المنطقة تعيش على “جراكن” المياه.. وتغرق فى الصرف الصحى والظلام الدامس
2000 جنيه إتاوة شهرية للبدو بسبب الانفلات الأمنى
لا تزال وعود الحكومة بالانتهاء من المناطق الصناعية وجاهزيتها للعمل، حلماً ينتظره جميع الراغبين فى الاستثمار بهذه المناطق، خاصة منطقة “الألف مصنع” بالقاهرة الجديدة، والتى وعدت الحكومة أكثر من مرة بسرعة تسليمها، ورغم ذلك ما زالت تعانى نقصاً فى الخدمات والمرافق وعدم استكمال البنية التحتية.
رصدت “البورصة” خلال جولة ميدانية بالمنطقة الصناعية بالقاهرة الجديدة التى تضم مشروع “الألف مصنع” للصناعات الصغيرة، والجزء الأكبر بالمدينة الخاص بالمشروعات الكبيرة والمتوسطة، حقيقة الوضع على الأرض من تدنى مستوى البنية التحتيه، وغياب الأمن، وضعف الخدمات. تعانى مصانع المنطقة من توقف عمل محطات الصرف الصحى منذ فترة طويلة، وأصبحت تهدد المصانع بخطر الغرق، فى ظل تعرض الكابلات الكهربائية للمياه، ما قد يتسبب فى انقطاع التيار الكهربائى وتعطيل الإنتاج.
ومن المفترض أن شركة المقاولون العرب هى المكلفة الآن بإعادة تشغيل تلك المحطات، وطالبت الحكومة بضخ نحو 500 مليون جنيه لتنفيذ الأعمال، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
كذلك تأخرت الجهات المعنية فى توصيل الغاز إلى مصانع المنطقة، رغم وجود صناعات تستخدم أفراناً تصل إلى 5000 درجة مئوية، وتسبب تدهور الأوضاع الأمنية والخدمية فى تعثر 90% من المصانع القائمة، وتوقف 10%، وتسريح نسبة كبيرة من العمالة.
وتعانى المنطقة أيضاً من تدهور البنية الأساسية، خاصة بالطرق المؤدية إلى المصانع، وكذلك سوء الأوضاع الأمنية، وهو ما استغله البدو لفرض إتاوات تصل إلى 2000 جنيه شهرياً، مقابل حماية الأراضى والمنشآت، وهو ما يشكل عبئاً مادياً على أصحاب المصانع خاصة فى حالة الركود الذى يعانيها السوق حالياً.
ورصدت “البورصة” أيضاً انقطاع الكهرباء بصفة مستمرة لفترات طويلة، وعدم وجود أعمدة إنارة على الطرق، بالإضافة إلى ندرة وسائل النقل التى تربط بين المناطق المجاورة والمنطقة، فإن لم تمتلك سيارة، فالمعاناة فى انتظارك.
وخلال الجولة رصدت “البورصة” حالة المبانى والمنشآت، وواجهات المصانع، التى لا تكاد تراها حيث تغطيها الأتربة، رغم بنائها حديثاً، بسبب حالة الطرق المتردية، والتى باتت أشبه بـ”مدق” جبلى فى صحراء جرداء.
وتتسع المنطقة لحوالى 1600 مصنع، منها مشروعات للصناعات الصغيرة لا تتعدى مساحة الواحد 300 متر، ويبلغ عدد المصانع العاملة حوالى 157 فى منطقة الألف مصنع، بينما يبلغ عدد المنشآت التى تنتظر توصيل الكهرباء لبدء التشغيل حوالى 435، وباقى المشروع ما زال فى مرحلة التشطيبات النهائية.
ويعمل فى المنطقة حوالى 150 مصنعاً من إجمالى 600 متخصصة فى الصناعات المتوسطة، بمساحات تتراوح بين ألف و10 آلاف متر مربع، ما يعنى توقف 450 مصنعاً بالمنطقة.
ويبلغ إجمالى حجم استثمارات المدينة نحو 20 مليار جنيه، ولا تتعد أعمال المرافق فى منطقة الصناعات الكبيرة والمتوسطة %30، بينما لم تستكمل منطقة صناعات الورش الصغيرة، بحسب مستثمرى المنطقة.
