاع سعر السهم خلال التداولات ارتفعت القيمة السوقية لشركة «على بابا» من 167.6 مليار دولار إلى 231.7 مليار دولار.
وذكرت تقارير أن مستثمرين فى الشركة اختاروا شراء أسهم إضافية، ويعنى ذلك أن أسهم شركة «على بابا» فاقت من حيث قيمتها الإجمالية الرقم القياسى السابق الذى حققته أسهم البنك الزراعى فى الصين عام 2010.
وكادت الشركة أن تتعرض للإفلاس عام 1997 لولا أن طرح بيزوس أسهمها للاكتتاب العام لتتحول إلى شركة مساهمة، وكان سعر السهم الواحد وقتها 1.5 دولار، لترتفع فى عام 1999 إلى 113 دولاراً، ويتم تداول أسهم «أمازون» حاليا عند 327 دولاراً.
وتم إطلاق موقع «إى باي» عام 1995.
وفى عام 1998 تم طرح أسهم الشركة فى البورصة، ، وكان السعر الافتتاحى لأسهم الشركة 53.50 دولار للسهم وهو أعلى بنسبة %163 تقريباً عن السعر المبدئى للسهم والذى كان 18 دولاراً للسهم، واستطاعت الشركة أن تجمع 63 مليون دولار من خلال طرح 3.5 مليون سهم.
البنية التكنولوجية والموارد البشرية محركات نمو التجارة الإلكترونية فى مصر
من المفترض أن تكون مصر أرضاً خصبة للتجارة الإلكترونية، فالحركة المرورية شديدة الازدحام فى مدنها، وقطاع التجزئة غير المتطور فى العديد من أنحاء البلاد جعل التسوق عبر الإنترنت خياراً جاذباً، فضلا عن أن المصريين اعتادوا منذ فترة طويلة على وصول طلباتهم إلى المنازل ولاسيما الطعام، ودخلت الآن العديد من المتاجر الصغيرة والصيدليات والخياطين وحتى الحلاقين فى مجال توصيل الطلبات إلى المنازل.
وذكرت مجلة الإيكونوميست فى تقرير لها أن الاضطرابات السياسية فى مصر من الممكن أن ترفع معدل التسوق الإلكترونى، إذ يقول عمر الصاحى، رئيس شركة «سوق.كوم»، أكبر شركة لمبيعات التجزئة عبر الإنترنت فى المنطقة، إن انعدام الأمن وحظر التجول ليلا فى أعقاب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، أدى إلى نشاط حركة التجارة الإلكترونية وارتفعت المبيعات ارتفاعاً هائلاً، وحتى بعد رفع حظر التجوال فى نوفمبر، تعلق العديد من المصريين بالتسوق عبر الإنترنت.
ورغم ذلك تشكل التجارة الإلكترونية فى مصر حاليا %0.3 فقط من مبيعات التجزئة- أى أقل بكثير من النسبة التى تشكلها مبيعات التجزئة فى البلدان الأخرى فى الشرق الأوسط- وذلك وفقا للبيانات التى أصدرتها مجموعة بوسطن الاستشارية، ويبدو أن النزعة الثقافية نحو توصيل الطلبات إلى المنازل طغى عليها مشكلات عملية مثل سرعة الإنترنت البطيئة وقلة من يملكون حسابات فى البنوك وانخفاض المعرفة الإلكترونية، ومازال من المتوقع أن ترتفع عائدات التجارة عبر الإنترنت.
ويعد أحد أسباب تلك التوقعات هو وجود بنية تحتية أفضل واكتساب المزيد من الخبرة، إذ ازداد انتشار الإنترنت بأكثر من الضعف ووصل إلى نحو %40 منذ عام 2011 فى تلك الدولة التى يبلغ فيها عدد السكان 90 مليون نسمة، كما ارتفعت نسبة مستخدمى الإنترنت الذين يتسوقون عبر الإنترنت من %1.4 إلى %8.7، لكن موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»- الذى ساهم فى اندلاع ثورة 25 يناير فى مصر منذ ثلاث سنوات- ربما يكون عاملاً أكثر قوة لارتفاع عائدات التجارة الإلكترونية، فمع حوالى 15 مليون «صديق»، تضاعف عدد مستخدمى «الفيسبوك» فى البلاد ثلاثة أضعاف مستخدميه قبل الربيع العربى.
وتعد صفحة سامسونج على «فيس بوك» الأكثر شعبية فى مصر، وتضم حوالى 4.7 مليون مشترك، وتتوقع شركة «سامسونج» أن ترتفع نسبة المبيعات عبر الإنترنت فى مصر، التى تشكل الآن حوالى %5 من إجمالى عائداتها فى البلاد، لتصل إلى %20 نهاية عام 2015، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى صفحة الشركة على «الفيس بوك» التى يتعامل معها تجار التجزئة.
وتضرب شركة «جوميا»- التى أسستها شركة «روكيت إنترنت» الألمانية وتبيع مجموعة واسعة من الإلكترونيات والأزياء والأدوات والمعدات الرياضية- مثالاً آخر على ازدهار التجارة الإلكترونية فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وجذبت «جوميا» %35 من سوق التجزئة عبر الإنترنت فى مصر خلال العام الماضى، وتصل %40 من الطلبات إلى الموقع من خلال «الفيس بوك» مقابل %25 من خلال الاعلانات المدفوعة.
ويقول ماتيا بيرونى، الرئيس التنفيذى لشركة «جوميا» مصر، إن كثافة استخدام الوسائل الإلكترونية والإنترنت فى مصر تنمو بشكل مطرد على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وتعد إمكانات السوق والبنية التحتية للتكنولوجيا جنباً إلى جنب الموارد البشرية هي المحركات الأساسية لهذا النمو.