إلى متى تستمر تلك المهزلة، لا بد من إيقاف هذا العبث، هل سنظل نلقيها خارج الزيت، ثم تتسابق الألسنة فى تقليد صوت القلى الزائف “تِسس”، ربما نيران الحقيقة التى أشعلها الجوع قبل عدة سنوات، اخمدتها الوعود والرعود، لكنَّ رمادها يترقب، ودخانها للحرية يتعقب، ونخشى اشتعالها وقد لفحنا لهيبها، والأجدر أن نكون صادقين فى تقييم الأداء لنتدارك الأخطاء، وسنذكر أمور تُنذر بوقوع المحذور.
ربما يهمل الإنسان نفسه فيحرمها التعليم والملبس وينام فى الطرقات ولايتعالج من الأمراض، ويستبد برأيه متمسكا بحاله المزرى كالمجنون، يُكبِت كل شئ ويقتل بداخله كل جميل فيقال ماتت الضمائر، وانعدمت الانسانية، إلا أنه لايتخلى عن الطعام والماء حتى لا يدركه الفناء، وهكذا حال الدول تتغاضى شعوبها عن الكثير وتثور فقط من أجل العيش.
لدينا عجز مائى 23 مليار متر مكعب يتسبب فى تبوير ملايين الأفدنة سنويا، ويكبد الدولة مليارات الدولارات فى استيراد الطعام لسد الفجوة الغذائية التى تخطت نسبتها 60%، فضلا عن 42 مليون مواطن يعيشون دون صرف صحى، هذه الحقائق هى التى تحكمنا وتتحكم فينا ويجب أن تُدَوَن على العلم المصرى وتُعلّق داخل كافة مؤسسات الدولة وتُقدم لها التحية ويُعزف لها النشيد الوطنى، لعلنا نستفيق من سكرتنا.
وعلى من يريد أن ينتزع الحكم منها أن يمحوها أولا من واقعنا، وللأسف يبدو أن الأجندة الاقتصادية خلت من تلك المشروعات وخلعت عنها رداء الأمن القومى وألبسته لغيرها فاختل ميزان الأولويات، وأصبحنا نسمع عن مشروعات قومية لاندرى يقصدون بها أى قومية ومن هؤلاء القوم الذين سوف تخدمهم تلك المشروعات.
لماذا نسعى إلى زيادة الدخل الدولارى عن طريق مشروعات لايمكن أن تقدم خدماتها إلا للدول الخارجية دون المواطن، لننفق الحصيلة أيضا على شراء احتياجات المواطن من الدول الخارجية، ثم نتحدث عن تحسن المؤشرات الاقتصادية كما فعل سابقون قبل أن تنهار بهم، وتظل مصر فى حاجة إلى الماء والغذاء، تُزينها الأرقام بالبهاء وتخفى وراءها الشقاء.
هنيئا لكم بمشروعاتكم، ولكن يجب الإعلان عن مشروع قومى لاستخراج المياه الجوفية أوتحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة واستزراع الاراضى، والذى يمكن تصدير انتاجه لتوفير الدولار وتقليص الفجوة الغذائية ونستبدل منتجاته بالواردات الغذائية التى انهكت الاحتياطى النقدى، فضلا عن مساهمته فى إحداث تنمية مستدامة وتحسين المؤشرات الاقتصادية التى نعالجها دائما على طريقة “ودنك منين ياجحا”.
ولازالت البنوك تحقق فوائض سيولة شهرية بنحو 50 مليار جنيه، ولن يتأخر الشعب عن المشاركة فى مشروعات قومية حقيقية قبل فوات الأوان، وقبل أن يكتشف من جديد أن الطعام يتم إلقاؤه خارج الزيت وأن أصوات القلى كانت زائفة يقلدها المنتفعون فى الإشادة بإنجازات واهمة، وبين كل تلك المليارات لاتنسوا 42 مليون مواطن بلا صرف صحى يحتاجون إلى 80 مليار جنيه فقط لقضاء حاجتهم، قبل أن يقضوها فى ميدان التحرير حيث لاينفع يومئذٍ وعد ولا وعيد.