“البورصة” التفت العديد من مستثمرى المنطقة، واستطلعت أبرز المشاكل والتحديات التى تعيق عملهم، وقال محمد موسى صاحب مصنع تندات شمسية فى مدينة الألف مصنع على مساحة 300 متر، إن المنطقة ما زالت تعانى نقص الخدمات، وخاصة الماء الذى تنقطع بصفة مستمرة، حيث ننتظر لحظة وصول الماء لملء براميل وجراكن، إضافة إلى الحالة المتردية لمختلف الطرق فى المدينة.
وقال إن نسبة التشغيل بالمدينه لا تتخطى الـ%5، على عكس ما تصرح به الحكومة، وإن غياب الأمن جعل أصحاب المصانع يدفعون إتاوة شهرية للبدو حتى لا تتعرض مصانعهم للنهب والسرقة.
وقال أحمد عبداللطيف، مستأجر لأحد المصانع، إن سعر إيجار المصنع لا يقل عن 10 آلاف جنيه، وهذا رقم مكلف جداً، فالدولة لم تراع حق الشباب فى المدينة، ولم توفر لهم أى استثناءات تحفيزية لتشجيعهم على بدء مشروعات صغيرة ومتوسطة.
وأكد أن المصنع الواحد يدفع إتاوة شهرية للبدو 2000 جنيه، ولا توجد طريقة للتهرب أو التأخر في الدفع، ويأتي البدو كل يوم للمطالبة، وكأنه راتب شهرى وحق مكتسب لهم.
وأشار إلى غياب الأمن، وأفراد الشرطة عن المنطقة، رغم إنشاء نقطة أمنية عند مدخل المدينة لكن ما زال انتشارهم داخلها ضعيفاً، وما زالت السيطرة للبدو.
وقال عدد من العمال بمنطقة “الألف مصنع”، إن شبكة المواصلات من وإلى المدينة تكاد تكون منعدمة، ولا يوجد سوى أتوبيس أو اثنين على أقصى تقدير، ومواعيدهما غير منتظمة، ما يدفع العمال إلى التأخير أو عدم الحضور، بل وصل الأمر إلى أن البعض انتقل إلى العمل بمناطق أخرى، خاصة مع ضعف الأجور.
وأكدوا لـ”البورصة” أن البدو يسيطرون بشكل كامل على المنطقة وسط غياب تام للشرطة، ويقوم صاحب كل مصنع بدفع مبلغ يصل 2000 جنيه لهم مقابل حماية المصانع من السرقة، مشيرين إلى المقولة الشهيرة للبدو “مش هتدفع هتتسرق وتتثبت من الآخر”.
وأوضح محمد سيد، أحد مستثمرى المنطقة فى الجزء الخاص بالمشروعات الكبيرة والمتوسطة، أنه يمتلك ثلاث قطع فى المنطقة الصناعية تبلغ مساحة الأولى 5 آلاف متر مخصصة لإقامة مصنع أدوية، والثانية 2000 متر لمصنع أخشاب، والثالثة 1000 متر لتشكيل المعادن.
وأضاف أن صعوبة الحصول على تراخيص الأرض، والبناء، والتشغيل، من أهم المعقوقات التى تحول دون ضخ استثمارات جديدة للمنطقة، وتأخر الكثير من المصانع عن بدء العمل.
وأشار إلى أن إقامة محطة الصرف الصحى بأعلى نقطة فى المدينة أدى إلى غرق، القطعة الأولى المخصصة لمصنع الأدوية بمياه الصرف الصحي، بعد القيام بأعمال صب الأرضية بالخراسانات المسلحة، بتكلفة بلغت 1.5 مليون جنيه، إضافة إلى غرق العديد من المصانع المجاورة.
ولفت إلى سحب مياه الصرف الصحى من معظم المدينة عن طريق طلمبات وماكينات شفط، لانخفاضها عن محطة الصرف، وعند انقطاع الكهرباء بالمحطة تعود المياه إلى المصانع فى المنطقة، وتوقفت عملية إنشاء مصنع الأدوية نتيجة تلف الأساسات الخراسانية.
وذكر أن العديد من المستثمرين بالمنطقة تقدموا بشكاوى لجهاز المدينة، وهيئة التنمية الصناعية ووزارة الإسكان، عندما غرقت معظم المصانع بالمدينة، وكان رد فعل الجهاز إقامة ساتر ترابى لحجز المياه عن الدخول لبقية المصانع، دون النظر إلى احتمالية حدوث ماس كهربائى من الممكن ان يؤدى الى حريق هائل.
