كانت البنوك المركزية المتمرسة، والمستثمرون المتحمسون، يوجهون مصدرى السندات السيادية فى الأسواق الحدودية، من باكستان إلى مصر وحتى سلفادور، ويشجعوهم على بيع كميات كبيرة من السندات بأسعار فائدة منخفضة.
وبلغت إصدارات الدول الحدودية من السندات السيادية ذروتها لتسجل ما يقرب من 23 مليار دولار العام الماضى.
وبعد مرور عام، يبدو المشهد كئيبا نسبيا، إذ تراجعت الإصدارات إلى 14 مليار دولار، ويقف وزراء المالية بين خيارين، هما التوقف عن بيع السندات الحكومية الجديدة أو استيعاب الارتفاع الحاد فى أسعار الفائدة.
وتكمن المشكلة، كما لخصها «لى بوشيت» محامى الديون الحكومية وخبير إعادة الهيكلة، فى أن تلك الدول نادراً ما تقترض للمرة الأولى بقصد سداد ديونها عند موعد الاستحقاق، ولكنهم يقترضون على افتراض أنهم سيعيدون تمويل ديونهم ويستمرون فى الاقتراض.
وقال «بوشيت»: «بالنسبة للعديد من البلدان، فإن افتراض الوصول الدائم إلى أسواق الدين بأسعار فائدة معقولة يعد تصرفا يوحى بالثقة العمياء».
وعندما بدأت غانا جولة من اللقاءات مع المستثمرين قبل بيع السندات الحكومية هذا الخريف، قال وفد للمستثمرين إنهم يأملون فى دفع أسعار فائدة تتراوح ما بين 8% أو 9% على السندات لأجل عشر سنوات، وتقترب هذه العائدات من تلك التى تدفعها غانا منذ أن أصبحت أول اقتصاد فى افريقيا جنوب الصحراء، بخلاف أن جنوب أفريقيا تستفيد من أسواق السندات السيادية منذ 2007.
ولكن مع تراجع أسعار السلع التصديرية بما فى ذلك الذهب والبترول، انخفض النمو وهبطت قيمة العملة، واضطرت غانا لدفع أسعار فائدة تبلغ 10.75% على السندات لأجل 15 عاما، لتكون بذلك إحدى الدول ذات أعلى عائدات على السندات خلال العقدين الماضيين.
ومنذ أكثر من عام تقريبا، استطاع ساحل العاج، إصدار سندات لأجل 10 سنوات بأسعار فائدة بلغت 5.63%، فى حين ضمنت فيتنام أسعار فائدة بلغت 4.8% فقط، مما يؤكد التحول المفاجئ فى شهية المستثمرين تجاه سندات الأسواق الحدودية.
وقال كيفين دالى، مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى «أبردين» لإدارة الأصول: «لا يستثمر الناس الآن فى أفريقيا أو الأسواق الناشئة الأكثر خطورة.. لذلك فإن عائدات السندات ستستمر فى الارتفاع».
وأضاف أن الأوضاع المالية داخل العديد من الدول آخذة فى التدهور، مما يشير إلى أنهم سيستمرون فى إصدار العديد من السندات السيادية، وهذا يعنى أنه لن يكون هناك نقص فى الإصدارت وبالتالى لن تقع ضغوط كبيرة على أسعار الفائدة.
وعانت المؤسسات التى تستثمر فى سندات الأسواق الناشئة، بما فى ذلك «أبيردين» و«آشمور»، من هروب التدفقات الرأسمالية وانخفاض حاد فى سعر السهم العام الحالى، نظرا لأن مخاوف الاستثمار فى الأسواق الناشئة تسيطر على عقول المستثمرين وتحث مديرى المحافظ على رفع العائدات.
وأعرب وزراء المالية فى مصر والعراق عن قلقهم بشأن إصدار السندات فى سوق يتطلب مثل هذه العائدات المرتفعة، ويلقون باللوم على تباطؤ النمو فى الصين وما نتج عن ذلك من اضطرابات بالنسبة لضعف السيولة فى الأسواق الناشئة، ولكن لا يبدو أن كل دولة قادرة على الانتظار.
ويُعتقد أن زامبيا وأنجولا تفكران فى إصدار سندات، ويُقال إن أثيوبيا تخطط لإصدار سندات لأجل 10 سنوات بقيمة تتراوح بين مليار ومليارى دولار فى سوق السندات الدولية العام الحالى.
وتأمل أديس أبابا، ألا تدفع أسعار فائدة أكثر من 6.63%، مثل تلك التى دفعتها لإصدار سندات العام الماضى.. ولكن المستثمرين يتشككون فى هذا الأمر.
وتزيد احتمالية أول ارتفاع فى أسعار الفائدة الأمريكية منذ سنوات، جنبا إلى جنب مع تقلبات سوق الأسهم فى الصين وانخفاض أسعار السلع، من الحاجة إلى التمويل الخارجى، فى حين تبدو مصادر التمويل البديلة آخذة فى النضوب.
وقال ماركو رويجر، مستثمر سندات الأسواق الناشئة لدى «إن إن» انفيستمنت بارتنرز، إنه من الخطير بالنسبة لأى دولة إصدار سندات بعائدات تتجاوز 10%، فالمشكلة أنهم يضطرون لسداد مدفوعات فائدة ضخمة من شأنها أن تضر بموازنتهم المالية، مما سيجعلم بعد ذلك مقترضين أقل جاذبية، وربما يعنى أنه سيتعين عليهم دفع أسعار فائدة أعلى.