د. إبراهيم العسيرى: لا شروط سياسية.. ودورات للمهندسين والعاملين فى موسكو
سداد قيمة المحطة بعد الانتهاء من التشغيل مع فترة سماح تتجاوز 18 شهراً
شهدت الأسابيع الماضية، زيارة قام بها وفد روسى إلى موقع الضبعة النووى، رافقهم فيها مسئولون مصريون من هيئة المحطات النووية بوزارة الكهرباء، للتعرف على المكان والمساحة وموقع الأرض التى سيقام عليها المشروع.
وجاءت الزيارة تفعيلاً لاتفاقية التعاون مع روسيا لإنشاء محطتين نوويتين سلميتين لتوليد الكهرباء.
وتستكمل الحكومة حالياً، مفاوضات مالية وفنية مع شركة «روز أتوم» الروسية لإنشاء أول محطة طاقة نووية سلمية.
وكان من المتوقع أن يتم توقيع اتفاقية إسناد تنفيذ محطة الضبعة النووية خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى روسيا، الأسبوع الماضى.. ولكن الجوانب الفنية والمالية المتعلقة بالمشروع حالت دون ذلك.
وعلمت «البورصة» من مصدر حكومى رفيع المستوى، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى طالب بإنشاء المحطة النووية الأولى خلال 3 سنوات، رغم أن المتوسط العالمى لبناء المحطات النووية يبلغ 4 سنوات.
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم العسيرى مستشار وزير الكهرباء للطاقة النووية، إن مفاوضات مكثفة ستجرى مع الجانب الروسى خلال الأسابيع المقبلة، للاتفاق على النقاط المختلفة بشأن الجوانب الفنية والتكنولوجية والاقتصادية المستخدمة فى المحطة.
وأوضح أن العرض الروسى لإقامة المحطة النووية، يتميز عن باقى العروض من الدول الأخرى ومنها الصين، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، وأمريكا.. ويساعد على إنجاز مصالح مصر السياسة والاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أن أهم ما يميز العرض الروسى 6 نقاط، أولها عدم وجود أى شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة النووية، موضحًا أن روسيا لها تاريخ طويل فى دعم مصر فهى من أنشأت مفاعل أنشاص، وساهمت فى إنشاء السد العالى من خلال إنشاء مصانع فى مصر.
كما تعد روسيا الدولة الوحيدة التى تصنع مكونات المحطة النووية بنسبة 100%، ولا تعتمد على استيراد مكونات المحطة من أى دولة أخرى، وهذه هى الميزة الثانية.
ومن ضمن أسباب موافقة الحكومة على التعاون مع روسيا، إنشائها مركز معلومات للطاقة النووية، ونشر ثقافة التعامل معها، وفوائدها التى ستعود على مصر لحل أزمة الكهرباء، والعائد الاجتماعى والسياسى والاقتصادى لهذا المشروع.
كما تضمن العرض الروسى مجموعة امتيازات خاصة بالسداد، إذ تقوم مصر بسداد قيمة المحطة النووية بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، وذلك من الوفر الناتج من المحطة، مع فترة سماح تتجاوز 18 شهراً.
ويتضمن الاتفاق أيضا، عقد دورات تدريبية للمهندسين والعاملين فى روسيا للتدريب على استخدام التكنولوجيا النووية، ونقل الخبرات الروسية فى هذا المجال، بالتزامن مع إنشاء المدرسة الثانوية الفنية للطاقة النووية فى مصر.
وشمل العرض الروسى الذى قدمته شركة «روز أتوم»، ميزة سادسة هى توفير الجانب الروسى لنحو 90% من المكون الأجنبى، وتوفير مصر 10% من المكون المحلى للمحطة، بينما العروض الأخرى التى تلقتها وزارة الكهرباء تضمنت نسبة 80 و85% من المكون الأجنبى، و15 و20% من المكون المحلى.
وأوضح أن مصر لها الحق فى التعاون مع دول أخرى فى تنفيذ المراحل التالية من المحطة، كما يتناسب مع مصالح مصر السياسية والاجتماعية، لافتاً إلى أن الدراسات القديمة والحديثة التى أجريت بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكدت أن الضبعة هى الموقع الأمثل لإقامة محطات نووية.
وجاء اختيار الضبعة بعد دراسات أُجريت من قبل شركة فرنسية، أثبتت أن هذا الموقع هو الأنسب للمحطة النووية، لاعتبارات خاصة بالزلازل والأرصاد الجوية وحركة المياه الجوفية والتيارات البحرية والمد والجزر، بالإضافة إلى الدراسات السكانية، وتم حظر البناء حول الموقع لمسافة 2.5 كيلو متر، لتأمين السكان من الأخطار الإشعاعية.
وأكد العسيرى، أن المفاعل النووى ليست له أخطار، ولا يمكن أن تكون الطاقة الشمسية المصدر الوحيد للطاقة، فالمفاعل الذى سيقام يوفر أمانا ذاتيا، ونسبته من المخاطر تساوى صفر، كما أن العالم يوجد به نحو 500 مفاعل ذرى فى 29 دولة.. ومصر متأخرة فى هذا المجال.
وأوضح أن الأسباب الأخرى المحفزة للمشروع، تتمثل فى أن المحطات النووية انظف وسائل الحصول على الطاقة وأقلها تلويثاً للبيئة، وتتيح فرص الاستخدامات التكنولوجية العالمية، بعد زيادة الاستهلاك من عام 1981 بنحو 4900 ميجاوات، إلى 35 ألف ميجاوات فى العام الحالى.
