
اهتمت الصحف ووسائل الإعلام المحلية بتسليط الضوء على الحصاد النهائي لمؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي انتهت أعماله بمدينة شرم الشيخ في 15 مارس 2015 وكان بمثابة نقلة نوعية هائلة على المستويين الاقتصادي والسياسي، بسبب إقبال الوفود المشاركة على إبرام العقود والاتفاقيات وتوقيع مذكرات التفاهم لإقامة مشروعات استثمارية جديدة، وكذلك التعهد بتقديم منح ومساعدات هائلة لدعم الاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة، إلى جانب التحول الإيجابي الملحوظ بالرأي العام حول مقومات الاقتصاد الوطني ودور القطاع الخاص في دفع عجلة التنمية الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة.
يعد هذا المؤتمر سابقة من نوعها: فهو ليس مؤتمر مانحين، ورغم ذلك نجح جذب منح ومساعدات خليجية بقيمة 12.5 مليار دولار. وشهد المؤتمر علاوة على ذلك توقيع عقود استثمارية بقيمة 33.2 مليار دولار، وإبرام اتفاقات مبدئية بقيمة 89 مليار دولار من المرجح أن تترجم إلى استثمارات محلية وأجنبية في مشروعات الطاقة والنقل والدعم اللوجيستي والتطوير العقاري، وغيرها من القطاعات المحورية بالاقتصاد المصري.
وقد أوضحت المذكرة البحثية التي عكف على إعدادها قسم البحوث بالمجموعة المالية هيرميس في ختام أعمال مؤتمر «مصر المستقبل»، أن المؤتمر اجتاز بكفاءة جميع المعايير التي حددها فريق البحوث مسبقا لقياس مدى نجاحه، وأبرزها مستوى المشاركة الدولية، وحجم الدعم المالي الذي تم الإعلان عنه، واستعادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مصحوبًا بنوعية الإصلاحات التشريعية التي سيتم إقرارها. وبالنظر إلى أي من هذه المعايير يظهر أن المؤتمر حقق نجاحًا ملموسًا باعتباره قاعدة انطلاق جديدة للاقتصاد المصري.
ما هو الانطباع العام عن المشاركة الرسمية لقادة العالم وممثلي الدول بمؤتمر «مصر المستقبل»؟
لم يكن هناك شك خلال الأيام السابقة لانطلاق المؤتمر حول مشاركة القيادات التنفيذية بكبرى الشركات العالمية – مثل كوكا كولا، وسيمنز، وبريتش بتروليوم، وأبراج كابيتال، وجي بي أوتو، وماجد الفطيم – ولكن التساؤل كان حول مستوى المشاركة الرسمية لزعماء العالم أو ممثلي الدول للوقوف إلى جانب مصر ومساندتها اقتصاديا في المرحلة المقبلة.
وشهد المؤتمر في النهاية مشاركة هائلة من وفود رسمية لأكثر من 100 دولة و25 منظمة دولية تحت قيادة كبار المسئولين الحكوميين بدول مجلس التعاون الخليجي، وشارك أيضًا رؤساء صندوق النقد الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة البناء والإعمار، وبنك الاستثمار الأوروبي. كما قامت كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي بتوجيه كلمة تحت عنوان “Moment of Opportunity” أشادت خلالها بالإصلاحات التي تتخذها الحكومة المصرية، وطالبت بمواصلة النهج الإصلاحي لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وتنمية الصادرات وإتاحة المزيد من الموارد التمويلية. وشهد المؤتمر كذلك حضورًا واسعًا من أبرز شخصيات مجتمع المال والأعمال وكبار المسئولين بالمجموعة المالية هيرميس ومؤسسة سيتي جروب وكذلك الخبير الاقتصادي محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين بمؤسسة إليانز الدولية.
وبينما كان حضور المجتمع الغربي ممثلا في البعثات الدبلوماسية وسفراء الدول، فإن حضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وتصريحاته الإيجابية بشأن عملية الإصلاح في مصر تمثل تطور إيجابي اخر، ليبعث الجمع برسالة لا تخطئها العين بأن مصر قادمة لا محالة.
