تحول تركيا بشأن «داعش».. نجاح أمريكي
بقلم: جيريمى شابيرو
يبدو أن تركيا، شعاع الاستقرار فى الشرق الأوسط المضطرب، عرضة لفقدان هذه السمعة. فبعد 13 عاماً من حكم الحزب الواحد، تقترب الدولة من عقد انتخابات عامة للمرة الثانية فى أقل من 6 أشهر، فى الوقت الذى أثبتت فيه الفصائل السياسية المتناحرة فشلها فى تشكيل حكومة. وانفجرت الحرب ضد المسلحين الأكراد مجدداً بعد هدنة استمرت منذ عام 2013، وفى الوقت نفسه، تستعر الحرب المدنية فى سوريا، ما أضاف مليون لاجئ سورى موجودين بالفعل فى تركيا.
وعلاوة على ذلك، تزداد التوترات مع الخلافة الجهادية على الحدود الجنوبية، ونشرت الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، فيديو باللغة التركية تدعو فيه للانقلاب على الحكومة «الشيطانية».
ومع ذلك، هناك بعض الأنباء المريحة، فالإجراءات الصارمة التى اتخذتها واشنطن تجاه أنقرة دفعت الدولة، وإن كان بالإكراه، فى أحضان أمريكا. فلطالما حثت الولايات المتحدة تركيا على الانضمام لقتال داعش، والآن وافقت أنقرة، ما يعد نقطة تحول فى السياسة الخارجية.
وهناك شكوك واسعة بشأن تعاون تركيا، ويشير كثير من المعلقين إلى أنه منذ أن انضمت إلى ائتلاف محاربة داعش الشهر الماضي، فإن معظم هجماتها موجهة ضد حزب العمال الكردستانى وليس الجهاديين. وتنتشر التكهنات بأنه مع اقتراب إجراء الانتخابات، وفى ظل وقوف الحزب الكردى عقبةً رئيسيةً أمام حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم على أغلبية، فإن الرئيس، رجب طيب أردوجان، يركز على الصراع المتصاعد مع الأكراد، وهذا التفسير يشير إلى أن استعداد تركيا المتزايد لمحاربة «داعش» ليس أكثر من غطاء لكسب القبول الغربي.
ولكن حتى وإن كان هذا الأمر صحيحاً، فإنه يتجاهل تحولاً كبيراً قامت به أنقرة، إذ يقول المسئولون الأمريكيون، إنه إذا كانت «داعش» لتُهزم، فإن التعاون التركى ضرورى للسيطرة على الحدود مع سوريا وفتح القواعد الجوية للمهمات ضد الجهاديين.
وبعد شهور من التحفظ، أعطى أردوجان لواشنطن ما تريده. وقد فعل ذلك، رغم أن حكومة أوباما لم تضمن له ثمن تحقيق رغباتها، ألا وهو فرض حظر طيران على معظم المناطق فى سوريا لاستهداف نظام الأسد، العدو الأساسى لأردوجان.
أما الحديث الغامض بشأن «المنطقة العازلة الخالية من داعش» فى شمال سوريا، فلا يتعدى مجرد ستار تتخفى وراءه تركيا من إحراج عكس سياساتها.
وانهارت، تماماً، الرؤية المتعلقة باستقلال السياسة الخارجية التركية فى الشرق الأوسط، وهذا لا يرجع فقط إلى إدراك تركيا بعد قصف مدينة سروج الحدودية والذى قتل خلاله 32 مواطناً، بأن «داعش» تهديد مباشر، وإنما اضطر حزب العدالة والتنمية، الذى أضعفه الاقتصاد المتباطئ وفقدانه للأغلبية المطلقة، إلى إعادة تقييم فكرة أن تركيا يمكن أن تعمل بشكل فعال فى الشرق الأوسط دون الدعم الغربي.
وفى الوقت نفسه، أظهرت الولايات المتحدة، أن لها خيارات أخرى، أحدها هو زيادة التعاون مع المقاتلين من الأكراد السوريين الموالين لحزب العمل الكردستانى المحظور فى تركيا. ويبدو أن هذا التعاون سيتواصل رغم زيادة الأعمال العدائية بين تركيا والمقاتلين الأكراد داخل حدودها، خصوصاً أن المسئولين العسكريين الأمريكيين يرون أن الأكراد أكثر القوى فاعلية على الأرض فى محاربة داعش. وبالفعل.. فإن النجاحات التى حققها الأكراد السوريون ضد داعش، والتى ترجع جزئياً للقوة الجوية الأمريكية، أثارت شبح إقامة مقاطعة كردية جديدة بطول الحدود الجنوبية لتركيا، وهذه نتيجة يحاول أردوجان وصناع السياسة الأتراك الآخرون تجنبها قدر المستطاع، نظراً إلى مطالب الأكراد الأتراك بالاستقلال.
وسوف تضطر تركيا، قريباً، لتعديل عدم التوازن بين مجهوداتها المناهضة لحزب العمال الكردستاني، وتلك المكافحة لـ«داعش»، وإلا ستخاطر بأن يصبح التحالف الأمريكى الكردى أكثر قوة، فى حين ستتم تنحية أنقرة مجدداً.
وهذه العلاقة المثيرة للجدل ليست «الشراكة النموذجية» التى دعا إليها باراك أوباما عندما زار تركيا فى أول رحلة خارجية له كرئيس.
ولكنه تعاون ذو أهمية لم يتم تحقيقه من خلال خطب ود تركيا، ولكن من خلال توضيح أنه لا يوجد حليف يمكن الاستغناء عنه. ولذا، ربما تشكل العلاقة الحالية نموذجاً.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»