غياب الثقافة الاقتصادية يضر بالمناخ الاستثمارى
توفيق: الإعلام المصرى أضعف من أن يؤثر على الاستثمارات الخارجية
سعيد: قضايا حظر الأموال تشهد إدانة بلا إثبات
تفتقر وسائل الإعلام المحلية للثقافة التى تمكنها من تحليل وتناول الموضوعات الاقتصادية بعمق، رأى معظم خبراء الاقتصاد أن وسائل الإعلام لا تساعد فى جذب الاستثمارات ومساعدة الدولة فى تحقيق خطط التنمية إما من خلال تهويل الأزمات أو تجميل الواقع.
قال هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر وخبير الأوراق المالية، إن المعلقين على قضايا الاقتصاد والأمور المالية فى وسائل الإعلام غير متخصصين وغير ملمين بتشابك الموضوعات الاقتصادية مع أسواق المال فى الدول المختلفة، فضلا عن أنهم غير مطلعين على ما يحدث بدول العالم المختلفة.
وأشار إلى أن الإعلام أضعف من أن يؤثر على الاستثمارات الخارجية، وفى أغلب تناولتها تكون على المستثمر المحلي.
وطالب وسائل الإعلام بالعمل على تهدئة الموقف فى الأوقات الحرجة التى يعانيها الاقتصاد، وعدم محاولة التنبؤ بالمستقبل فى الشئون الاقتصادية.
قال محمد قاسم، عضو مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن القضايا والموضوعات الاقتصادية لا تبحث بشكل كاف فى الوسائل الإعلامية، وحين تطرح للنقاش والتحليل تتناول بشكل غير عميق ودون فهم لطبيعة الاقتصاد المتشابكة.
وأضاف أن كل القرارات الاقتصادية التى تأخذها الدولة تمس أحد جوانب الاقتصاد ولكنها فى النهاية تتشابك فى بعض الجوانب الأخرى، مثال على ذلك، القرارات المتعلقة بالسياسات النقدية فإنها تؤثر على عملية الإنتاج والاستيراد والتصدير، وأيضا القرارات المتعلقة بالضرائب وغيرها.
وأوضح أن الوسائل الإعلامية غير ملمة بتفاصيل وجوانب الموضوعات الاقتصادية، وأن التناول الإعلامى للقضايا والموضوعات تضر بالاستثمار، خاصة أن غالبية التغطية الإعلامية سلبية وتوجه الأنظار دائما نحو النماذج السيئة فى المجال الاقتصادي.
وقال الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة المصرى اليوم، رئيس مجلس إدارة الأهرام سابقا، إن الثقافة الاقتصادية مفقودة عند معظم العاملين بالإعلام، وتعاملهم مع قضايا المستثمرين دائما ما ينظر لها من ناحية اليسار بدون تقييم موضوعى للمشروعات المقامة خاصة المتعلقة بالاستثمار الأجنبي.
وقال إن طريقة وسائل الإعلام المصرية فى تناول الموضوعات الاقتصادية وقضايا المستثمرين تؤثر على المناخ بالسلب، على المستويين المحلى والأجنبي، موضحا أن المستثمرين المحليين دائما ينتابهم شعور بأنهم متهمين من وجهة نظر الإعلام.
وأضاف أن القطاع الخاص حين بدأ يتمدد ويحقق نجاحات فى السوق المصري، كان الإعلام ينظر للمستثمر الذى يحقق أرباحاً ونتائج اقتصادية جيدة، على أنه «حرامي»، وليس ناجحاً أو متجاوباً مع متطلبات السوق ويستطيع أن يحقق تكلفة منخفضة وبالتالى يحقق أرباحاً.
وبخصوص نشر قضايا المستثمرين، على سبيل المثال حظر أموال المهندس صفوان ثابت رئيس شركة جهينة للصناعات الغذائية، قال إن نشر تلك القضايا يحتاج لمعالجة أشمل لها علاقة باستخدام أدوات الحظر، خاصة أن تلك الإجراءات يمكنها أن تؤدى إلى خلل الاقتصاد القومى كله.
أضاف أن حظر الأموال أو المنع من التصرف لا يجب أن يعلن إلا بناء على حكم وتوجيه تهمة محددة من جهة قضائية.
قال إن الأسلوب المتبع حاليا فى قضايا حظر الأموال، يمثل عقاباً بالإجراءات أى توقيع العقاب بالفعل على الشخص أو المستثمر، بينما لم تثبت إدانته.