هل تكفي المنح والمساعدات الخليجية لسد عجز الموازنة في مصر؟
تعهدت كل من الإمارات والسعودية والكويت بتقديم منح ومساعدات بقيمة 4 مليار دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار من عُمان (إجمالي 12.5 مليار دولار). وتنقسم هذه المساعدات بين ودائع نقدية بقيمة 6 مليار دولار، و6.25 مليار دولار في صورة استثمارات، ودعم مباشر للموازنة العامة بقيمة 250 مليون دولار. وستلعب هذه المساعدات دورًا محوريًا في دعم تدابير البنك المركزي لسد عجز الموازنة بالتزامن مع القضاء على سوق الصرف الموازي.
وتجدر الإشارة إلى أن المنح والمساعدات المعلنة تتجاوز الأهداف التطلعية السابقة (ما بين 6 و8 مليار دولار) ومن شأنها تمكين الحكومة المصرية من تمويل عجز الموازنة لمدة تتراوح بين 12 و18 شهرًا، بفضل ضخ ودائع نقدية قيمتها 6 مليار دولار مقابل العجز البالغ 6 مليار دولار بموازنة السنة المالية 2015/2016 (4 مليار دولار عجز بالإضافة إلى 2 مليار دولار ناشئة عن المتأخرات المستحقة لشركات البترول العالمية من الهيئة المصرية العامة للبترول).
ولذلك فإن ضخ هذه السيولة النقدية سيوفر للحكومة مساحة لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة إلى حين استئناف دورة الاستثمار الأجنبي المباشر.
جدول (1): موجز العقود ومذكرات التفاهم
مليار دولار
|
العقود
|
مذكرات التفاهم والاتفاقات المبدئية
|
بترول وغاز طبيعي
|
12
|
9
|
الطاقة
|
16.6
|
37.5
|
التطوير العقاري
|
4
|
34.5
|
النقل والدعم اللوجيستي
|
0.4
|
6
|
التصنيع
|
0.2
|
1
|
البتروكيماويات
|
0
|
1
|
الإجمالي
|
33.2
|
89
|
قامت الحكومة بدراسة أكثر من 120 مشروع في إطار الاستعدادات للمؤتمر الاقتصادي، 52% منها في قطاعات النقل والدعم اللوجيستي والإسكان والمرافق – وتم إعداد قائمة نهائية من 60 مشروع. وتجاوز المؤتمر كافة التوقعات الخاصة بإبرام عقود واتفاقيات الاستثمار وتوقيع مذكرات التفاهم، من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة باستثمارات 45 مليار دولار، إلى مشروعات استكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعي بقيمة 21 مليار دولار، وكذلك مشروعات أخرى بقيمة 99 مليار دولار في مجالات البنية الأساسية والتطوير العقاري.
وفيما يتعلق بالعقود المبرمة خلال المؤتمر، وقعت الحكومة اتفاقيات استثمارية بقيمة 33.2 مليار دولار، من بينها الاتفاق مع شركة سيمنز الدولية لإضافة قدرات جديدة تصل إلى 6.5 جيجاوات من الطاقة الكهربائية (مصادر تقليدية وطاقة متجددة) باستثمارات 11.6 مليار دولار، والاتفاق مع شركة بريتش بتروليوم على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بمعدل 20-25% باستثمارات 12 مليار دولار ، علمًا بأن حوالي 19 مليار دولار من قيمة تلك العقود سيتم تمويلها بواسطة الشريك الأجنبي في المشروعات الهندسية والإنشائية المتكاملة، وهي ميزة جوهرية في هذا التوقيت الحساس الذي تحتاج فيه مصر لأكبر تدفقات استثمارية داخلة (الجدول أدناه يوضح أبرز المشروعات التي تم الإعلان عنها).