والعرض الروسى سيساعد على تشغيل وتنشيط صناعات محلية مثل الكابلات، بعد الاتفاق على تطويرها لتكون من النوع غير القابل للاحتراق، وتنشيط صناعات المواسير والخزانات، والأثاث، والخراسانات.. وبالتالى نشاط وتطوير هذه الصناعات، وإدخال خطوط جديدة بالمصانع لخدمة برنامج المحطة، فضلاً عن استيعاب نحو 3 آلاف شخص من الفنيين والمهندسين.
ويبلغ العمر الافتراضى للمفاعل النووى نحو 60 عاماً، ويغطى تكلفته بعد 5 سنوات، بينما محطة الكهرباء العادية لا يتعدى عمرها الافتراضى 25 عاماً، وتستهلك وقوداً طوال فترة تشغيلها مما يعنى أنها لا تغطى تكاليفها.
وأوضح العسيرى، أن إنشاء 4 محطات طاقة نووية سيغطى نحو 25% من احتياجات مصر من الكهرباء فى مختلف المجالات، ويساعد على بيع الزائد.
ورغم ارتفاع تكاليف إقامتها نتيجة التأخير فى المشروع، إلا أن مصر يجب أن تدخل فى هذا المجال، لنقص الغاز والبترول، وعدم إمكانية الاعتماد فقط على طاقتى الشمس والرياح لتوليد الكهرباء.
وقال الدكتور سامر مخمير، أستاذ الطاقة رئيس قسم المفاعلات النووية السابق، إن روسيا هى أفضل دولة قادرة على منح مصر الخبرات وتدريب الكوادر المصرية فى جميع مراحل إنشاء المحطات النووية، موضحًا أن الدول الأخرى لن تدرب المصريين، وسيقتصر الأمر على إنجاز المفاعل فقط.
أضاف أن روسيا أفضل من الصين فى المجال النووى وأكثر تقدمًا، وقد تكون مساوية فى خبراتها للولايات المتحدة الأمريكية، موضحًا أن العلاقات الروسية مع مصر تمهد الطريق إلى فتح مزيد من الأسواق فى الوطن العربى وإفريقيا.
وتعتبر روسيا أول دولة فى العالم تنشئ محطات نووية، بتشغيلها مفاعل BR-1، وهو نموذج لأول مفاعل فى العالم نيترونى سريع «مفاعل مولد سريع»، وكان ذلك عام 1955.
كما تعد مصر من أوائل دول المنطقة التى بدأت التفكير فى برنامج نووى سلمى، إذ تم تأسيس هيئة الطاقة الذرية عام 1955، وبدأ التفكير فى إنشاء أول مفاعل نووى، لكن هذه الخطوة تعثرت بسبب نكسة 1967.
وبعد حرب أكتوبر، جرت محاولة لإنشاء مفاعل نووى فى منطقة سيدى كرير على ساحل البحر المتوسط.. إلا أنها لم تكتمل.
وفى عام 1983 تم طرح مناقصة عالمية لاختيار الشركة المنفذة للمشروع، واستمرت إجراءات المناقصة لأكثر من عام، إلى أن حدث انفجار مفاعل تشيرنوبل فى الاتحاد السوفيتى عام 1986، والذى خلف انطباعا سيئاً عن المفاعلات النووية والأضرار الإشعاعية التى قد تسببها، مما أدى إلى تجميد المشروع المصرى.
وأعلن الرئيس السابق حسنى مبارك، استئناف البرنامج النووى المصرى فى أرض الضبعة فى عام 2007.. لكن فى ذلك الوقت ثار جدل واسع حول ملاءمة هذه المنطقة للمشروع، وما إذا كان من الأفضل نقله إلى موقع آخر واستغلال الضبعة فى مشروعات سياحية، فضلا عن الآثار البيئية التى قد تضر بأهالى المنطقة.
وتعاقدت الحكومة مع شركة استرالية عام 2009 لمراجعة الدراسات الخاصة بالمشروع ومدى ملاءمة منطقة الضبعة للمفاعل النووى، وتم تقديم نتائج الدراسات التى أعدتها الشركة الأسترالية، بالتعاون مع هيئة المحطات النووية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتى أقرت بأن موقع الضبعة مناسب، وأنها لا تمانع فى إقامة محطة نووية هناك.
وبعد الاتفاق على انشاء محطة نووية فى منطقة الضبعة، اقتحم الأهالى المنطقة فى شهر يناير من عام 2012، ودمروا البنية الأساسية، وتمثلت فى محطة لتحلية مياه البحر وبعض الأبنية السكنية المخصصة لمهندسى هيئة المحطات النووية والأسوار المحيطة به.
وفى 2013 وخلال كلمته احتفالا بذكرى حرب أكتوبر، أعلن الرئيس السابق، عدلى منصور، عن تدشين مشروع إنشاء محطات نووية للاستخدامات السلمية للطاقـة فى الضبعة، وهو الخطاب الذى سبقه استلام الجيش لموقع الضبعة لإعادة تأهيله بعد اقتحامه من قبل أهالى المنطقة.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارا جمهوريا فى 10 نوفمبر عام 2014، بتخصيص 2300 فدان لصالح وزارة الدفاع لاستغلالها فى إقامة تجمع عمرانى سكنى لأهالى منطقة الضبعة، وللعاملين بالمحطة بالإضافة للخدمات اللازمة للمنطقة والمشروعات الأخرى تعويضا عن الأراضى التى تم تخصيصها للمشروع.
وفى يناير الماضى، تقدمت 6 شركات من الصين وفرنسا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية وروسيا، لتنفيذ المشروع، عبر مناقصة عالمية.
لكن مذكرة التفاهم التى تم توقيعها مع الجانب الروسى، تضمنت إسناد المشروع لشركة روزأتوم الروسية، ويشمل إقامة محطتين فى المرحلة الأولى، تصل تكلفتهما إلى 10 مليارات دولار، وبقدرة إنتاجية 1400 ميجاوات لكل محطة.







