تخيل أنك عرفت موعد زلزال مدمر يضرب الكرة الارضية ثم ابدأ في وضع جدول أعمالك حتى هذا الموعد، في الحقيقة هذا ما تعيشه الأسواق الناشئة هذه الأيام.
العالم كله يعرف أن بنك الاحتياط الفيدرالي سيرفع سعر الفائدة الاساسي من مستوى الصفر الذى استقر عنده منذ الازمة المالية في 2008 وهو قرار بمثابة زلزال للاسواق المختلفة.
ولأن الدول الناشئة بما فيها الكبار كالصين والهند والبرازيل وغيرهم تعرف هذه المرة موعد الزلزال فإن اقتصاداتهم تشهد اضطرابات يشعر معها المراقبون أن الدماء تكاد تتجمد في شرايين اسواقها سواء اسواق الاسهم أو العملات أو السلع الأساسية كما ظهر من انهيار الاسعار خلال الايام الماضية حتى الذهب الذي حلق فوق مستوى ال1000 دولار للاوقية فترى طويلة في طريقه الي 800 دولار كما يتوقع بعض الخبراء فما الذى حدث؟.
من الطبيعي جدا أن تنهار الأسعار مع ضعف الطلب وزيادة المعروض للبيع، والذى تسبب في ذلك هو رغبة المستثمرين في جمع أكبر سيولة ممكنة للاستعداد لشراء أصول مسعرة في وقت تكون الفائدة فيه صفر كالسندات الامريكية مثلا وعند قرار رفع سعر الفائدة سوف تزداد قيمة هذه الأصول لجني مزيد من الارباح.
وخلال السنوات الأخيرة هرب المستثمرون الغربيون من الركود في بلادهم متجهين للأسواق الناشئة التي تتمتع بنمو اقتصادي افضل نسبيا ووزعوا اموالهم بين أسواق السلع كالبترول والذهب وغيرهما وأسواق الاسهم واسواق السندات، فلما أردوا العودة قبل سبتمبر الي بلدانهم ظهرت تداعيات البيع الجماعي على الاسواق كافة.
وقد سجلت أسواق العملات الناشئة أدنى مستوى لها خلال 15 عاما في وقت خسرت فيه البورصة الصينية نحو 3 تريليونات دولار من قيمتها السوقية وهو ما يعادل نسبة الثلث تقريبا.
وقادت اسواق اسهم شركات السلع الاساسية والطاقة خسائر معظم البورصات العالمية مع انهيار اسعار هذه السلع وتراجع ارباح الشركات.
وتشهد الاسواق الناشئة منذ فترة ليست بالقليلة عمليات نزوح لرؤوس الأموال تقدر بمليارات الدولارات شهريا فقد جذبت الاسواق الناشئة تدفقات في الفترة من 2002 الي 2009 نحو تريليوني دولار لكنها في تسعة اشهر تمتد من يوليو 2014 الي مارس 2015 فقدت أكثر من 600 مليار دولار منها 208 مليار في الربع الاول من العام الجاري وارتفعت وتيرة هروب راس المال منها في 2014 بنسبة 30% بالمقارنة في 2012.
وتوقعت صحيفة فاينانشال تايمز أن تزداد الأمور سوء مع صدور قرار رفع سعر الفائدة مشيرة إلى أن الأسواق النامية والناشئة ستكون أكبر المتضررين.
ولفتت الصحيفة الانتباه الى أن موجة هبوط سعر عملات الدول الناشئة يعد جرس انذار بان اسواق المال والسندات مرشحة هناك لمزيد من الهبوط والاضطرابات مع تفاقم عمليات البيع الجماعي.
وبحسب البيرتو جالو الخبير في رويال بنك اوف اسكتلند فإن ازمة انهيار اسواق المال لن ينجو منها أحد بما في ذلك الولايات الكتحدة والدول الصناعية الكبري.
وذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن البنك الفيدرالي برئاسة جانيت يالين لم يفصح مباشرة عن عزمه رفع سعر الفائدة في سبتمبر القادم حيث موعد الاجتماع المقبل بيد أن تقريرا صدر عن لجنة السوق المقتوحة بالبنك يشير الي تحسن النمو الاقتصادي وانخفاض مستوى البطالة وتراجع مخاوف التضخم وكلها علامات مواتية للتخلي عن سياسة الفائدة الصفرية، وبالتالي فليس على الحكومات والمستثمرين الا انتظار زلزال 17 سبتمبر.
وبعد فإن التجربة تعلمنا أن الأثار المدمرة لنجاح العلماء في التوصل لتكنولجيا التنبؤ بموعد الزلازل ستكون مدمرة للحياة أكثر من الزلزال ذاته الذى قد لا يستغرق حدوثه 20 ثانية.