أنها بدون جيمس بوند والعميل «جيت سمارت» ونيكيتا خورتشوف صاحبة الحذاء ذي الكعب العالي
«روسيا ستكون تحدياً كبيراً للرئيس المقبل»
بقلم: توماس فريدمان
دعونا نلقي نظرة علي العالم اليوم، أمريكا تنشر الدبابات الحربية بالتعاون مع حلفائها من شرق أوروبا والأعضاء في حلف الناتو لمواجهة روسيا، وتطير الطائرات العسكرية والأمريكية بالقرب من بعضها البعض، وتصنّع روسيا جيلاً جديداً من الصواريخ البالستية طويلة المدي، والولايات المتحدة والصين يتصارعون في بحر الصين الجنوبين، فهل أشعل أحد فتيل الحرب العالمية بينما كنت أنظر في اتجاه آخر؟.
فإذا كان الأمر كذلك، فيبدو أن هذه الحرب تفتقد متعة الحرب الباردة السابقة، أي أنها بدون جيمس بوند، والعميل «جيت سمارت»، ونيكيتا خورتشوف صاحبة الحذاء ذي الكعب العالي، كما أنها بدون تسابق للوصول للقمر أو الجدال بين المسئولين الأمريكيين والسوفيتيين بشأن أي دولة لديها أفضل أدوات مطبخ.
وتشبه الحرب الباردة الثانية جولات المصارعات الحرة التي تنظمها مؤسسة المصارعة العالمية للترفيه «W.W.E»، ولا أشير هنا إلي مجرد ركوب الرئيس بوتين الخيل وهو عاري الصدر، وإن كان هذا مثالاً ملائماً، إنما أقصد التصارع الصريح علي السلطة من أجل السلطة في حد ذاتها، وليس تصارع الأفكار المؤثرة وإنما تصارع علي مناطق النفوذ: «إذا تعديت هذا الخط، فسوف ألكم وجهك؟»، «لماذا»، «لأنني قلت ذلك»، «وإذا كان لديك مشكلة مع ذلك»، «دعني أظهر لك طائراتي بدون طيار»، ويقول الطرف المقابل «لا ليس لدي مشكلة مع ذلك فقد قرصن رجالي نظام التوجيه الأسبوع الماضي من شركة «نورثروب جرونمان»، «فهل لديك أنت مشكلة مع ذلك؟».
وكانت للحرب الباردة الماضية الباردة بداية ونهاية، حتي إسدال الستار مع سقوط حائط برلين، أما الحرب الباردة الثانية فأعادتنا إلي ما قبل الحرب الباردة ولعبة الأمم، ومرت لحظة علي هذا العالم بدا فيها أن كل شيء سيسير في اتجاه مختلف، عندما بدا أن العرب والإسرائيليين سيصنعون السلام، وأن الصين ستتحول إلي نظام سياسي أكثر تصالحية، وأن روسيا ستصبح جزءاً من أوروبا ومجموعة الثماني، ولكن كان هذا منذ وقت طويل.
والآن، يعاني الصحفيون الغربيون للحصول علي تأشيرات لدخول الصين، ولا يأخذ أمريكي عبقري حاسبه المحمول ويذهب إلي بكين، ويمتلك المقرصنون الصينيون معلومات شخصية عنك أكثر من موقع «لينكد إن»، أما روسيا فلا تزال عازمة علي أن تصبح جزءاً من أوروبا، ولكن من خلال ضم قطعة أرض من هنا وهناك، وأصبحت قمة الثمانية قمة الـ1.5 (أمريكا وألمانيا).
ولكن متي بدأ تدهور الأمور بهذا الشكل؟ أطلقنا الرصاصة الأولي عندما وسعنا حلف الناتو حتي الحدود الروسية، رغم اختفاء الاتحاد السوفييتي، وكانت الرسائل التي وصلت لموسكو أنها ستظل دائماً عدواً بغض النظر عن النظام الذي يديرها، وعندما انتعشت أسعار البترول سعي بوتين للثأر لكرامته، ولكنه أصبح يستخدم تهديد الناتو لتبرير عسكرة المجتمع الروسي وليبقي هو وزملاؤه الفاسدون في السلطة، مصورين الخصوم بأنهم خدّام الغرب.
ويقول سيرجي جوريف، الاقتصادي الروسي المشهور المقيم في باريس، إن إطاحة الناتو بالقائد الليبي معمر القذافي، والربيع العربي، والاحتجاجات التي نشبت في شوارع موسكو أثارت غيظ بوتين، وفهم أنه فقد الطبقة المتوسطة لذا بدأ البحث عن الشرعية في القومية ومناهضة الولايات المتحدة.
ولكن جوريف يشير إلي نقطة ذات أهمية، ويقول «إنه لولا العقوبات علي روسيا، لكانت شرق أوكرانيا بالفعل جزءاً من روسيا اليوم.. ولا يخشي بوتين شيئاً سوي نجاح أوكرانيا في القضاء علي الفساد وبناء اقتصاد حديث يعكس ما ليست عليه روسيا برئاسة بوتين».
ويقلق جوريف من أن الدعاية المناهضة للغرب التي يضخها بوتين في عروق الشعب الروسي سيكون لها تأثير دائم وستجعل خليفته أسوأ منه، وفي كلتا الحالتين «روسيا ستكون تحدياً كبيراً للرئيس المقبل».
أما القيادة الصينية فليست غبية ولا يائسة مثل بوتين حتي الآن، كما أنها تحتاج المزيد من الدخول إلي الأسواق الأمريكية، ويتصرف القادة الصينيون ببعض الحذر في تأكيد مطالبهم في بحر الصين الجنوبي، ولكن كما أشار الخبير في الشئون الآسيوية، أندرو براون في صحيفة «وول ستريت جورنال»: «فقدت العلاقات الأمريكية الصينية أهم أسبابها الاستراتيجية، وهي وجود الاتحاد السوفيتي، التهديد المشترك الذي جمع الدولتين معاً»، ولم يشكلا سبباً جديداً مثل أن يكونوا مديرين متعاونين للاستقرار العالمي.
وباختصار، أصبح عامل الجذب في اقتصاد الولايات المتحدة، ولدغة العقوبات الأمريكية ذوي أهمية خاصة أكثر من أي قت مضي في إدارة لعبة الأمم في الحرب الباردة الثانية، بما في ذلك جلب إيران إلي طاولة المفاوضات، وقد نعود مجدداً إلي الجغرافيا السياسية التقليدية، ولكن في العالم الذي أصبح أكثر ترابطاً بكثير، يكون النفوذ الاقتصادي مصدراً لضبط أفعال موسكو وبكين.
ولا يخفي بوتين تورطه العسكري في أوكرانيا بدون سبب، فهو خائف من المزيد من العقوبات علي قطاعه المصرفي، ولا تريد الصين لفت الانتباه لسلوكياتها في بحر الصين الجنوبي من أجل لا شيء، فهي لا تستطيع النمو بدون الصادرات إلي أمريكا.
ولم يعد الأمر يتعلق بأسلحة الولايات المتحدة بل ببضائعها، ولهذا السبب ينبغي علينا توسيع اتفاقات التجارة الحرة التي تشكلها أمريكا مع آسيا وأوروبا، ولذلك، تعد صحة الاقتصاد الأمريكي أهم مصادر الاستقرار في العالم اليوم، ويمكننا السير للأمام بسلاسة طالما أننا نحمل عصا كبيرة، ومحفظة كبيرة.
المصدر: صحيفة «نيويورك تايمز»