تهب نسمة دافئة من أبواب الشرفة المفتوحة، تلفها رائحة الكرواسان المخبوز الطازج ونكهة ملح البحر الحادة، مما يدفعك للخروج إلى شرفتك الخاصة لتسحرك أشعة الشمس الصباحية، وتستمتع بالمشهد من حولك. وإلى اليسار منك، يوجد عدد من اليخوت الملتصقة على الشريط الساحلي، وهي تختفي في الأفق. وإلى اليمين، تظهر أطراف القصر الأميري؛ مقر الأمير البير الثاني، وكأنها مأخوذة من سلسلة الجبال الملتفة.
وفي الطابق السفلي، توجد أروقة مزخرفة بشكل مترف، ومناطق أنيقة تملأها ثرثرات العملاء الأنيقين، وهذا مشهد معتاد وشائع في أي منتجع 5 نجوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن هذه ليست الشرق الأوسط، وإن كانت كذلك فقد تواجه صعوبة في إيجاد فندق مسجل على أنه نصب تذكاري وطني يتمتع بتاريخ يفوق الـ150 عاما. هذا هو فندق الارميتاج- Hôtel Hermitage، وهو وجهة فاخرة تقع في قلب موناكو.
ويقع الفندق بالقرب من (ساحة الكازينو- Casino Square)، قلب مونتي كارلو الصاخب. ويعد الارميتاج واحداً من أكثر الوجهات المرغوبة في الإمارة. وهو أحد 4 فنادق تابعة لمجموعة (سوسيتيه دي بان دو مير)، وهي شركة تأسست في 1863 وتسيطر على قطاعات الإقامة والتسوق، وتناول الطعام والتسلية والقمار في الإمارة. وتعد موناكو، التي تبلغ مساحتها 1.25 ميل مربع، ثاني أصغر دولة في العالم (الفاتيكان في روما هي أصغر دولة)، إلا أنها تعوض مساحتها الصغيرة بطريقة عصرية أنيقة. تلتف الإمارة حول الريفييرا الفرنسية، وهي مليئة ببروعة جمال هوليوود خلال أيامها الذهبية؛ حيث تسير في شوارعها المرصوفة بالحصى السيارات العتيقة، وتجلس في مقاهيها السيدات الأنيقات بشعرهن المصفف، وعامل الفندق يرحب بالنزلاء مبتسماً وربما كان يشبه بشخصيته لوكا اليغيري في أيام شبابه.
ويعمل المدير الإداري الإيطالي للشركة ذو 43 ربيعاً في مجال الفنادق منذ كان في 19 من عمره، حيث عمل لبعض المنشآت العريقة مثل فندق (فور سيزونز- Four Seasons). وفي عام 2011، نسق عمليات تجديد فندق (الارميتاج)، وتتركز جهوده حالياً على إعادة تجديد فندق (دي باريس- Hôtel de Paris)، المرجح الانتهاء منها في سبتمبر/ أيلول 2018. وهذا الفندق بالإضافة إلى فندق (الارميتاج) من فنادق مجموعة (سوسيتيه دي بان دو مير) الأكثر أهمية، وقد كلفت أعمال تجديدهما 803 ملايين دولار. ولكن في موناكو، المدينة التي تحتوي على أكبر نسبة من أصحاب الملايين لكل شخص على مستوى عالمي (1 إلى 3)، يعد هذا ثمناً بسيطاً للحفاظ على السمعة الدولية.
وقد أغلق فندق (دي باريس) أبوابه في 6 أكتوبر/ تشرين الأول للبدء ببرنامج التجديد الذي سيستمر 4 سنوات، وهي فترة طويلة لإغلاق واحد من أفضل منتجعات موناكو، إلا أن اليغيري يعد بأنه سيستحق الانتظار، حيث يقول: “ستكون النتيجة مدهشة، فالأجنحة ستحتل طوابق بأكملها، كما أننا سنبني فيلا طابقين مع حديقة خاصة بها، وبركة سباحة، وجاكوزي على سطح أحد الأجنحة”. وعلى الرغم من أن المخططات تشير إلى بعض التعديلات الطموحة، يؤكد اليغيري أنه “لن يتم تغيير هوية المكان وطابعه”. وهذا سيشعر محبو مجموعة سوسيتيه، العلامة التجارية المميزة لموناكو، والتي احتفلت بعيد تأسيسها الـ150 العام الماضي، بالراحة.
