كتب نوح فيلدمان البروفيسور الامريكي في جامعة هارفرد العريقة مقالا لوكالة الانباء بلومبرج يناقش فيه زيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري للقاهرة.
حمل المقال عنوان، لماذا وصل التملق الامريكي إلى مصر حيث قال إن كيري سافر إلى مصر لتجديد “الحوار الاستراتيجي” بين البلدين الذي انقطع منذ عام 2009 مشيرا إلى أن تجديد هذا الحوار خطأ بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأمريكي على المدى الطويل.
وحرص الكاتب في بداية عرضه لوجهة نظره على التاكيد أنها ليس لها علاقة بسجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى السيئ والآخذ في التدهور في مجال حقوق الإنسان، موضحا أن الخطأ الذى يقصده لا يشير الي الرسالة المأساوية بأن الدعم الأمريكي قصير الأجل من أجل الديمقراطية المصرية مات تماما.
الثورة في مصر
واستطرد فيلدمان قائلا:” ما يثير القلق حقا من تملق الولايات المتحدة للسيسي هو أنه يسلب أي نفوذ قد يكون للطرف الأمريكي في مصر لتحقيق أهداف الأمن الإقليمي، مثل إنشاء ائتلاف سني مستقر لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”. وأضاف، لماذا يجب أن يفعل السيسي أي شيء تطلبه الولايات المتحدة إذا كانت الولايات المتحدة نفسها مشغولة بادعاء أن العلاقات الثنائية قوية؟
وأشار المحلل الامريكي الي المصالح الاستراتيجية العميقة كبداية لتحليل المشهد فبالنسبة لمصر فإن لديها أهدافا واضحة من العلاقة مع الولايات المتحدة مثل المساعدات العسكرية، التي تم تجديدها هذا العام من بين أنياب قانون حظر المساعدات العسكرية الامريكية للبلدان التي تقع في براثن انقلاب عسكري، مضيفا أن الجيش المصري الذي بزغ السيسي منه ، ليس فقط أقوى مؤسسة في المجتمع المصري وإنما هو المؤسسة القوية الوحيدة الباقية، بعد هزيمته لجماعة الإخوان المسلمين. وقد تعززت تسهيلات وامتيازات الجيش الخاصة بمليار دولار اضافية من في المعونات العسكرية السنوية الامريكية.
ويقول فيلدمان: “وبخلاف وصول المساعدات لا تريد مصر أن تطلب الولايات المتحدة منها شيئا فقد استمر السلام البارد بين مصر وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مقابل تجنب القتال ضد اسرائيل لا يوجد اي ضغوط أمريكية أو إغراء لمصر” .
وتابع:” في الواقع فإن السيسي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لديهما عدو مشترك هو جماعة الإخوان المسلمين وجزء منها حركة حماس” والأمل الأساسي للسيسي هو أن الولايات المتحدة سوف تتوقف عن وضعه فى وقت عصيب حول أساليبه المستخدمة في قمع الإخوان. فكلما قل الحديث عن حقوق الإنسان كان ذلك هو الأفضل”.
وأكد فيلدمان في مقاله أن ما تريده الولايات المتحدة من مصر من الصعب بعض الشيء الهروب منه بمعنى أكثر وضوحا يعتبر استعادة قدر من الاستقرار في الشرق الأوسط فورا في مصلحة الأمن القومي الامريكي مشيرا إلى أن فترة رئاسة جورج دبليو بوش كانت مخصصة للاخلال بالاستقرار الذى كان بمثابة المصلحة الإقليمية الأمريكية التقليدية منذ الحرب الباردة. وترغب الآن الولايات المتحدة بشدة في إعادة العفريت الذى اطلقته إلى القنينة.
ويري استاذ الجامعة الامريكي أنه من المحتمل أن تاخذ مصر دورا قياديا في المساعدة على تحقيق الاستقرار في جارتها ليبيا، حيث يقدم فراغ السلطة فرصة جذابة للدولة الإسلامية لكن السيسي في هذا الوقت يريد توجيه واضح لادارة المستنقع الليبي، لأنه لا هو ولا أي شخص آخر لديه استعياب واضح لكيفية فرض النظام هناك.
وأضاف أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد من مصر أن تتخذ موقفا قد يصل الي إرسال قوات حفظ سلام الي ليبيا فإنها بحاجة للنفوذ للقيام بذلك ورغم ذلك وبعد أن أظهرت الولايات المتحدة أنها تريد تمويل السيسي الآن ، وأنها حريصة على إقامة علاقات أوثق معه فإنها تفقد هذا النفوذ الذى كانت سوف تستخدمه للضغط على مصر بشأن ليبيا.
أبعد من ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة ملحة لامنها القومي في هزيمة الدولة الإسلامية وسوف يتطلب الامر وجود قوات برية عربية سنية – والسؤال هو من الذي سيقدم لها هذه القوات؟ فالسعوديون لن يرسلوا ابدا قوات من جيشهم لمحاربة الدولة الإسلامية لكنهم قد يدفعوا فاتورة التكلفة إذا أصبحوا مقتنعين بأن جماعة سنية متشددة تشكل تهديدا لشرعيتهم الإسلامية وفي هذه الحالة ستحتاج الرياض إلى جنود من أماكن أخرى للمحاربة نيابة عنها – وهذه القوات من المتصور ان تكون مصرية ولقد شهدت القمة العربية الأخيرة بالقاهرة بالفعل مناقشة تشكيل قوة عسكرية سنية مشتركة.
وبحسب فيلدمان فإنه من المتوقع أن تشارك مصر في القتال ضد الدولة الإسلامية فقط إذا كان لديها دافع خارجي قوي للقيام بذلك والمال في هذه الحالة لن يكون كافيا وقد يكون الدافع الحصول على تقدير الولايات المتحدة ودعمها وإلا فإن هذه المشاركة لن تحدث وخلافا لذلك، فلن يكون واضحا ما الذي سيجنيه السيسي من المخاطرة بالتعرض لانتقام الدولة الإسلامية من مصر.
أضاف أنه لكي نكون منصفين، يمكن أن تقول إدارة باراك أوباما أن التقرب للسيسي سيخلق الثقة المتبادلة ويشجع على التعاون في المستقبل ولكن لا تصدق هذا، فالسيسي يعرف جيدا أن إدارة أوباما كانت ستعمل مع اي حكومة ناجحة من الإخوان المسلمين وأن الأمريكيين مستاءون من انتهاكاته شديدة الوطأة لحقوق الإنسان.
وعلى حد وصف المحلل الامريكي فإن السيسي ليس الرجل الذى ينظر إلى الصداقات العاطفية أو الولاءات حيث جاء الى السلطة كقائد للجيش بعد أن تخلصت جماعة الإخوان المسلمين من سلفه وقد أظهر بالفعل أثناء صعوده أنه يحترم النفوذ وليس الولاء، وعلى الولايات المتحدة أن تكون بخيلة في تقديم الشرعية له على كل حال.
واختتم فيلدمان مقاله قائلا:”بعد فشل المثالية الليبرالية، ليس هناك خلاف على أن الولايات المتحدة ستواصل الآن سياسة واقعية في الشرق الأوسط وهذا النوع من الواقعية يتطلب حوافز ملموسة، وليس بناء العلاقات.