جدول (2) العقود والاتفاقيات الاستثمارية المبرمة خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري (مليار دولار)
|
|||
اسم الشركة
|
القيمة الاستثمارية
|
القطاع الاقتصادي
|
نبذة عامة
|
بريتش بيتروليوم
|
12 مليار دولار
|
البترول والغاز الطبيعي
|
مشروع غرب الدلتا المخطط أن يرفع حجم إنتاج الغاز الطبيعي بنحو 20-25%
|
سيمنز
|
4.6 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة طاقة كهربائية بقدرة 4.4 جيجاوات في صعيد مصر
|
الطاقة
|
محطة طاقة رياح بقدرة 2 جيجاوات
|
||
التصنيع
|
إنشاء مصنع إنتاج الألواح الخاصة بالطاقة الهوائية
|
||
أوراسكوم – آيبيك
|
3 مليار دولار
|
الطاقة
|
إنشاء محطة توليد طاقة بتكنولوجيا الفحم النظيف بقدرة 3 جيجاوات
|
النويس للاستثمار
|
4.5 مليار دولار
|
الطاقة
|
إنشاء محطة توليد طاقة بتكنولوجيا الفحم النظيف بقدرة 2.64 جيجاوات
|
بنشمارك
|
4.5 مليار دولار
|
الطاقة
|
إنشاء محطة توليد طاقة بتكنولوجيا الفحم النظيف بقدرة 2.3 جيجاوات
|
عبدالرحمن الشربتلي وفهد الشبكشي (السعودية)
|
4 مليار دولار
|
تطوير عقاري
|
تطوير مساحة 3.5 ألف فدان في منطقة السويس
|
جنرال إليكتريك
|
0.2 مليار دولار
|
التصنيع
|
منشأة تصنيع وتدريب في مدينة السويس
|
موانئ دبي العالمية
|
0.4 مليار دولار
|
النقل والدعم اللوجيستي
|
تطوير وتوسعة محطة الصب السائل وإنشاء مستودعات تخزين جديدة بميناء السخنة
|
الإجمالي
|
33.2 مليار دولار
|
|
|||
اسم الشركة
|
القيمة الاستثمارية
|
القطاع الاقتصادي
|
نبذة عامة
|
بريتش جاز
|
4 مليار دولار
|
البترول والغاز الطبيعي
|
تطوير حقول الغاز في البحر المتوسط
|
ENI
|
5 مليار دولار
|
البترول والغاز الطبيعي
|
امتيازات محتملة في البحر المتوسط والصحراء الغربية والدلتا وسيناء لإنتاج 900 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي
|
قبرص هايدروكربون
|
—
|
البترول والغاز الطبيعي
|
دراسة لمد خط أنابيب غاز من حقل أفروديت القبرصي إلى منطقة إدكو بمصر
|
سيمنز
|
7 مليار دولار
|
الطاقة
|
وضع مخططات إنشاء محطات كهرباء بقدرة إضافية 6.6 جيجاوات
|
سينوهيدرو
|
2 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة طاقة مياه في عتاقة بقدرة 2.1 جيجاوات
|
أكوا باور + مصدر
|
2.4 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة طاقة بنظام الدورة المركبة لتوليد 2.2 جيجاوات في غرب دمياط + 1.5 جيجاوات من الطاقة الشمسية + 0.5 جيجاوات من طاقة الرياح
|
اكواب اور
|
7 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة كهرباء تعمل بالفحم النظيف بطاقة 2 جيجاوات، وقابلة للزيادة للوصول إلى 4 جيجاوات
|
الثروة للاستثمار
|
9.6 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة كهرباء تعمل بالفحم النظيف بطاقة 6 جيجاوات – الأكبر من نوعها بالعالم
|
OTMO
|
0.1 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة طاقة شمسية بقدرة 50 ميجاوات في كوم امبو
|
تيرا سولار جروب
|
3.5 مليار دولار
|
الطاقة
|
مجمع طاقة شمسية بقدرة 2 جيجاوات
|
سكاي باور + شركة الخليج للتنمية
|
4.5 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة طاقة بقدرة 3 جيجاوات بنظام الألواح الضوئية
|
مؤسسة الشبكة القوية الصينية
|
1.8 مليار دولار
|
الطاقة
|
تطوير شبكة نقل الطاقة الكهربائية
|
فاس (الأردن)
|
3.5 مليار دولار
|
الطاقة
|
محطة طاقة شمسية بقدرة 2 جيجاوات
|
بالم هيلز للتعمير + آبار
|
19.7 مليار دولار
|
تطوير عقاري
|
تطوير مساحة 10 آلاف فدان تقريبًا بمدينة 6 أكتوبر
|
بالم هيلز للتعمير
|
3 مليار دولار
|
تطوير عقاري
|
تطوير مساحة 500 فدان في القاهرة الجديدة
|
ماونتين فيو + سيسبان القابضة السعودية