ويعد فندق (الارميتاج)، وهو مبنى جميل ذو تاريخ عريق، المشروع الأساسي للمجموعة؛ فهو يعد معلماً وطنياً صممه المهندسان المعماريان نيكولا ماركيه وغوستاف إيفل “الذي منح اسمه لبرج باريس الشهير” على طراز بيل أيبوك- Belle Époque في القرن الـ19. وقد تم تجديد أكثر من %90 من الفندق في الفترة بين 2003 و2011 إلا أنه لايزال يحتفظ بطرازه القديم، وسحره المستمد من الفترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، فعمليات التجديد كانت سطحية. ويحتفظ الفندق بموقعين مهمين لايزالان على حالهما: غرفة الطعام التي تعود إلى عصر بيل أيبوك و(الحديقة الشتوية- Winter Garden)، المسقوفة بقبب زجاجية.
وقد نتج عن عمليات التجديد توسعة المنتجع ليضم 278 غرفة بعد أن كانت 117، كما أنه انضم إلى قائمة أفضل 101 جناح لعام 2014 في مجلة إيليت ترافيلر Elite Traveler وأبهى الغرف؛ يبدأ سعر الليلة الواحدة من 1.070 دولار، هي أجنحة دياموند الـ12، تبلغ مساحة إحداها 361 متراً مربعاً وهي أكبر أجنحة 5 نجوم في موناكو. ومن ميزاتها السلالم الزجاجية والجاكوزي الخاص.
ويمتد هذا الترف ليشمل غرفة الطعام، حيث يحضر الشيف جويل غارول الطعام بحماسة، وهو متخصص بالمأكولات البحرية. ويقع الفندق على الريفييرا الفرنسية مما يجعله موقعاً مثالياً، خاصة أن الفندق يتزود بالسمك من الصيادين المحليين. ويعد الأكل البحري في موناكو من بين الأفضل في العالم وذلك لأنه طازج، ويجمع في نكهته بين مكونات البحر الأبيض المتوسط. ويتم تزويد المطعم بمكونات الطهي الطبيعية من محيط مسافة قدرها 250 كيلو متراً، ولهذا بغض النظر عن الطعام الذي تختار فأنت ستحصل على المذاق الحقيقي للمنطقة.
هناك أيضاً مركز لياقة تيرم مارينز الذي يقع بالقرب من فندق (الارميتاج) ويمكن الوصول إليه سيراً على الأقدام. ويخدم هذا المركز جميع المنتجعات التابعة لمجموعة (سوسيتيه دي بان دو مير): فندق (الارميتاج) وفندق (دي باريس) و مونتي كارلو بيتش- Monte Carlo Beach وفندق ومنتجع مونتي كارلو باي- Monte-Carlo Bay. ويتوافر في المركز بركة مياه بحر دافئة وحمام تركي ويطل على الريفييرا بزاوية 360 درجة.
وبالنسبة للزوار الشرق أوسطيين المعتادون على مستوى رفاهية معين، فلن يخيب (الارميتاج) أمالهم؛ ففي الحقيقة هناك تشابه في أسلوب الحياة بين أناقة موناكو الساحلية والحياة العصرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فإمارة موناكو مليئة بمحلات المصممين العالميين والكازينوهات واليخوت الفارهة والسيارات السريعة؛ ومثل أبوظبي تستضيف مونتي كارلو سباق الفورميولا ون، وبالتالي تناسب أذواق الأثرياء العرب. علاوة على ذلك، يعد موقعها الجغرافي ميزة تصب في صالحها؛ فهي تتمتع بدرجات حرارة جيدة طوال العامـ كما أن موقعها مثالي لبعض الرحلات عبر القارة: فيمكنك مثلاً تناول الإفطار في موناكو والغداء في فرنسا والعشاء في إيطاليا. وتتوافر أيضا فرصة جيدة لمشاهدة بعض المشاهير على الطريق مثل شيرلي باسي وسير روجر موور وبطل الفورميولا ون جينسون باتون ولويس هاميلتون، وجميعهم يعتبرون موناكو موطناً لهم.
ويتعامل اليغيري مع المشاهير أيضاً، فمن رواد فندق (الارميتاج) السابقين المخرج ستيفن سبيلبيرغ وأوبرا وينفري. ويزور الفندق أيضاً عدد من الشخصيات الشرق أوسطية، وعلى الرغم من أن معظم الزوار من الغرب، يستضيف المنتجع عدداً متزايداً من مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يقول المدير الإداري عنهم: “مهمين جداً لنا”.
