بقلم: طارق باقونى
فى شهر أكتوبر من العام الماضي، أبرمت إسرائيل اتفاقية غاز مع الأردن بقيمة 15 مليار دولار، وهذا الاتفاق يعد الأخير من سلسلة مفاوضات قامت بها إسرائيل فى المنطقة، فقط وقعت عقداً بقيمة 1.2 مليار دولار، مقابل 168 مليار قدم مكعب من الغاز على مدار 20 عاماً مع شركة فلسطينية فى يناير 2013.
وسوف تجدد هذه الاتفاقيات، برعاية وزارة الخارجية الأمريكية، ظاهرياً التعاون الاقتصادي، وربما السياسي، بين إسرائيل والدول العربية، وأعربت مصر أيضاً عن اهتمامها باستغلال الاحتياطيات الهائلة.
وأصبح يطلق على الغاز الإسرائيلى «شريان الحياة للسلام» فى الشرق الأوسط، ولكن هذه المفاوضات التى تتم سراً دون دعم شعبى كبير، لن تفعل الكثير لتحقيق سلام حقيقي.
واكتشفت شركة «نوبل» الأمريكية الحقلين الجديدين لإسرائيل– تمار وليفياثان– فى 2009 و2012، وجاءت هذه الاكتشافات فى الوقت المناسب، فقد استنفدت إسرائيل تقريباً احتياطياتها المحلية، وفى 2012، فقدت إمدادات الغاز الرخيص من مصر، بعد أن أغلقت الحكومة المصرية بقيادة الإخوان المسلمين صنابير الغاز.
وأشار القرار الذى اتخذه الرئيس المصرى الأسبق محمد مرسى إلى حاجة إسرائيل لإعادة تقييم سياسات الطاقة الخاصة بها، أى تعزيز أمن الطاقة وتقليل اعتمادها على الدول المجاورة.
وسوف تكفى الاحتياطيات فى حقلى تمارا وليفياثان البالغة 9 تريليونات قدم مكعب و17 تريليون قدم مكعب على التوالى الطلب المحلى حتى عام 2050، كما ستصبح إسرائيل من بين أكبر مصدرى الغاز فى المنطقة.
وتأثر الأردن أيضاً بتفجيرات العريش التى ضربت، ربما عن غير قصد، جزءاً من خط الأنابيب الذى يوصل الغاز إلى المملكة الهاشمية، وبالنسبة لدولة تفتقر الموارد المحلية، حوالى %80 من احتياجها للغاز كانت تأتى من مصر، كانت هذه التفجيرات مزعزعةً للاستقرار، خاصة أن مصر لم تستأنف توصيل الغاز منذ ذلك الحين، وبالتالي، اضطر الأردن إلى اللجوء إلى بدائل أعلى تكلفة مثل استيراد الوقود السائل والديزل من العراق.
ورداً على ذلك، مرر مجلس الوزراء الأردنى قانوناً فى 2012؛ لتشييد محطة استيراد غاز طبيعى فى العقبة جنوب الأردن، وستستفيد الدولة من هذه المحطة لمدة 10 سنوات، ما سيوفر وقتاً للحكومة؛ لكى تستكشف مصادر محلية بديلة مثل البترول الصخرى أو الطاقة النووية أو الطاقة المتجددة.
وأعلن وزير الطاقة الأردني، محمد حامد، أن أكبر فائدة لهذه المحطة، هى أنها ستمنح الدولة «استقلالاً فى مجال الطاقة»؛ لأنها ستمكن الأردن من الدخول إلى الأسواق العالمية للغاز الطبيعى المسال، بدلاً من الاعتماد فقط على أنابيب الغاز الإقليمية.
وفى نهاية 2013، أنهى الأردن مفاوضات مكثفة مع شركة «شل»، ووقع عقداً ينص على إمداده بالغاز لمدة 5 سنوات، وسوف تصل أول شحنة فى صيف 2015.
وبعد شهور قليلة من المفاوضات مع «شل»، أعلن الأردن على نحو غير متوقع، أنه سوف يشترى 1.6 تريليون قدم مكعب من الغاز من إسرائيل، وهى كمية تفوق تلك المشتراة من «شل» بأضعاف عديدة.
