استعاد الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية زمام الحكم فى تركيا، بعد فوزهم الساحق فى الانتخابات، واحتفلت الأسواق أول من أمس بهذا الأمر، إذ ارتفعت الليرة التركية بنسبة 3%، وأغلقت البورصة بارتفاع 5%، لكنّ العديد من العراقيل أمام الاقتصاد قد تؤدى لعدم استمرار تلك النشوة لوقت طويل.
ورحب المستثمرون بانتهاء الوضع السياسى المعلق فى البلاد منذ خمسة أشهر، وعودة حكومة تحمل سجلاً حافلاً بالاحتفاظ بالنمو، وترويض التضخم، وجذب الشركات العالمية خلال فترة سلطتها البالغة 13 عاماً.
وذكرت وكالة «بلومبرج»، فى تقرير لها، أنه على الرغم من أن الأسواق التركية شهدت أفضل أيامها أول من أمس، فهناك علامات بالفعل على القلق، إذ تراجعت قيمة العملة، أمس، على خلفية تقرير يفيد بأن الحكومة الجديدة ربما تغير صلاحيات البنك لتكون أولوياته النمو.
وتتولى الحكومة الجديدة مقاليد الإدارة فى ظروف أسوأ، داخلياً وخارجياً، من تلك التى تولت فيها سابقتها من حزب العدالة والتنمية، إذ أجرت تركيا 4 انتخابات مسببة للخلاف خلال عامين، وعانت موجة من العنف فى الأشهر الأخيرة، ما أثر سلباً على الاقتصاد، فالنمو يتعثر، والليرة التركية من أضعف العملات فى العالم، وثقة المستهلك تقترب من أدنى مستوياتها فى 6 سنوات.
وتوجد تحديات أخرى لا ناقة لتركيا فيها ولا جمل، إذ جاءت حكومات حزب العدالة والتنمية الثلاث الأخيرة إلى السلطة عندما كان الاقتصاد يتمتع بطفرة سيولة عالمية، أو عندما حققت انتعاشاً اقتصادياً كبيراً بعد الأزمة المالية عام 2008.
ولكن الحكومة الجديدة سيتعين عليها إدارة تغير مهم، إذ تنتظر الأسواق الناشئة بفارغ الصبر أن يبدأ بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى رفع أسعار الفائدة.
وفى ظل مساعى أردوغان ورئيس الوزراء التركى، أحمد داوود أوغلو، لإعادة النمو إلى مساره، سينظر المستثمرون على نحو خاص إلى كيفية معالجتهم للقضايا التالية:
استقلالية البنك المركزى: من ضمن أسباب ضعف قيمة الليرة هو هجمات القادة الأتراك الدائمة على محافظ البنك المركزى، أردم باشتشى، والضغط عليه لخفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو، وهدأت الانتقادات نوعاً ما العام الجارى، ولكنها لم تتوقف تماماً. ويقول بعض المحللين، إن اكتساح حزب العدالة والتنمية فى الانتخابات سيشعل تلك الانتقادات مرة أخرى. وأفادت، أمس الصحيفة اليومية التركية الموالية للحكومة «صباح» بأن الحكومة الجديدة تخطط لتغييرات فى البنك المركزى ولجنة سياسته النقدية التى سوف تزيد ركيزها على «النمو والاسقرار»، دون أن تذكر الصحيفة أى تفاصيل أو مصدر معلوماتها.
وقال عباس أميلى رينانى، استراتيجى الأسواق الناشئة لدى «أموند»: «ربما نشهد تجدد الضغوط على البنك المركزى لتخفيف السياسة النقدية».
وصرح ويليام جاكسون، اقتصادى الأسواق الناشئة لدى «كابيتال إيكونوميكس»، بأن استعادة مصداقية البنك باعتباره صانع سياسة مستقلاً تعد أمراً ضرورياً لاستمرار تدفق النقود الأجنبية للاقتصاد وتمويل عجز الحساب الجارى الضخم فى تركيا، وإن لم يحدث ذلك، ستواجه الليرة التركية خطر الانخفاض مرة أخرى، خاصة أن ولاية أردم باشتشى تنتهى فى أبريل المقبل.
الإصلاحيون: هل هم فى الملعب أم على مقاعد البدلاء؟
والسؤال الآخر الذى يشغل أذهان المستثمرين هو تشكيل الفريق الاقتصادى للحكومة المقبلة، وكانت هناك أحاديث أوائل العام الجارى عن خلاف نائب رئيس الوزراء السابق على باباجان مع أردوغان، ولكن داوود أوغلو دعا هذا الاقتصادى المخضرم على نحو غير متوقع لخوض الانتخابات.
ويحظى باباجان ووزير المالية محمد سيمسيك، الذى عاد هو الآخر إلى البرلمان، بثقة العديد من المستثمرين لقيادتهما العديد من الإصلاحات فى عهد حزب العدالة والتنمية، والحفاظ على انضباط الميزانية حتى فى أوقات تباطؤ النمو، ما ساعد فى الحد من عبء الديون بما يزيد على النصف منذ عام 2002.
وقال تيم آش، استراتيجى الائتمان لدى «نومورا إنترناشيونال»: «بمجرد انتهاء هوجة الانتخابات، سيركز المستثمرون على ما إذا كان هناك أماكن رئيسية لحماة السوق مثل باباجان وسيمسيك».
قلق رجال الأعمال: تتراجع ثقة قطاع الأعمال كما هو واضح من توقف استثمارات القطاع الخاص منذ عام 2011. ويرى دارون أسيموغلو ومراد يوسر، اقتصاديان لدى شركة «جلوبال سورسيز بارتنرز»، أن تراجع استثمارات القطاع الخاص يعكس تلف المؤسسات المدنية فى تركيا والسلطة القضائية، نظراً إلى أن ازدياد قوة حزب العدالة والتنمية يقوض الثقة فى سيادة القانون. وتضررت الشركات التى اعتبرها حزب العدالة والتنمية غير صديقة من رشاوى الضرائب أو حتى استحواذ الحكومة عليها، وأصبحت مثل هذه الوقائع أكثر تكرارًا بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة التى اندلعت عام 2013، والتى ألقى فيها أردوغان اللوم جزئياً على رجال الأعمال الذين قال عنهم إنهم يسعون للإطاحة به.