|
5.7 مليار دولار
|
تطوير عقاري
|
تطوير 500 فدان في القاهرة الجديدة و470 فدان في السادس من أكتوبر
|
تحالف (بايونيرز القابضة + المهيدب + آخرون)
|
1.5 مليار دولار
|
تطوير عقاري
|
عدد 2 مشروع تنمية عقارية في القاهرة الجديدة والشيخ زايد
|
تحالف شركات عربية
|
4 مليار دولار
|
تطوير عقاري / سياحة
|
مدينة سياحية فرعونية على مساحة 557 فدان في السادس من أكتوبر
|
ماجد الفطيم
|
0.6 مليار دولار
|
تطوير عقاري / تجزئة
|
تطوير 4 مراكز تسوق ومنشآت تجارية أخرى بالقاهرة الكبرى
|
مجموعة السويدان (الإمارات)
|
6 مليار دولار
|
الدعم اللوجيستي
|
مركز لوجيستي لتخزين وتداول الحبوب في دمياط ومحور قناة السويس
|
شركة صناعة الطيران الصينية
|
1 مليار دولار
|
التصنيع
|
تصنيع عربات قطارات وكهربة خط قطار «أبوقير» بمحافظة الإسكندرية بنظام (BOO)
|
شاينا هاربور للهندسة
|
—
|
النقل
|
إدارة ميناء دمياط
|
الإجمالي
|
91.8 مليار دولار
|
كان قطاع الكهرباء المستفيد الأكبر من مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال المؤتمر، فيما يعكس جهود الحكومة خلال الآونة الأخيرة لاستحداث تشريعات تدعم سياسات التحرير الاقتصادي وتشجيع استثمارات القطاع الخاص في مشروعات الكهرباء.
وعلى هذه الخلفية أعلنت الحكومة خلال شهر ديسمبر الماضي عن تعريفة التغذية لمشروعات الطاقة المتجددة، إلى جانب الإعلان منذ قرابة شهر عن ملامح مشروع قانون الكهرباء الجديد، الذي تتحول مسئولية الحكومة بمقتضاه إلى تنظيم وضبط ومراقبة نشاط المرافق العامة بدلًا من إدارتها بطريقة مباشرة. وستساهم هذه الإصلاحات التشريعية في فتح المجال لاستثمارات القطاع الخاص بمشروعات الكهرباء، وهي سابقة من نوعها ستعمل على إضافة قدرات جديدة لتغطية العجز الحالي باعتباره شريطة أساسية لتسريع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وجاء قطاع التطوير العقاري بالمرتبة الثانية بين القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمار خلال المؤتمر الاقتصادي، حيث تم الإعلان عن اثنين من مشروعات التطوير العقاري الضخمة وهما مشروع العاصمة الإدارية الجديدة (Cairo Capital) باستثمارات 45 مليار دولار، وآخر بقيمة 19 مليار دولار بمقتضى المشروع المشترك بين شركتي بالم هيلز وآبار، إلى جانب عدة مشروعات أخرى أصغر حجمًا تتنوع بين المشروعات العقارية السكنية والتجارية. وقد استحوذ مشروع العاصمة الإدارية على اهتمام شعبي وتغطية إعلامية كبيرة نظرًا لضخامة حجمه حيث تسعى الحكومة لبناء عاصمة إدارية جديدة من أجل تخفيف الاختناق والزحام بالقاهرة وكذلك استيعاب تقديرات الزيادة السكانية.
سيتم تنفيذ المشروع بالاشتراك مع شركة Capital City Partners (CCP) التي يعد محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية، من أكبر مساهميها إلى جانب مستثمرين آخرين من مجلس التعاون الخليجي. وسيتم تنفيذ المشروع في إطار برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) حيث تتمثل مساهمة الحكومة في توفير أرض المشروع مقابل حصة مساهمة تصل إلى 24% وفقا لتقديرات التقارير الإعلامية المختلفة. ومن المقرر أن تستوعب العاصمة الجديدة حوالي 5 مليون نسمة حيث تقرر إنشائها على مساحة 700 كم مربع – تعادل تقريبًا مساحة سنغافورة – لتصبح امتدادًا للقاهرة نحو محور قناة السويس الذي تقوم الحكومة كذلك بتطويره في الوقت الحالي. وستشمل المرحلة الأولى من المشروع إنشاء مركز المدينة (المركز المالي) والمنطقة الحكومية (القصر الرئاسي ومقر البرلمان والوزارات المختلفة) وكذلك مشروع جراند وادي بارك والمنطقة الابتكارية، وذلك على مساحة 105 كم مربع باستثمارات متوقعة 45 مليار دولار أمريكي حسبما ذكر وزير الإسكان.
