الانخفاض الحاد فى أسعار البترول وتدهور الوضع الأمنى فى المنطقة غيرا المشهد المالى تغييراً جذرياً فى دول الخليج، وأوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، فى تقرير لها، أن التحديات المزدوجة من الإرهاب المتصاعد وانخفاض أسعار البترول تحوم فوق سماء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يحطم آمال حدوث نمو مستدام العام الجاري. وفى الوقت الذى ازداد فيه عبء الاضطرابات السياسية على المنطقة، بدأ الانخفاض الحاد فى أسعار البترول يحد من زخم النمو القوى فى دول الخليج، وانتشرت الاضطرابات السياسية، وأخذ الجهاديون يشكلون خطراً على العراق وسوريا، واستنساخ أنفسهم فى الحرب الأهلية فى ليبيا، وشابت أعمال العنف أيضاً الفترة الانتقالية التى أعقبت الربيع العربى فى تونس.
الاستقرار والتنوع الاقتصادى فى مصر والخليج يدعمان تحالفات المنطقة
هيمنت القضايا الجيوسياسية على طاولة المناقشات العربية، مع قيادة السعودية لائتلاف من الدول السُنية يسعى لتقويض ما يعتبرونه تدخلاً غير مرغوب فيه فى عقر دارهم من قبل منافسهم الإقليمى إيران، واحتدمت الحرب الباردة فى المنطقة ضد إيران فى اليمن، حيث أطاح الثوار الشيعة فى اليمن بالحكومة من العاصمة، الأمر الذى دفع السعودية فى أواخر مارس إلى التدخل عسكرياً جراء انزلاق الدولة الفقيرة إلى حرب أهلية.
وقال توماس بيرني، محلل التصنيفات السيادية لدى وكالة «موديز»، لقد كان من النادر أن تقود الأحداث السياسية التصنيفات الائتمانية منذ منصف ثمانينيات القرن الماضي.
وانخفض تصنيف مصر الائتمانى ست درجات منذ ثورة يناير عام 2011، ثم ثورة يونيو 2013، وانخفض تصنيف تونس الائتمانى أربع درجات منذ ثورة الياسمين، وانخفض تصنيف الأردن الائتمانى درجة واحدة نظراً للضغوط الواقعة عليها جراء عدم الاستقرار الإقليمي.
وتواجه مصر، المحور الحيوى للمشهد السياسى فى العالم العربي، عجزاً اقتصادياً هائلاً فى ظل سعيها لاستعادة الاستقرار السياسى والمالى بعد سنوات من الاحتجاجات فى الشوارع، وحملة جهادية منخفضة المستوى فى شبه جزيرة سيناء.
وكانت شركات الاستثمار المباشر وقطاع الطاقة الأكثر انجذاباً للاقتصاد المصرى فى مؤتمر القمة الاقتصادية الذى انعقد فى شرم الشيخ الشهر الماضى فى ظل الاستقرار النسبى الذى تشهده البلاد تحت قيادة الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش. وقال إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، إن مصر جذبت 36 مليار دولار من عقود الاستثمار المباشر فى المؤتمر.
وقال سلطان الجابر، وزير الدولة الإماراتي، الإجراءات الحاسمة التى اتخذناها للمساعدة على استقرار الاقتصاد المصرى والاستثمارات المستمرة فى بناء رأس المال البشرى فى البلاد، يؤكد الاعتقاد العميق بأن مصر القوية هى محور الرخاء فى الشرق الأوسط بأكمله. وأضاف الجابر أن هذا هو الوقت المناسب لشركاء مصر الدوليين لإثبات التزامهم الحقيقى لدعم مصر بالقول والفعل.
وتراجعت أسعار البترول بما يزيد على النصف خلال ستة أشهر، لتنخفض من 115 دولاراً للبرميل فى يونيو 2014 إلى 55 دولاراً للبرميل تقريباً فى مارس 2015، قبل أن ترتفع الأسعار مرة أخرى جراء قيادة السعودية لضربات جوية ضد اليمن.
ومن جهة، قدم هذا التراجع دعماً مستمراً للدول الناشئة فى العالم العربى التى لا تعتمد اقتصاداتها على البترول فى شمال أفريقيا وبلاد الشام، حيث يواجه الأردن ولبنان وتونس اضطرابات مالية جراء الضغوطات السياسية المحلية والإقليمية.
ومن جهة أخرى، غيّر انخفاض أسعار البترول المشهد المالى تغييراً جذرياً فى دول الخليج الغنية بالبترول، حتى إنه قد يضع عقداً من الازدهار الاقتصادى فى خطر، وبعد سنوات من الارتفاع المستدام فى الأسعار، تتوقع وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى أن يبلغ سعر البترول 55 دولاراً فى المتوسط العام الجاري، وأن يرتفع إلى 65 دولاراً للبرميل العام المقبل ليرتفع بعد ذلك بوتيرة بطيئة ويصل إلى 77 دولاراً للبرميل مطلع عام 2019، وأوضحت وكالة «موديز» أن السعودية والبحرين وعمان ستواجه عجزاً مالياً وعجزاً فى الحساب الجارى العام الحالي.
وتعد الكويت وقطر والإمارات الأقل عرضة لتداعيات انهيار أسعار البترول، ويعود ذلك على نحو كبير إلى احتياطيات الثروة السيادية الضخمة والاقتصادات المتنوعة جزئياً. وقال محمد الحريري، رئيس مجلس إدارة بنك البحر المتوسط اللبناني، إن اقتصادات الخليج تتمتع بزخم كاف ناجم عن ارتفاع أسعار البترول خلال العقد الماضى.
