“حفنة من المباني الجديدة اللامعة، إحداها برج من الرخام والزجاج به محل يبيع العسل الروسي ، وبجواره محل أحذية حريمي صيني، وسط أرض جرداء”.. هذا المنظر غير المألوف، يمكن أن تراه في ” خورجوس” على الخط الفاصل بين الصين وكازاخستان، حيث تأمل الصين تحويل تلك النقطة الحدودية، التي كانت يوما ما حافة الامبراطورية الروسية، إلى بوابة جديدة نحو الغرب.
و منطقة “خورجوس” أصبحت أحد المشروعات المصممة لإدراك حلم الصين بإنشاء طريق الحرير الجديد. ومع وعود باستثمارات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، يمكن أن تعيد الاستراتيجية الصينية، إذا تحققت، تشكيل الاقتصادات السوفيتية السابقة في وسط آسيا، التي تضررت بشدة جراء انخفاض أسعار السلع والركود في روسيا. ولكن الاعتماد المتزايد على الصين في الوقت الذي يزداد فيه الغموض حول قوة اقتصادها، لا يعد شائعا في دول وسط آسيا.
وإطلاق حملة الدمج الاقليمي وضع بكين على مسار تصادمي مع موسكو، التي تضغط على هذه الدول للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. كما أن هذا الأمر يزيد المخاطر بالنسبة لبكين. فمع استثمار الصين على نحو أكبر في تلك المنطقة الهشة التي تقع على الحدود مع أفغانستان، ستجد صعوبة في مقاومة انخراطها في الشؤون العسكرية والسياسية.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” في تقرير لها، أنه مع توسع نفوذ الصين في أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق، قد يصبح وسط آسيا محور “اللعبة الكبرى” الجديدة بين بكين وموسكو، وربما إيران وتركيا والدول الغربية.
ولكن مع تلاشي الاهتمام الغربي بالمنطقة مع الانسحاب العسكري من أفغانستان، وركود الاقتصاد الروسي الذي حد من قدرتها على الاستثمار، فربما تتحول “اللعبة الكبرى” في المنطقة وتكون من جانب واحد، إذ أصبحت الصين على مدار العقدين الماضيين القوة الاقتصادية البارزة في المنطقة. وترحب الآن العديد من الحكومات في وسط آسيا بالاستثمارات الصينية المحتملة، بوصفها فرصتها الأخيرة لدرء التباطؤ الاقتصادي الذي قد يهدد استقرارها السياسي.
وارتفعت قيمة التجارة بين الصين والدول الخمس في وسط آسيا (كازخستان وكريجيزستان وطاجكستان وتوركمانستان وأوزبكستان) من 1.8 مليار دولار في 2000 إلى 50 مليار دولار في 2013، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، قبل أن تنخفض انخفاضا طفيفا وسط تراجع أسعار السلع.
وهذا يعني أن الصين تجاوزت روسيا في السنوات الأخيرة لتصبح الشريك التجاري الأكبر الوحيد في المنطقة. ويقول أجريس بريمانيس، خبير اقتصاد وسط آسيا في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية:” إذا نظرت إلى الاحتياجات الاستثمارية في المنطقة، إذن، تعد المشاركة الصينية هامة جدا والتي تزداد نشاطا في جميع القطاعات ولا يمكن رؤية رؤوس الأموال الغربية أو العاصمة الروسية تحل محلها”. وفي كازاخستان، تمتلك الشركات الصينية ما بين 20 -25% من إنتاج البلاد من البترول.
وفي تركمانستان، التي تمتلك رابع أكبر احتياطيات للغاز في العالم، تحل الصين محل شركة “جازبروم” الروسية كالمشتري الرئيسي للغاز التركماني، إذ شكلت الصين نحو 61% من صادرات البلاد من الغاز العام الماضي.
ويعود الفضل في هذا التحول على نحو كبير إلى خط أنابيب الغاز بين الصين ووسط آسيا، الذي افتُتح عام 2009، ومنح اقتصادات المنطقة الغنية بالطاقة مسارا رئيسيا للصادرات لا تسيطر عليه موسكو. وأصبحت الصين أيضا قوة اقتصادية في الدول الأكثر فقرا في المنطقة، واستثمرت الشركات الصينية في مصافي البترول ومصانع الأسمنت في كيرجيستان وطاجيكستان، وفي الطرق والأنفاق عبر المنطقة.
وأعلن نائب وزير المالية في طاجيكستان لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن بكين ستستثمر 6 مليارات دولار في البلاد خلال السنوات الثلاث المقبلة، أي ما يعادل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي السنوي في طاجيكستان. وتعني هذه الهيمنة الاقتصادية أن غالبا ما تبدو الصين، وليس روسيا، هي الراعي الأهم لحكومات وسط آسيا.