وعلاوة على ذلك، فإن إضافة مشروع العاصمة الجديدة ومشروع قناة السويس إلى قائمة العقود والاتفاقيات المبرمة يمكن ترجمته إلى استثمارات أجنبية مباشرة إضافية تتراوح بين 20 و30 مليار دولار على مدار السنوات الأربع القادمة وهو ما يعادل حوالي 6-9% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2014/2015.
ونري في النهاية استنتاجان مهمان:
(1) من المتوقع ترجمة العقود التي تم الإعلان إلى استثمارات أجنبية مباشرة تتراوح قيمتها بين 2 و3 مليار دولار سنويًا على أقل تقدير خلال 5 إلى 7 سنوات، على أن يبدأ توظيف هذه الاستثمارات اعتبارًا من عام 2016 عقب انتهاء الحكومة من مخاطبة عدد من المتطلبات التنظيمية، ولا سيما تحديث الأطر التشريعية لاستثمارات قطاع الكهرباء وتعريفة تغذية محطات الطاقة بالفحم – إلى جانب انتهاء المستثمرين من تنفيذ الإغلاق المالي للمشروعات المختلفة.
(2) مردود هذه الاستثمارات والطفرة بأنشطة الاستثمار المباشر سيكون لهما دور هام في تسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 6% عام 2017 مقابل التقديرات الحالية بنحو 5.1%، وذلك مرهون بسرعة تحرك الحكومة نحو تنمية قدرات الاقتصاد – من حيث توفير مواد البناء وتطوير البنية الأساسية والارتقاء بالقوى العاملة – لتجاوز الضغوطات المحتملة وخاصة على عنصر القوى العاملة خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.
ويطرح ذلك التساؤل التالي:
هل الاقتصاد المصري مؤهل لاستيعاب الاستثمارات التي تم الإعلان عنها؟
العوامل الأساسية المؤثرة في الطاقة الاقتصادية – من القوى العاملة والتمويل ووفرة مواد البناء واستقرار سوق الصرف – تدعم قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب الاستثمارات الجديدة. فعلى صعيد قطاع مواد البناء تعمل غالبية مصانع الأسمنت بمعدل توظيف 70% فقط من طاقتها الإنتاجية نتيجة نقص الطاقة، شأنها في ذلك شأن مصانع الحديد والصلب، ومن ثم نرجح وجود طاقة كافية لاستيعاب النمو المحتمل خلال السنوات الثلاثة القادمة، غير أن هذه القطاعات ستحتاج إلى تنمية الطاقة الإنتاجية خلال السنوات الثلاثة أو أربعة القادمة لمواكبة ارتفاع معدلات الاستثمار.
وعلى الرغم من ذلك، فإن معوقات الطاقة الاقتصادية قد تتعاظم لو أن حوالي 20% من مذكرات التفاهم التي تم توقيها، باستثناء تلك الخاصة بمشروعات البترول والغاز الطبيعي، تحولت إلى عقود واتفاقيات نهائية خلال العام المقبل، وخاصة الاستثمارات المخططة بمحور قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة. ففي هذا السيناريو ستنقلب جميع العوامل المذكورة أعلاه – بما فيها القوى العاملة – إلى عراقيل تواجه مسيرة النمو الاقتصادي المنشود في مصر.
ومن جانبها تظهر الحكومة حماسًا وعزيمة واضحة للعمل والمضي قدمًا بالمشروعات المتفق عليها قبل المواعيد المحددة وبتكاليف تنافسية، وهو ما شدد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته الختامية بالمؤتمر. السؤال يثور حول ما إذا كان التنفيذ سيكون بنفس المستوى من العزم والتركيز.
