بقلم: ديمى رايدر
بعد أسابيع من تبادل الاتهامات بين إسرائيل والبيت الأبيض، اعتلى رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو ، المنصة صباح الثلاثاء ليلقى خطابه بشأن إيران أمام الكونجرس.
وبعدما تغنى نتنياهو بمجموعة من التحذيرات والرثائيات التى قيلت مراراً وتكراراً بشأن التهديد الذى تشكله إيران – ربما من قبل نتنياهو نفسه – كان من الواضح أن رئيس الوزراء حقق بالفعل أهدافه السياسية فى الموطن بمجرد الظهور أمام الكونجرس.
وترجع موافقة نتنياهو على إلقاء خطاب فى الكونجرس جزئياً إلى إرضاء حلفاؤه الجمهوريين، وإثارة غيظ حكومة أوباما، وقد حقق كلا الهدفين بطريقة مذهلة.
ومحلياً فى إسرائيل، شكل الخطاب ذروة استراتيجية نتنياهو للنجاة قبيل الانتخابات العامة الإسرائيلية فى 17 مارس، وحاولت حملة إعادة انتخاب نتنياهو تركيز الخطاب بشكل مباشر على إيران، ومن خلال ذلك، يراهن نتنياهو على أنه يستطيع الحفاظ على قاعدته الانتخابية، وأن يحد من انشقاق المزيد منهم نحو أحزاب اليمين الأكثر تطرفاً.
وتوقعت استطلاعات الرأى فى إسرائيل محتوى الخطاب، وحقيقة أن نتنياهو رفض الرضوخ للضغوط الأمريكية لإلغاء ظهوره أمام الكونجرس، سوف تساعده على استعادة مقعد أو اثنين فى الانتخابات المقبلة.
وبالنظر إلى تقارب شعبية نتنياهو ومنافسيه من تيار يسار الوسط بدرجة يصعب معها التنبؤ بمن سيفوز، قد يساعد هذا الخطاب حزب “الليكود” برئاسة نتنياهو على الفوز بالانتخابات فوزاً مريحاً.
وخلال تصريحاته، بذل نتنياهو جهداً كبيراً لرسم صورة متناسقة لتهديدات الإسلام الراديكالى، واصفاً إيران والدولة الإسلامية كأعداء مشتركين، رغم العداوة السياسية والدينية الشرسة بين الجمهورية الشيعية والمليشيات السنية.
ومدح رئيس الوزراء الإسرائيلى الصداقة العظيمة بين إسرائيل والولايات المتحدة – كما كان متوقعاً -، ولكنه تجنب بلباقة الحديث عن مقدار التوتر فى هذه العلاقة بسبب هذا الخطاب.
أما الشىء الجديد الوحيد فى خطاب رئيس الوزراء هو اعترافه بأن البديل لاتفاق نووى «سيئ» مع إيران ليس الحرب، وإنما «اتفاق أفضل بكثير»، وبالنسبة لنتنياهو، القائد الذى بنى حياته السياسية على تأييد العقوبات القاسية المدعومة بتهديدات باستخدام القوة العسكرية، يعد التحدث عن خيار ما بين اتفاق واتفاق آخر تنازلاً كبيراً من جانبه.
ومع هذا المحور الاستراتيجى جاءت فرصة فريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلى متمثلة فى التحدث عن رؤية واضحة بشأن شكل «الاتفاق الأفضل» مع إيران، ولكنه اختار التحدث عن نقاط سياسية.
وقد تكون المكاسب الانتخابية لخطاب نتنياهو فورية، ولكن التكلفة طويلة الأجل على رئيس الوزراء مرتفعة، فردود الأفعال التى تقول إن نتنياهو أهان ذكاء الشعب الأمريكى، تُظهر مدى الجراح التى تسبب فيها خلال تقدمه لاعتلاء المنصة.
وهذا يثير أهم الأسئلة لرئيس الوزراء الإسرائيلى: هل استحق الأمر العناء؟
لن تتأثر محادثات مجموعة 5+1 بشأن برنامج إيران النووى بهذا الخطاب، خاصة أن القضايا التى أُثيرت غير جديدة تماماً، وقد تعهد الرئيس أوباما بعدم السماح للكونجرس بتقويض المحادثات.
ورغم أهمية المكاسب الانتخابية التى سيحققها نتنياهو فى إسرائيل، ولكنها ليست حاسمة، فهو لا يزال المرشح الأوفر حظاً لتشكيل ائتلاف وظيفى والحفاظ على منصبه، وهذا كان الحال مع أو من دون المقعد أو المقعدين اللذين قد يكتسبهما بعد خطاب الثلاثاء الماضى.
أما على الجانب الآخر، تعد علاقة إسرائيل مع حكومة أوباما فى أسوأ حالاتها على الإطلاق، وأصبح دعم إسرائيل قضية حزبية إلى حد كبير لم يكن مشهوداً منذ عقود، وتشعر الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة بضغط بعد وضعها فى وضع لاختيار ما بين دعمها لإسرائيل، أو دعمها لرئيسها فى أمريكا.
وربما يأمل نتنياهو أن تحل المشكلة من تلقاء نفسها عندما يذهب الأمريكيون لصناديق الاقتراع فى 2016، ولكن حتى الآن، يبدو أن أهم التداعيات لهذا الخطاب – حتى وإن تكن غير مقصودة – تتمثل فى موجة ذعر فى الرأى العام الأمريكى.
وهذا من شأنه زيادة الحدود فى النقاشات السياسية الأمريكية بشأن إسرائيل، مما سيجعل الدعم غير المحدود وغير المشروط للدولة اليهودية كشرط مسبق لأن يصبح المرء سياسياً، امراً أقل أهمية بكثير مما كان عليه.
ومن المفارقات، أن يصبح إرث نتنياهو الأمريكى هو بداية لتآكل لا رجعة فيه لمكانة إسرائيل فى الولايات المتحدة على المدى الطويل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «رويترز»








