انهيار الاتحاد السوفيتى وغزو الكويت تزامنا مع هبوط الأسعار وركود السوق
على ما يبدو أننا بدأنا عهداً جديداً مع إمدادات الطاقة الوفيرة والرخيصة وعلى ما يبدو أيضاً أننا بصدد اعادة رسم خرائط جغرافيا سياسية جديدة وفق ترتيب القوى العالمية الصاعدة والآيلة للأفول، فقريباً سيشهد العالم سقوط بعض الحكومات فى حين يعزز قوة حكومات أخرى، وكل ما سبق يدخل فى نطاق الحقائق التى يؤكدها التاريخ.
وفى هذا السياق لن نحتاج لأمثلة من صفحات قديمة وقد عاجلتنا الأحداث الراهنة بما فيها الكفاية من أدلة، فبعد أن كان سوق البترول العالمى يهتز مع فقدان بضعة براميل بترول من اجندة الإنتاج العالمى أتاح إنتاج البترول الصخرى فى الولايات المتحدة الفرصة لها ولحلفائها بفرض عقوبات صارمة على إيران دون القلق من انخفاض واردات الخام من دولة فى الشرق الأوسط.
وفى الوقت نفسه، يواجه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ضربة «كارثية» من ركود أسعار البترول وتراجع الاقتصاد بسبب العقوبات الامريكية والأوروبية على خلفية الأحداث فى أوكرانيا.
ولمحبى تصفح كتب التاريخ ذكرت وكالة بلومبرج الاقتصادية دليلاً آخر على تأثير الطاقة الرخيصة على الخرائط السياسية للصراعات الإقليمية ففى العقدين الأخيرين للقرن الماضى ساهم تراجع اسعار البترول فى منتصف الثمانينيات بكل تأكيد فى تمهيد الطريق لانهيار الاتحاد السوفيتى من خلال سرقة الإيرادات التى يحتاجها للبقاء على قيد الحياة.
وأثّر ركود السوق أيضاً فى قرار الرئيس العراقى صدام حسين، لغزو الكويت عام 1990، ما أشعل حرب الخليج الأولى بقرار من بوش الأب.
وأفاد إد مورس، الرئيس العالمى لأبحاث السلع لدى سيتى جروب بأن الحقبة الجديدة من الاسعار المنخفضة التى قادتها ثورة البترول الصخرى والغاز فى الولايات المتحدة سيكون لها بعض التغييرات الجيوسياسية بالغة الأهمية.
وبحسب الخبراء ضربت روسيا موعداً جديداً مع المعاناة جراء انهيار أسواق البترول التى هبط سعر البرميل فيها لأقل من 80 دولاراً خلال الأسابيع الماضية، بجانب إيران وفنزويلا، فى حين تتقدم الولايات المتحدة والصين إلى الأمام حيث يستفيد الكبار فى كل أحوال السوق صعوداً وهبوطاً.
أوضح ريفا بهالا، المحلل الاقتصادى لدى ستراتفور، شركة استشارية فى أوستن، أن البترول أهم سلعة من ناحية الجغرافيا السياسية ويدفع اقتصادات حول العالم ويدّمر أخرى.
وتراجعت أسعار البترول فى نيويورك أكثر من %30 خلال الأشهر الخمسة الماضية إلى حوالى 75 دولاراً للبرميل، وسجل إنتاج الولايات المتحدة من الخام أعلى المعدلات فى أكثر من ثلاثة عقود، مدفوعا بحقول البترول الصخرى فى شمال داكوتا وتكساس.
وبدأت المملكة العربية السعودية والكويت على الفور فى الدعوة إلى ما أطلق عليه اقتصادى الطاقة فيليب فرلجر، حرب أسعار ضرورية تهدف إلى حماية حصتيهما فى السوق وإجبار المنتجين فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى على خفض الإنتاج.
وحتى الآن، لم تحجم شركات الولايات المتحدة الإنتاج، بينما أوضح ارشى دنهام، رئيس تيشابيك انيرجى كورب، شركة الطاقة فى مدينة أوكلاهوما، أن المملكة العربية السعودية تتخذ حقاً مغامرة كبيرة، وأضاف «إذا خفضت السعودية السعر إلى 60 دولاراً أو 70 دولاراً للبرميل، فسوف نرى تباطؤاً فى الولايات المتحدة ولكن لن نشاهد توقف الإنتاج.
وقال ليوناردو مواجرى، المدير التنفيذى السابق لدى اينى شركة البترول الإيطالية إن السوق دخل «منطقة رمادية» وقد يسفر الهجوم على حقول البترول فى الشرق الأوسط المتقلب عن مزيد من تراجع الاسعار.
ووفقاً لاستطلاع بلومبيرج فروسيا كانت الخاسر الأكبر جرّاء تراجع أسعار البترول لاعتماد حوالى نصف الميزانية فى البلاد على إيرادات البترول والغاز.
وعلى غرار روسيا، ضعف الاقتصاد الإيرانى بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه وأغلقت تحركات الولايات المتحدة وحلفاؤها تقريباً حقول البترول والغاز هناك، الأمر الذى عرقل جهود طهران للحصول على تكنولوجيا متطورة لزيادة الإنتاج فى الوقت الذى تحتاج وصول سعر البيع فوق مستوى الـ 140 دولاراً للبرميل العام الجارى لتحفاظ على التوازن فى ميزانيتها.
ويضر انخفاض الأسعار بمصالح فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو، الذى يعانى من تضاؤل شعبيته بشكل متزايد وهو ما يضع اقتصاد البلاد بالفعل فى ورطة كبيرة، مع ارتفاع معدلات التضخم إلى %63 نهاية أغسطس الماضى.
وقال بروس جونز، لدى معهد بروكينجز فى واشنطن إن طفرة إنتاج الطاقة فى الولايات المتحدة تعزز هيبتها التى تراجعت مؤخراً بسبب الأزمة المالية العالمية.
وتأتى الصين كرابح آخر كبير، حيث تستورد ما يقرب من %60 من بترولها الخام، وسوف تستفيد من هذا الانخفاض لبناء احتياطيها الاستراتيجى بدلاً من تكريس الأموال لزيادة الإنفاق على الدفاع أو البيئة.