ووفقا للسعيد، لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فيجب أن تكون الإدانة طبقا لمخالفة مادة معينة فى القانون نظراً لأن نتائج تلك الممارسات لا تؤثر على الشخص أو المستثمر فقط وإنما على الاقتصاد القومي.
من جانبه، قال مصباح قطب، مستشار وزير المالية، إن تغطية الوسائل الإعلامية المصرية للجانب الاقتصادى لا تختلف كثيرا عن المجالات الأخرى، فلا يوجد أداء متميز لجانب عن آخر، إلا أن الكتابة الصحفية شهدت تطورا كبيرا فى الجانب الاقتصادي.
أوضح أن الصحافة المصرية بدأت تدرك منذ مطلع التسعينات أن هناك نوعاً جديداً من التغطية الاقتصادية مطلوب، وأصبحت هناك تغطية للبنوك والشركات وسوق المال، بدلا من الاقتصار على الاقتصاد ومؤشرات التضخم والبطالة وعجز الدين العام ومعدلات النمو والصادرات والواردات أو الأسواق وارتفاع الأسعار.
أشار إلى أنه مع تطور التغطيات الاقتصادية عكر صفو هذه الصورة عدم وجود آليات على المستوى العام للمنظمات الحاكمة لوسائل الإعلام أو المؤسسات فى داخلها لمراقبة الأداء ونزاهته، خاصة مع وجود عدد ليس بالقليل من الكتاب والإعلاميين الذين يتعمدون تشويه رجال الأعمال ورؤساء الشركات العامة والبنوك بقصد الابتزاز وجلب إعلانات.
وأضاف أنه فى ظل انتشار القنوات التليفزيونية الخاصة، المملوكة لرجال أعمال الذين يرتبطون بعلاقات متشابكة مع غيرهم من مسئولين بالدولة ومصالح مع مختلف الأجهزة، يواجه الإعلاميون مشكلة فى الحفاظ على استقلاليتهم فى مواجهة أصحاب رؤوس المال، ويكون أمام خيارين فى حالة وجود قضية لرجل أعمال إما التصدى لها بنزاهة وشفافية أو التغاضى عنها.
أضاف، أن وجود عدد من الرعاة المحدودين للبرامج يفرض قيود شديدة على حرية الصحفى أو الإعلامى فى تناول ممارسات الشركات الراعية، قد يشوبها قصور فى بعض الأوقات.
وقال قطب، إنه مازال هناك نقص شديد فى الإعلام التنموى الذى يتناول القضايا الاقتصادية التى تخص صغار ومتوسطى المستثمرين بشكل جاد، بالإضافة إلى البرامج التى تعالج قضايا ريادة الأعمال.
وقال قطب، إن الإعلام المصرى لا يفتح طريقاً إلى المستقبل ويكتفى بالالتفات حول الموضوعات الساخنة، متناسيا الموضوعات المتعلقة بالمستقبل وقضايا المدى البعيد التى تهم الشعوب، على سبيل المثال لم يتعرض أحد للخطة التى وضعتها وزارة التخطيط لعام 2030، ولم يتناولها أو يعالجها حتى يتفهم المواطنون أن التنمية تحتاج إلى وقت طويل وجهود جميع الأطراف، بالإضافة إلى أن قضايا الفساد والنزاهة لا تحظى بالقدر الكافى.
وأكد قطب، أن وسائل الإعلام لا تقوم بالدور الواجب تجاه الاستثمار، وليس مطلوب من الإعلام الترويج المباشر للاستثمار، إلا أنه يتطلب تقديم حقائق ومعلومات وكشف جوانب بدقة وأمانة تساعد المستثمر على اتخاذ القرار.
أكدت نجلاء ذكري، رئيس تحرير العالم اليوم، أن الطفرة الاقتصادية التى شهدتها مصر مطلع التسعينات لم يواكبه التطور فى الصحافة المتخصصة، وتقع المسئولية على عاتق المؤسسات الصحفية التى كان يجب عليها تنظيم دورات للمحررين لتطوير أدائهم المهنى، وأصبح الأمر اجتهادياً من الصحفى وتطوير أدواته ذاتيا.
أضافت أن الصحافة الاقتصادية شهدت نوعاً من النضج والتنوع والتخصص فى مجالاتها، ولكن بقيت بعض الأمور تنقص الصحفى نتيجة السرعة أو الشعور بسهولة استخدام الإنترنت، وأصبح الخبر الواحد الذى يحتوى على معلومة خاطئة يتناقله باقى الصحفيين فيصبح الخطأ شائعاً.