وقال إنه نتيجة عدم استكمال الأعمال الإنشائية بالمصنع، انسحب الشريك الإيطالى برأسماله الذى بلغ 50 مليون جنيه، وبعدها السعودى بنفس قيمة رأس المال.
وأوضح أن سبب اختياره للمنطقة الصناعية بالقاهرة الجديدة، قربها لميناء العين السخنة ووجود شبكة طرق تربطها بكل أنحاء الجمهورية، تساعد على حركة التصدير، لكن لم أكن أعلم أن الوضع سيكون سيئاً للغاية.
وقال حمدى عبدالحميد، صاحب مصنع لمبات كهربائية “ليد” الموفرة للطاقة، إن رأسمال المصنع 5 ملايين جنيه، وحصلت على جميع التراخيص اللازمة للعمل منذ عامين، لكن لم يتم إدخال الكهرباء إلى المصنع حتى الآن، رغم جاهزيته للتشغيل.
وأشار إلى ضعف وتدهور شبكة الطرق بالمدينة، وتأثيرها على نقل البضائع والعمالة، وانقطاع الكهرباء بشكل مستمر، وعدم وجود أعمدة إنارة على الطرق.
وأوضح أن إلقاء بقايا عمليات الحفر، والصخور على الطرق، وأمام بوابات المصانع، لعدم توافر أماكن مخصصة لذلك، أثر على حالة بعض الطرق ما جعلها أشبه بـ”مدق” جبلى.
وقال إن هناك بعض أعمال البنية التحتية بالمدينة لم تستكمل حتى الآن، مثل إزالة التكتلات الصخرية الضخمة وإنشاء محولات كهربائية مكانها، لتغذية المصانع بالكهرباء، مطالباً بوجود رقابة من جهاز المدينة وفرض غرامات على عربات خلاطات الخراسانة الجاهزة، التى تفرغ بقاياها على الطرق، ما أدى إلى زياده تدهورها.
وأشار عبدالحميد، إلى غياب الدور الرقابى لجميع الأجهزة، حتى على أعمال الإنشاءات الأولية، ومواصفات البناء والتأكد من صلاحية الأساسات والإنشاءات، وغياب الرقابة على التلفيات التى تحدث نتيجة عمليات الإنشاء مثل قطع كابلات الكهرباء المغذية للمصانع.
وأكد على غياب العنصر الأمني، وسيطرة البدو على المكان، مطالباً بإقامة سور حول المدينة، وإقامة بوابات أمنية للتأكد من هوية أى شخص يدخل المدينة، حتى يشعر المستثمر بتوفر عنصر الأمن.
وطالب عبدالحميد بتفعيل منظومة الشباك الواحد، لتسهيل الحصول على التراخيص والإجراءات عند الإنشاء أو التشغيل، مشيراً إلى أنه عند شرائه للأرض، انتظر 6 أشهر كاملة للحصول على التنازل من البائع صاحب الأرض المقام عليها المصنع.
وذكر أن هناك ما يسمى بنظام “المهلة” حيث يسدد صاحب المصنع رسوماً لهيئة التنمية الصناعية تتحدد بناء على سعر المتر فى المنطقة، مقابل إعطاء الهيئة لصاحب المصنع مُهلة زمنية معينة، للتعامل معها فى إنهاء التراخيص، ويحظر التعامل مع المصنع، فى حالة عدم دفع الرسوم. وأشار إلى سداد، 5 آلاف لمُهلة 6 أشهر للهيئة، رغم حصوله على التراخيص، وفى نفس الوقت لم يتم تشغيل المصنع منذ أكثر من عامين.
وعن رأيه فيما تم التوصل إليه فى اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضى من ضرورة الانتهاء من تسليم المدينة العام المقبل، توقع عدم حدوث ذلك، قائلاً “سمعنا الكلام ده كتير، وأكثر من مرة الحكومة توعدنا بتسهيلات، وفى النهاية لم نحصل عليها”. وهو ما أكده محمد سيد قائلاً: “لن يتم الانتهاء من تسليم المدينة قبل 5 سنوات على الأقل وذلك من الواقع الذى تعيشه المدينة، وكثرة الوعود، التى لا تؤتى ثمارها قط”.