ومن المتوقع أن يكون النمو معتدلاً فى دول الخليج رغم لجوئها إلى الاحتياطيات أو الاقتراض للحفاظ على الإنفاق، وستشهد السعودية، التى بلغ متوسط نموها %6.5 ما بين عامى 2011-2013، نمواً بنحو %2.8 فقط العام الجاري.
الطاقة الشمسية ملاذ الدول العربية لحل أزمة الكهرباء
كان مرادف الطاقة فى العالم العربى لعقود عديدة هو البترول، وكان الدعم الضخم للكهرباء والوقود حقاً مكتسباً لأكثر من جيل، ولكن هذا الأمر من المقرر أن يتغير، ويقول المستثمرون وخبراء الطاقة، إن هناك مجموعة من العوامل تومئ بأن مصادر الطاقة الوفيرة الأخرى، مثل الطاقة الشمسية، قد تصبح مساهماً مهماً فى الطاقة.
وانخفضت تكلفة الألواح الشمسية انخفاضاً كبيراً خلال السنوات الخمس الماضية، وتراجعت أسعار الخلايا الكهروضوئية الشمسية بنسبة %75 منذ نهاية عام 2009. وقال بادى بادمانثان، الرئيس والمدير التنفيذى لشركة «أكواباور» السعودية، منذ أربع سنوات فقط، لم تكن الطاقة الشمسية تنافسية، ولكن خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، كان هناك تغير كبير.
ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة فى المنطقة بمعدل أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط العالمى بين عامى 2013 و2019، فى حين أن تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية الآن تعادل توليد البترول عند سعر 20 دولاراً للبرميل، فمن المنطقى اقتصادياً حتى بالنسبة لدول الخليج المنتجة للبترول أن تحافظ على الوقود الأحفورى لأغراض التصدير وتطوير مصادر الطاقة المتجددة لتلبية الاستهلاك المحلى للطاقة.
وفى العام المقبل، من المقرر أن يتم كشف النقاب عن مشاريع للطاقة الشمسية فى المنطقة بقيمة 2.7 مليار دولار قادرة على توليد 1.800 ميجاوات، وفقاً لدراسة أجرتها رابطة صناعة الطاقة الشمسية فى الشرق الأوسط، وذلك مقابل أقل من 300 ميجا وات العام الماضي.
قطاع العقارات المصرى فى انتظار انتعاشة جديدة
أثبت قطاع العقارات فى مصر أنه مرن فى الوقت الذى دمرت فيه الاضطرابات قطاعات أخرى من الاقتصاد خلال السنوات الأربع الماضية، كما انتعش القطاع «الدفاعي» رغم التحديات القانونية التى واجهت المطورين الكبار بشأن ملكية الأرض.
وحالياً يستعد القطاع لانتعاشة أخرى مع استحداث قوانين جديدة تسمح للحكومة بتقديم الأراضى لمشروعات جديدة مقابل حصة، عينية أو نقدية، من الإيرادات.
ويقول المحللون وشركات العقارات، إنه فى دولة يزيد عدد سكانها على 85 مليون نسمة، وتصل عدد الزيجات فيها إلى 800.000 سنوياً، يظل الطلب على المنازل مرتفعاً فى كل مستويات الدخول.
وتميل شركات التطوير العقارى الكبرى المدرجة فى البورصة إلى تلبية طلب الطبقات الأعلى من المتوسطة والعليا، والتى ظل الطلب فيها قوياً بسبب بحث المشترين عن الأمان الذى توفره المجتمعات المغلقة وسط عدم اليقين الاقتصادي.
وقالت حبيبة حجاب، محللة إنشاءات وعقارات فى «بلتون» المالية، إنه منذ ثورة 2011، شهدت أكبر ثلاث شركات تطوير عقارى فى الدولة، مجموعة طلعت مصطفى، وسوديك، وبالم هيلز، زيادة فى الطلب.
وأوضحت أن ذلك يعود إلى حد كبير إلى المخاوف من التضخم، وانخفاض قيمة العملة، والتقلبات فى سوق الأسهم، والقيود على صفقات العملات الأجنبية،.
وقالت إن القرار الاخير الذى يسمح للهيئات الحكومية بالمساهمة بالأرض مقابل عدد من الوحدات أو حصة من الإيرادات سيساعد القطاع من خلال تقليل التكاليف فى وقت ترتفع فيه أسعار الأراضي.
ويتفق معها أحمد بدراوي، العضو المنتدب لشركة سوديك، فى أن هذا الأمر إيجابى للغاية وجديد بالنسبة للقطاع، وأضاف أن شركته تقدمت بعرض شراء لـ900 فدان فى موقعين بموجب هذا النظام الجديد لتقاسم الإيرادات.
وقال أحمد بدراوى إن «سوديك» حققت أقوى أرباح لها على الإطلاق فى 2014، وتمتلك كمية جيدة من النقدية تسمح لها بالتوسع.
ويعتقد بدراوى أن السوق المستهدف كبير للغاية، مضيفا أنه فى حال تعدد خيارات التمويل والرهن العقارى سيصبح السوق ضخماً. ويذكر تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن غياب قانون الرهن العقارى الكفء يعوق الاستثمارات فى العقارات التى تستهدف شرائح أدنى من السوق، حيث لا يتحمل العملاء الشراء على الماكيت.







