بقلم: جانيت دالى
أجمعت كل الأطراف على أننا فى حرب ، وأطلق البعض عليها «حرب على الديمقراطية»، وكان آخرون أكثر تحديداً، وقالوا إنها حرب على حرية التعبير، ثم فاق نيكولا ساركوزى الجميع ووصف الهجوم على «شارلى إيبدو» بأنه إعلان حرب على «الحضارة».
ومن الواضح أن المقصود من كل ذلك أن الوضع وصل لأقصى درجات الخطورة الممكنة، وأنه ينبغى على الغرب الآن التعامل مع السبب الذى جعل هذه الفظائع الإرهابية المتعددة عدواً عالمياً بدلاً من مصائب متفرقة.
ولكن ما نمر به ليس حرباً، ليس بأى معنى من معانى الكلمة، وأنا لا أعنى بذلك أنه أمر أقل خطورة أو كارثية، وباعتبارى صحفية يهودية متزوجة من رسام كاريكاتير، فإن آخر ما قد أعنيه أن الأحداث فى باريس أكثر تفاهةً مما تبدو، ولكن استخدامنا لكلمة «الحرب» يمجد المذبحة العبثية.
والحرب، فى التفسيرات الحديثة للكلمة، لها قواعد فى الاشتباك وأهداف شاملة (مثل الاستيلاء على الأرض)، كما أنها محكومة – نظرياً على الأقل – بالقانون الدولي، وهذا سبب إمكانية محاكمة الأفراد على جرائم الحرب، كما أن أسرى الحرب تحميهم اتفاقيات جنيف.
حتى فى حروب التحرير الوطنى أو الصراعات الأهلية بين متنافسين محليين، يكون هناك تصور لمعنى الفوز، وكيفية التفاوض من أجل السلام، وإذا كنت فى مواجهة مع عدو لديه هدف ملموس وقادة محددون، سيكون لديك تصور للتكتيكات المطلوبة للنصر ورؤية لما قد يحدث إذا خسرت.
وإذا طبقنا هذا النموذج على الهجمات الإرهابية فى باريس، فما نوع التنازلات والتسويات اللازمة لتحقيق السلام – أو حتى التوصل لهدنة – والتى نحن مستعدون للتفكير فيها وتقديمها؟ هل هى منع الصور الهزلية؟ مراقبة جميع وسائل الإعلام لئلا تشير للإسلام على نحو مسيء؟ منع النساء «غير المحتشمات» من الظهور علنا؟ فهل يمكن التفاوض على أى من تلك الأشياء؟
وبقدر ما سيحقق الإرهابيون فكرة النصر الواضح للعيان، سيترسخ تطبيق الشريعة فى الغرب، وستتآكل الديمقراطية العلمانية، فهل نحن على استعداد لوضع هذه القضايا على الطاولة ومناقشتها؟ وهل العدو الإرهابى بدأ يتخيل أن النصر أصبح ممكناً؟ فإذا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة بالنفي، فأى حرب التى نتكلم عنها بدلاً من القتل العشوائى والوحشي؟
وربما تجد هذه المناقشة بشأن دلالة الألفاظ ليست ذات صلة بالموضوع، ولكنّى أؤكد أن هذا النوع من الخلط حساس فى الدول التى تحاول أن تجد طريقةً للتوافق مع من يجب أن يتم النظر إليهم على أنهم أقليات دائمة التقلب.
وفى الواقع، من أفضل الطرق للتواصل مع مجتمعات الأقلية، هو من خلال جعل الناس يتحدثون مع بعضهم البعض، ومع ذلك، فإن مكانة الدين فى دولة علمانية، والحدود التى يمكن وضعها على حرية التعبير والحاجة إلى دمج الجماعات المهاجرة فى المجتمع لا علاقة له مع النضال مع القتلة.
ولا تعد أفعال القتلة جزءاً من أى مناقشة، كما أنهم ليسوا جزءاً من أى خطة استراتيجية محكمة للغزو العسكري، بل إن أفعالهم عبارة عن مغامرات فوضوية ترتكز على الخيال، نفذها أفراد لا يعرفون ماذا سيفعلون بـ«النصر» إذا حل عليهم.
وربما من المفيد أن نستخدم هذه اللحظات التاريخية العصيبة لتجديد إيماننا فى قيمنا الأساسية، ولكن كل احتجاجات التضامن مع الضحايا– سواء كانوا فى مجلة ساخرة أو سوبر ماركت يهودى– لن تهزم الإرهابيين.
وينبغى أن ننتبه إلى أن خلط الأمور قد يؤدى فى النهاية إلى سحب مسلمي أوروبا جميعهم إلى دائرة الذنب لمجرد التبعية لنفس الدين، حتى وإن كان هؤلاء المسلمون الذين يقولون إنهم مصدومون أو مستاءون من الرسوم المسيئة للرسول ليسوا جزءاً من مشكلة الإرهاب، بل هم يشتركون فى الأساس فى نقاش وليس عنفاً.
وبالتالى سيكون من الخطأ تماماً ومنافياً لليبرالية أن نربطهم بأى طريقة مع هؤلاء الذين يقتلون، حتى وإن كان- كما يدّعون- بسبب الغضب من نشر هذه الرسوم.
وإذا كان مقصد هذه الهجمات غرس الخوف والبغض، فهى قد زرعت من الأخير أكثر مما زرعته من الأول، وقد تتلقى قوات الأمن الفرنسية الكثير من اللوم لعدم تنبؤها بهذه الجريمة، ولكن التقنيات المستخدمة للتعامل مع هذه الجرائم النفسية ما زالت فى طور الاكتمال، وستكون فى النهاية أكثر حسماً، وقد أحبطت بالفعل العديد من العمليات قبل تنفيذها.
وبالأخير هذا الوضع ليس ميؤوساً منه وليس حرباً، ولن يكون أخطر من ذلك، ولن يهدد الحرية أو «الحضارة» إلا إذ سمحنا له بذلك.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: «ذا تليجراف»








