بقلم/ إيه جارى شيلينج
إذا انحدرت أسعار البترول بقدر كبير مرة أخرى، كما اعتقد أنها ستفعل.. فمن سيكسب ومن سيخسر؟ وهل ستزرع أسعار البترول المنهارة بذور الركود القادم؟
بالطبع الدول المستوردة للبترول هى الرابح الواضح من تراجع أسعار الخام، ومنها الولايات المتحدة، لأنه رغم ارتفاع الإنتاج المحلي، لاتزال الواردات تشكل 50% من استهلاك البترول.
كما ستستفيد بالتأكيد الدول المستوردة الصافية للبترول من غرب أوروبا وآسيا، وأيضا مصر والهند التى تدعم الاستهلاك المحلى للطاقة.
ومع ذلك، سيتضاءل حجم المكاسب نظرا لأن الخام مسعر بالدولار، وأصبحت عملات هذه الدول أكثر ضعفا أمام العملة الأمريكية.
والمنافع للمستهلك الأمريكى كبيرة، إذ انخفض متوسط سعر الجازولين بنسبة 24% إلى 2.47 دولار للجالون من 3.77 دولار فى يونيو 2014. ولا شك فى أن الأسعار ستواصل هبوطها عندما ينتهى موسم القيادة فى الصيف.
ويعتقد كثير من المتنبئين أن المستهلكين سينفقون هذه الأموال الموفرة.. وبالتالى يعززون النمو الاقتصادى، لكن معظم المدخرات من أسعار الوقود حتى الآن تم استخدامها فى زيادة أصول الأسر أو تقليل الديون، وعادة يميل المستهلكون إلى زيادة مدخراتهم فى الأوقات الصعبة، وقد كانوا يفعلون ذلك خلال سنوات التعافى الست، حتى مع ثبات الأجور الحقيقية ومتوسط دخول الأسر.
وقد تتسبب أسعار البترول المتراجعة فى هبوط النمو، نتيجة حذو الانكماش حذو أسعار الطاقة، وبالفعل فإن 10 من أصل أكبر 34 دولة فى العالم شهدت تراجعا فى أسعار المستهلك عاما بعد آخر.
وتكمن الخطورة، فى أن التوقعات الانكماشة قد تشجع المستهلكين على التوقف عن الشراء أملا فى تراجع الأسعار أكثر.
وإذا حدث ذلك، فسينتج عنه فائض فى الإنتاج، وستمتلئ المخازن، مما سيجبر الأسعار على التراجع أكثر وأكثر.
وعندما تتأكد شكوك المشترين، سيلجأون للاستهلاك أكثر، مما سيؤدى إلى دائرة مفرغة من الهبوط.. والعاقبة ستكون نموا اقتصاديا ضئيلا – إن وجد – مثلما حدث فى اليابان على مدار الـ20 عاما السابقة.
أما الخاسرون من تراجع أسعار البترول، فبالطبع من بينهم المنتجون وشركات الخدمات فى القطاع، خصوصا عالية المديونية، وتسبب هذا الهبوط فى صفعة لشركات البترول الصخرى فى الولايات المتحدة.
ومع ذلك، ترفض الشركات بعناد التخلى عن أعمالها، ويرجع ذلك إلى أن تكاليف الحفر تهبط هى الأخرى، والسبب الآخر هو أن أسعار البترول لاتزال فوق التكلفة الهامشية للتكسير الهيدروليكى، مما يشجع على زيادة الإنتاج لتعويض الإيرادات المتراجعة.
كما سيؤدى مزيد من التراجع فى الأسعار، إلى زيادة الضغوط على المصدرين الأفارقة، فى غانا، وأنجولا، ونيجيريا، إذ تمول صادرات البترول 70% من ميزانية نيجيريا، وبالمثل ستعانى فنزويلا، التى انخفضت عملتها من 103 بوليفار لكل دولار فى نوفمبر الماضى إلى 701 بوليفار لكل دولار فى السوق السوداء، بينما لايزال السعر الرسمى عند الرقم الخيالى 6.29 بوليفار لكل دولار.
كما تعتمد روسيا بشدة على صادرات البترول لتمويل الواردات والإنفاق الحكومي، وفى ظل ضغط العقوبات الغربية بشأن أوكرانيا على الاقتصاد، وعدم قدرة البنوك الروسية على الاقتراض من الخارج لخدمة ديونها الأجنبية، فإن انخفاضاً آخر فى أسعار البترول قد يعيد الدولة إلى تعثر عام 1998.
وتراجعت العملة إلى 66 روبل لكل دولار من 49 روبل لكل دولار فى مايو، بينما وصل معدل التضخم إلى 16% على أساس سنوي، وانكمش الاقتصاد فى الربع الثانى مقارنة بالعام الماضي.
وفى ظل عدم وجود أى مصدر كبير آخر للصرف الأجنبي، لاشك أن روسيا ستواصل الإنتاج والتصدير، حتى وإن تراجع السعر دون التكلفة.. ومن يعلم ما سيفعله الرئيس فلاديمير بوتين حينها لتحويل الانتباه المحلى عن هذا الوضع المأساوي.
وتراجعت أسهم شركات الطاقة بقدر كبير بسبب ضعف البترول، إذ فقدت «شل» 35% من قيمتها على مدار العام الماضي، وأتوقع المزيد من المعاقبة للمضاربين والمستثمرين الذين يحملون البترول والأوراق المالية المرتبطة به، إذا انخفضت الأسعار للمستوى الذى اتوقعه عند 10 إلى 20 دولاراً للبرميل.
وتضررت أسهم الأسواق الخليجية، وستواصل الانخفاض على الأرجح مع مزيد من الضعف فى أسعار البترول، خصوصا مع هيمنة مستثمرى التجزئة عليهم، الذين استغلوا الإقراض الرخيص لمراكمة أكوام من الديون.
وكان أداء البورصة السعودية هو الأفضل العام الحالي، وهو ما يرجع جزئيا إلى التوقعات بفتحها أمام المستثمرين الأجانب فى يونيو.
ومع ذلك، فقد تراجعت بنسبة 10% منذ بداية العام، ويوفر البترول 90% من إيرادات الحكومة، و40% من ناتجها المحلى الإجمالي.
وكان الاحتياطى الفيدرالى قد أجل رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل حتى تعود بيانات العمالة والتضخم إلى مستوياتها السابقة، ولكن يبدو الآن للكثيرين أنه سوف يأخذ خطوة بهذا الاتجاه قبل نهاية 2015.
ومع ذلك، أعتقد ان الفيدرالى سيصبر على رفع الفائدة حتى العام المقبل، ولكن إذا لم يأخذ هذه الخطوة العام الحالي، وانهارت أسعار السلع، وتباطأ النمو الصينى أكثر، وتفشى الركود، فسيتمنى لو فعل.
وهذه القوى الثلاث مجتمعة قد تكون الصدمة التى تسبق الركود العالمى المقبل.
إعداد- رحمة عبدالعزيز
المصدر- وكالة أنباء «بلومبيرج»