والعلاقة بين المجموعة والشرق الأوسط ليست جديدة أو غريبة؛ ففي 2011، افتتحت الشركة نادي مونتي كارلو الشاطئي في أبوظبي، وهو أول مشروع لها خارج أوروبا. وعلى الرغم من أنه وجهة مشهورة في المنطقة، اختارت مجموعة (سوسيتيه) عدم تجديد إدارة النادي لهذا العام، ومنذ ذلك الوقت أعيدت تسميته ليصبح نادي شاطئ السعديات.
ويلمح اليغيري بأن هذا المشروع حقق المال ” علامتنا التجارية مشهورة جداً لذلك نحتاج إلى الحفاظ على مستوى الجودة مرتفع جداً””
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خياراً جذاباً للتوسعة الدولية. ويقول لوكا اليغيري: “في المستقبل القريب ستكون هناك فرص في أبوظبي أو دبي أو أي مكان آخر في المنطقة، وسنأخذها بالحسبان بالتأكيد”. ولكنه في الوقت الحالي يركز على إعادة تجديد فندق دي باريس، وتطوير ما لدينا “وهو استثمار ضخم للشركة”، والتوسع في قطاع جديد كلياً في موناكو: قطاع التجزئة وخدمات الإقامة.
وبالإضافة إلى الفنادق الـ4 التابعة لمجموعة (سوسيتيه دي بان دو مير)، تدير المجموعة عدداً من الفنادق الأنيقة والمطاعم والكازينوهات في موناكو. وهي تملك الكازينو الشهير كازينو دي مونتي كارلو- Casino de Monte-Carlo، وخلدته سلسلة أفلام جيمس بوند كإحدى أفضل وجهات العميل
وفي شهر أكتوبرمن هذا العام، ومع اختفاء فندق (دي باريس) عن الأضواء، ظهر إلى العيان مشروع جديد لمجموعة (سوسيتيه دي بان دو مير). وهو بافليونز مونتي كارلو- Pavillons Monte Carlo ، أول متجر للبيع بالتجزئة تابع للمجموعة، ويضم أشهر الأسماء في عالم الموضة عالمياً. وافتتح المجمع في أكتوبر. ومن الجدير بالذكر أن مصممين مثل ميسون بالينكياغا واليكساندر ماكوين وايف سان لوران يحتلون 20 محل بيع، موزعة على مساحة قدرها 2.700 متر مربع من المجمع. وتوفر المحلات الفخمة جميع احتياجات الموضة، ولكن يمكن لمن يرغب بشراء ما هو أكبر من مجرد حقيبة أن يعتمد على (سوسيتيه دي بان دو مير) أيضاً.
فيلا دو سبورتنغ- Villas du Sporting عبارة عن 3 مساكن فخمة تقع أمام البحر، وتبلغ مساحة كل منها 500 متر مربع تقريباً. وقد اكتمل هذا المشروع في شهر يوليو/ تموز، ويمثل أول مشروع عقاري للمجموعة. وتقع هذه الفلل، المزمع تأجيرها لفترات طويلة، على مساحة واسعة من الأرض المغطاة بالنباتات الخضراء ومطلة على الريفييرا. وتتمتع كل فيلا ببركة خاصة وكراج وكبير خدم، حيث يقدم المجمع خدمة فنادق المجموعة الفاخرة في أماكن أكثر عزلة.
ويدعي اليغيري أن هذه المشاريع الحديثة تحقق إيرادات بالفعل قائلاً: “خدماتنا السكنية والبيع بالتجزئة، مجتمعة مع غيرها من نشاطاتنا، تمنحنا دخلاً ثابتاً كما أنها مهمة لنمو الشركة”. ونظراً إلى توافر عروضها في مجال الإقامة والتسوق، وتناول الطعام والترفيه، فإن الشركة تهيمن بالفعل على أهم القطاعات في موناكو.
وعقب إقامة أعمال ناجحة في أصغر إمارة في أوروبا، فقد تعود مجموعة (سوسيتيه دي بان دو مير) لتدخل عالم الفنادق في منطقة الشرق الأوسط في وقت أقرب مما نعتقد. ويدعو رواد السياحة ممن يبحثون عن وجهات مميزة الى زيارة موناكو ويقول:” عيشوا تجربة رائعة واستمتعوا بالسياحة الفاخرة
