د.محمد عمران رئيس مجلس إدارة البورصة المصرية في حواره لـ«البورصة»
الشركات المقيدة تتنافس للتواجد ضمن مؤشر البورصة للاستدامة “ESG”
الأصول المستثمرة فى الشركات المطبقة للاستدامة ارتفعت إلى 21 تريليون دولار عالمياً
تسابق بين الدول النامية لتطبيق مبادئ الاستدامة لزيادة فرص جذب الاستثمارات
حماية البيئة والحفاظ على موارد المجتمع ليس دور الحكومة وحدها ويجب مشاركة القطاع الخاص
الاستدامة توجه عالمى يعنى أن يكون هناك توافق بين نشاط الشركة الربحى وأهداف التنمية فى المجتمع، ونشر ثقافة وحدة المجتمع وضرورة حق الأجيال القادمة فى الموارد الطبيعية.
بدأت مصر رحلتها في الاستدامة عام 2004 بإنشاء الشبكة المصرية للاتفاق العالمى للأمم المتحدة “Global Network” لمساعدة الشركات فى التوافق مع مبادئ الأمم المتحدة والخاصة بمكافحة الفساد وحقوق الإنسان والعمالة والبيئة.
قال محمد عمران رئيس البورصة المصرية فى حوار لـ«البورصة»، لم يعد تطبيق معايير الاستدامة من قبيل الرفاهية أو التنظير، كما يتصور البعض، فقضية التنمية هى مسألة مصيرية داخل المجتمع المصرى، ولا يمكن ان نُحملها للحكومة وحدها، ولابد من مشاركة فاعلة من جميع أطراف المجتمع وفى مقدمتها القطاع الخاص.
أضاف أن الاستدامة لا تعنى الأعمال الخيرية أو التبرعات، فهى أعم وأشمل، حيث تتضمن سبيل حماية البيئة والحفاظ على موارد المجتمع وهو ما يمكن أن يكون للقطاع الخاص دور بارز فيه من خلال تعديل نماذج العمل الداخلية لتتوافق مع هذه الأهداف دون أن تؤثر على الربحية.
أيضاً تركز الاستدامة على أهمية الحوكمة والإفصاح والشفافية وحماية حقوق المساهمين وهو ما ينعكس فى النهاية على أداء الشركة المالى والإدارى ويساعد على المدى الطويل على حماية الشركات من الأزمات والانهيار.
أضاف: «نحن فى هذه المنطقة نحاول أن نلعب دور “الموجه” للشركات المقيدة وغير المقيدة لتوعيتها بأهمية الانخراط فى تطبيق معايير الاستدامة لتحقيق فائدة للشركة والمجتمع ككل».
يبلغ عدد الشركات المصرية الملتزمة بتقديم تقارير الاستدامة حسب بيانات الأمم المتحدة 108 شركات، وانضمت 19 شركة خلال عام 2015 فقط.
أوضح عمران، أن انتشار معايير الحوكمة والتى تعد جزءاً لا يتجزأ عن معايير الاستدامة سيأخذ بعض الوقت، لكن فى نهاية الأمر ستلتزم جميع الشركات المقيدة بتطبيقات الحوكمة، والتى أقرتها قواعد القيد فى البورصة، إلا أن عمليات التوعية بفائدة تطبيق تلك المعايير أهم من فرضها مرة واحدة دون وجود وعى بفائدتها، وهو ما جعل مرحلة الانتقال إلى «الفرض» سلساً.
ويرى رئيس البورصة المصرية، أنه ربما يحتاج الأمر لفترة تمهيد وتوعية أكثر للشركات على بقية جوانب الاستدامة، مبيناً ان السوق المحلى يتوافر به عدد من الشركات القيادية التى تعى أهمية تطبيق الاستدامة، وكنه مازال يحتاج الكثير من الجهد والعمل للوصول بالشركات إلى إدراك أهمية تطبيق الاستدامة وانعكاس ذلك على الشركة والمساهمين والمجتمع ككل.
كانت البورصة المصرية قد أطلقت أول مؤشر فى المنطقة للشركات ذات الاستدامة منذ 2009 ليتم إطلاق المؤشر فى مارس 2010، وذلك بالتعاون مع مؤسسة ستاندرز آند بورز.
أضاف: «لكل شئ فى الحياة تكلفة، لكن فى نهاية الأمر تنظر إلى الأمر من جانب التكلفة والعائد، فالدراسات تشير إلى أن تطبيق معايير الاستدامة يساعد على تحسين الأداء التنظيمى والمالى للشركات على المدى الطويل، وبالتالى يخلق قيمة مضافة لحاملى الأسهم ويساعد على جذب المزيد من الاستثمارات إلى الشركة».
أوضح عمران، أن حجم الأصول المستثمرة فى الأعمال ذات الاستدامة قفز إلى نحو 21.4 تريليون دولار بحلول عام 2015، ارتفاعاً من 13.6 تريليون دولار فى 2012 بزيادة 57% مع توقعات باستمرار هذا النمو خلال السنوات القادمة اعتماداً على المسوحات التى تمت لقطاع كبير من المستثمرين والذين أبدوا إيمانهم أن المستقبل سيحمل الكثير للاستثمارات المعنية بالاستدامة المجتمعية، وهو ما يعنى أن هناك استثمارات ضخمة فى العالم يتم إعادة توجيهها إلى الشركات التى تطبق معايير الاستدامة.