ويبدو أن هذا الاختيار لأسباب اقتصادية، لأن استيراد الغاز من خلال خط أنابيب أرخص بكثير من الغاز الطبيعى المسال الذى يتطلب معالجة ونقل مكلفين، ومع ذلك، احتج الشعب الأردنى بشدة على هذا الاتفاق، وعارض أى درجة من التطبيع مع إسرائيل.
ولتسويق هذا الاتفاق للعامة، صوره «حامد» على أنه خطوة ضرورية تجاه أمن الطاقة قائلاً: «لا ينبغى على الأردن أن يكون أسير مصدر وحيد للغاز الطبيعي».
وبموجب هذا الاتفاق، سوف تصبح إسرائيل المورد الرئيسى للطاقة للأردن، ورغم أن محطة الغاز المسال يمكن أن تمهد الطريق لتحقيق الاستقلال فى مجال الطاقة، أو على الأقل تشترى وقتاً للحكومة للبحث عن مصادر بديلة، فإن الغرض الحقيقى منها أصبح واضحا الآن، فهى ليست سوى حل مؤقت حتى يصل الغاز من إسرائيل.
ويبدو أن الأردن أغفلت حقيقة أن الاتفاق، رغم أنه مربح اقتصادياً، ربط أمن الطاقة فى الدولة بالعلاقات العربية الإسرائيلية غير المتوقعة.
وفى الوقت الذى كانت فيه إسرائيل تتفاوض مع الأردن، كانت تعمل على اتفاقات طاقة مع شركات فلسطينية، ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية مرة أخرى هذه الاتفاقيات كـ«قناة للسلام»، ولكن بدا أنها مضللة أكثر من اتفاق الأردن.
وسعى الفلسطينيون لاستكشاف احتياطياتهم الخاصة من الغاز من حقلين يعرفان بـ«غزة مارين» منذ أكثر من عقد ونصف العقد، واكتشفتهما شركة «بريتيش جاز»، ويحتويان على 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز، ويقعان على بعد أقل من 20 كيلومتراً من ساحل غزة. وطبقاً لمستندات الحكومة البريطانية، قبل استحواذ حماس على قطاع غزة فى 2007، طلبت إسرائيل أن تبيع فلسطين غازها من هذين الحقلين بحوالى ثلث أو نصف قيمتهما السوقية، ما جعل من الصعب جذب شركات البترول والغاز الدولية الراغبة فى الاستثمار فى هذه الاحتياطيات فى ظل هذا العائد المنخفض.
ولعدم قدرتها على جذب الاستثمار فى احتياطياتها الخاصة، وفى ظل عدم وجود الحرية للسعى وراء بدائل، اضطرت فلسطين إلى التحول إلى الواردات الإسرائيلية.
وفشلت محاولات وزارة الخارجية الأمريكية المتعلقة بتسهيل واردات الغاز من إسرائيل إلى المناطق الفلسطينية فى معالجة اختلالات الطاقة الكامنة، وبالتالى ترسخت السيطرة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية ومواردها.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن اتفاقيات الغاز بين إسرائيل والشركات الفلسطينية، أو الدول العربية الأخرى، سوف تحقق السلام، ففى غياب المجهودات السياسية الضرورية لتناول طريقة تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين، سوف تؤدى اتفاقيات الطاقة المختلة التى تروج لها وزارة الخارجية الأمريكية إلى استدامة الوضع الحالي.
وعلاوة على ذلك، ومن خلال توقيع مثل هذه الاتفاقيات سراً ضد إرادة المواطنين، تضحى القيادات الفلسطينية والأردنية بمصالحهم الوطنية مقابل استقرار ظاهرى.
ويأتى توقيع هذه الاتفاقيات فى وقت حساس، فإعلانها بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة فى صيف 2014، والتى قتلت 2000 شخص، معظمهم مدنيون من غزة، يبدو وكأنهم يكافئون إسرائيل باتفاقيات طاقة مربحة، ما يرسل إشارة بأن إسرائيل يمكنها الإفلات من العقاب، بمعنى آخر، يبدو أن «الغاز من أجل السلام» لا يعزز السلام على المدى الطويل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
“المصدر: مجلة “فورين أفايرز