وقالت إن الصحافة أدت دوراً مهماً فى تحقيق الإصلاح الاقتصادي، وساهمت بشكل كبير فى التطور الذى شهده المجتمع وكذلك إظهار نجومية العديد من المهن ليس على مستوى رجال الأعمال فقط، وإنما فى البنوك والبورصة والمحللين والسماسرة، فأصبح عليهم لزاما مراعاة تطوير الصحفي.
وعلى مستوى القنوات التليفزيونية، قالت إن برامج «التوك شو» مازالت تعانى السطحية فى مختلف الجوانب خصوصا تناولها للموضوعات الاقتصادية، وتحتاج إلى معدين متخصصين، عكس الصحافة المكتوبة التى تتمتع بنوع من العمق فى التناول والقدرة على التحليل.
أضافت أن الفضائيات تسرف فى إطلاق لفظ الخبير الاقتصادى على بعض الأشخاص الذين لا يمتلكون خبرة كافية، موضحةأن استضافة غير المتخصصين ممن ليس لديهم الوعى الكافى بالجوانب الاقتصادية، يمثل خطورة كبيرة على المجتمع، نظرا لأن الصحف يقرؤها من له رغبة فى ذلك ومن لديه دراية وعلم بالموضوعات، بخلاف البرامج الفضائية التى تدخل إلى المشاهد فى بيته، بمختلف الفئات والمستويات الثقافية، وهناك فئة كبيرة منهم تتلقى المعلومات وتفترض صحتها من المتحدث.
وقالت ذكري، إن البعض ممن يوصفون بالخبراء، يعملون على تهويل أبسط الأمور، وهو أخطر ما قد يواجهه الاقتصاد، وعلى سبيل المثال حين تخسر البورصة يستخدم لفظ «انهيار البورصة» فى حين أن نسبة الانخفاض قد تكون بسيطة لا تعبر عن الوضع الحالى ولا تستدعى التهويل.
وطالبت الحكومة بدعم المؤسسات الخاصة، حال تعثر الملاك، وتتدخل لحماية الصحفيين والإعلاميين عبر تأجيل الضرائب وجدولتها على أقساط طويلة المدى، بما يساعدها على الاستمرار، وعلى الدولة أن تدرك أن دور الإعلام مع الدولة وليس ضدها، وأن تنظر للإعلام نظرة جديدة لأنه ذراع تحقيق طموحاتها وليس العكس، سواء الإعلام الخاص أو القومي، والدولة حينما تدعم الإعلام تحمى مصالحها فى الداخل والخارج.
وأكدت ذكري، الحاجة إلى قانون تسهيل تداول المعلومات فى الوقت الحالي، خصوصا أن الصحفيين يجاهدون للحصول على المعلومة الصحيحة، نظرا لعدم سهولة تدفق المعلومات من الهيئات والوزارات، وعلى الهيئات أن تدرك أن وصول المعلومة الصحيحة للصحفى يمثل دعما للوزارة أو الجهة، وإخفاء المعلومات من شأنه استمرار حالة تداول الأخبار الخاطئة غير الدقيقة.
وقالت إن الصحفيين يطاردون فى بعض الأماكن ويضطروا للتخفى للحصول على المعلومة، مطالبة بإيجاد نوع من الرعاية الحكومية للصحفيين، وتخصيص أماكن فى الجهات الرسمية، وعقد مؤتمرات صحفية بشكل يومى للوقوف على آخر الأخبار من خلال المتحدثين الرسميين.
وقالت د.أمنية حلمي، مدير البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن تناول وسائل الإعلام لقضايا المستثمرين يضر أكثر ما يفيد لأن أغلب المتابعين ليسوا على دراية ومتابعة للتفاصيل الاقتصادية.
وأضافت أن تناول تلك النوعية من الموضوعات يحتاج لمزيد من الحيادية وعرض لوجهات النظر المختلفة، ومناقشتها من قبل المتخصصين، إذ إنها تؤثر على السوق بشكل كبير.
وأوضحت حلمي، أن الموضوعات المتعلقة بالقوانين والقرارات نادرا ما تتوفر عنها تفاصيل ومذكرة توضيحية، يستطيع من خلالها الإعلامى طرح القانون أو القرار بصورة واضحة.
ورغم وجود كثير من الجوانب التى تحتاج إلى الإصلاح إلا أن التركيز على السلبيات يؤثر على الاقتصاد.