ما هي المخاطر/ المعوقات الرئيسية اللاحقة للمؤتمر؟
التنفيذ: على الرغم من أن الحكومة اتخذت خطوات حاسمة نحو إجراء إصلاحات تشريعية ملموسة خلال فترة الستة إلى تسعة أشهر الماضية، مازال هناك قدر هائل من العمل الواجب إنجازه. مثال على ذلك الحاجة لسرعة إصدار تعريفة تغذية محطات الكهرباء بالفحم باعتبارها خطوة رئيسية نحو تشجيع وتنمية الاستثمارات خلال الفترة القادمة، و أيضًا ضرورة التعجيل بنشر اللائحة التنفيذية لقانون الكهرباء الجديد بعد قرابة 6 أشهر من الإعلان عن القانون في الجريدة الرسمية، حيث تحتوي اللوائح التنفيذية على جميع التفاصيل الفنية لمشاركة القطاع الخاص ومن ثم فهي خطوة ضرورية تسبق ضخ الاستثمارات الجديدة. هذه الأطر التشريعية ينبغي الانتهاء من وضعها مع إضفاء الطابع المؤسسي على الإصلاحات المرتقبة حتى يتسنى التركيز على تنفيذ المشروعات والاستثمارات الجديدة.
وفرة العملة الأجنبية: تمثل وفرة العملة الأجنبية وإرساء قواعد الاستقرار الطبيعي بميزان المدفوعات من أبرز التحديات/ المخاطر قصيرة الأجل التي مواجهه الاقتصاد الوطني، حيث أن نمو الواردات بمعدل سنوي 10% يتطلب توفير سيولة دولارية إضافية قدرها 6 مليار دولار لمواكبة تقديرات النمو الاقتصادي. وبما أن القطاع السياحي يظهر مؤشرات التعافي بصورة تدريجية فإن الحكومة باتت مضطرة إلى مواصلة تخفيض قيمة الجنيه لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وإنعاش التدفقات الاستثمارية الداخلة، ومن ثم نتوقع أن تلجأ الحكومة للاقتراض الخارجي من أجل تمويل عجز الموازنة وتوفير السيولة الدولارية اللازمة لدفع عجلة النمو الاقتصادي خلال المرحلة القادمة.
مواصلة النهج الإصلاحي: ارتفاع العجز ومستوى الدين العام يستلزم الدفع بحزمة إصلاحات مالية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي من منظور كلي. هناك أيضًا الالتزامات الدستورية التي تلزم الحكومة بزيادة حجم الإنفاق العام بحوالي 21 مليار دولار خلال السنوات الثلاثة السابقة لعام 2017 في قطاعات التعليم والصحة والبحث العلمي. ومن ثم فإن مصر مطالبة بسرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الجارية، واتخاذ تدابير مالية هائلة لترسيخ المقومات الكلية الداعمة للاقتصاد المصري. ويتضمن ذلك مواصلة العمل على تخفيض فاتورة دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة والعمل كذلك على تنمية قاعدة الممولين من خلال الارتقاء بمنظومة التحصيل الضريبي.
مازال الوقت مبكرًا للتكهن بجدية إجراءات التنفيذ فضلاً عن تعدد عوامل التشتيت خلال الفترة القادمة: الانتخابات البرلمانية في انتظار إعادة الإعلان عن موعد انعقادها عقب حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون تقسم الدوائر، ومن جهة أخرى سيركز العديد من مطوري مشروعات البنية الأساسية خلال الأشهر القادمة على تجنب أزمة الطاقة الكهربائية خلال أشهر فصل الصيف من خلال تنفيذ الخطة القومية لطوارئ الطاقة والتي سينتج عنها إضافة 3.2 جيجاوات إلى شبكة الكهرباء القوية بحلول أغسطس 2015، وعلاوة على ذلك تأثير التباطؤ الموسمي لشهر رمضان الكريم المقرر أن تتزامن وشهر يونيو القادم.
الأمر المؤكد هو أن مؤتمر مصر المستقبل ومشروع قناة السويس الجديدة أثبتا أن الحكومة الحالية قادرة على الإنجاز بكفاءة في مواقع متعددة بالتوازي. ويزيدنا ثقة وتفاؤل مشاركة بنوك الاستثمار ومؤسسات القطاع الخاص في إعداد قائمة بالمشروعات الاستثمارية والمساهمة في ترويجها – بما في ذلك مشروع Airport City وغيره من المشروعات التي تقوم المجموعة المالية هيرميس بترويجها على نفقتها الخاصة للتوفير على خزانة الدولة.
إن قدرة الحكومة على مواصلة هذه الإنجازات بعد حالة التفاؤل التي سادت المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ ستكون محل اختبار بصورة يومية، حيث تتمثل المحطات القادمة في إجراء الانتخابات البرلمانية وافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة خلال أشهر الصيف.