متسائلاً، من يريد أن يضيع فرصة بهذا الشكل؟
وأبدى عمران سعادته باهتمام الشركات المصرية للتواجد فى مؤشر البورصة للاستدامة ESG، والذى يتضمن 30 شركة من الشركات المقيدة بالبورصة، حيث أصبحت الشركات التى تخرج من المؤشر تستفسر عن أسباب خروجها وماذا ينقصها للعودة مرة أخرى، وهذا النموذج من وجهة نظرنا ناجح جداً مع الشركات فالتوعية المستمرة هى ما تجعل الشركات تسعى بنفسها لتطبيق الاستدامة.
وتطبيقاً على البورصة المصرية كمؤسسة، قال عمران، إن البورصة تعد برامج تطبق بصورة دورية لتدريب شباب الجامعات على أساسيات الاستثمار فى السوق، ولا تكتفى باستضافتهم فى مقراتها فقط، ولكن تذهب إليهم بأنفسنا فى الجامعات لتعريفهم بالبورصة ودورها فى الاقتصاد، ولا ننظر كثيراً إلى جانب التكلفة فى هذا الأمر فهو دور أساسى للبورصة تجاه المجتمع ويرتكز على رغبة فى زيادة المشاركة المجتمعية فى البورصة بما ينعكس على دعم قدرة الشركات فى النفاذ إلى التمويل، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد ككل فى نهاية الأمر.
وتوقع عمران مع زيادة الوقت، أن يرتفع الاهتمام بمعايير الاستدامة، خاصة بين الدول النامية التى تحتاج بشدة لتطبيق هذه المعايير وتشجيعها للاستفادة منها فى دعم خطط التنمية المحلية.
وقال إنه من التجارب السابقة نعتنق مبدأ بناء القدرات لدى الشركات خلال الفترة الأولى من خلال حملات تحفيز وتوعية مكثفة، حتى نطمئن إلى أن الشركات أصبحت متفهمة لأهمية الافصاح غير المالى ولأهميته فى جذب استثمارات جديدة، وتجد العديد من الشركات التى تقوم بهذا الأمر تلقائياً وفى هذا المرحلة يكون من السهل تدريجياً دراسة إمكانية إدراجها ضمن قواعد القيد فى البورصة.
وتركز آلية اختيار الشركات للإدراج فى مؤشر ESG على توافر عدد من المعايير فى الشركة ومنها وجود افصاح دورى عن مدى تطبيق الاستدامة داخل الشركة، وهناك عدد من الشركات بالفعل تُصدر هذه التقارير بشكل منتظم، ومع زيادة الوعى بأهمية الاستدامة وتأثيرها على قيمة الشركة السوقية ستتجه شركات أكثر وأكثر إلى إصدار تقارير دورية عن الاستدامة.
أضاف أنه من الواجب أن تُعطى البورصة كمؤسسة المثل والقدوة للشركات فى أهمية تطبيق الحوكمة، قائلاً: «بدأنا بأنفسنا فطلبنا أن يتضمن مجلس إدارة البورصة من عضوين من ذوى الخبرة وهو ما تم بالفعل، كما قمنا بإعداد استراتيجية للعمل داخل البورصة لتضمن وجود استمرارية وانتظام فى عمل المؤسسة حتى مع تغيير الأفراد»، بالإضافة إلى وجود لجنة للمراجعة وفقاً للمعايير الخاصة بالحوكمة.
تابع عمران، بعد القفزة الكبيرة فى عدد الشركات التى تم قيدها فى بورصة النيل إلى 30 شركة خلال سنوات قليلة وعصيبة بالمناسبة، فإن التركيز الأهم فى المرحلة الحالية ليس فى الكم، وإنما فى جودة الشركات التى يتم قيدها لذلك فإن القواعد الجديدة وإن كان البعض يراها اصعب، ولكن نراها عاملاً مهماً لضمان تقديم أفضل الشركات للمستثمر والسوق.
ومع استمرار التحسن الاقتصادى خلال الفترة القادمة سيكون عاملاً مهماً فى زيادة عدد الشركات المتقدمة للقيد فى السوق الرئيسى وبورصة النيل.
وأشار إلى أن أثر الانضمام إلى البورصة يكون جوهرياً على الشركة ككل، فالقيد فى البورصة ليس مجرد قرار للشركة ولكن خطوة استراتيجية محورية فى تاريخها ككل، فليس الامر مجرد توفير تمويل للشركة، بالرغم من أهمية ذلك، ولكن الأثر يمتد ليشمل العديد من النقاط مثل القيمة السوقية للشركة والقدرة على جذب مستثمرين جدد والسمعة بالإضافة إلى الانضباط المالى والإدارى الذى يتحقق من خلال الحوكمة والافصاح المطبق على الشركات.
«ولدينا بالفعل حالة لأحد الشركات التى تفكر جدياً فى الانتقال من بورصة النيل إلى السوق الرئيسى، لكن مازال الأمر تحت الدراسة من جانبهم».