بقلم: ريتشارد كوزول – رايت
خلال الأشهر القليلة الماضية، استحوذت التقلبات فى الأسواق المالية على غالبية الانتباه.. والأمر المخيف بقدر الصعود والهبوط فى أسعار الأسهم، بل ربما تبدو هذه التحركات كالزبد، مقارنة بالأمواج العاتية التى تهدد الاقتصاد، هو «التسونامي» الضخم من الديون التى تحملها الأسر، والشركات، والبنوك، والحكومات.
وإذا رفع البنك الاحتياطى الفيدرالي، أسعار الفائدة نهاية العام الحالى، كما هو متوقع، فسيواجه الاقتصاد العالمي، والأسواق الناشئة خصوصاً، مشكلة كبيرة.
ونما الدين العالمي بحوالى 57 تريليون دولار منذ انهيار بنك «ليمان براذرز» فى 2008، ليبلغ رقماً يقصم الظهر عند 199 تريليون دولار فى 2014، أى أكثر بمرتين من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، وفقاً لمعهد «ماكينزى العالمي».
وخدمة هذه الديون، ستزداد صعوبة فى السنوات المقبلة، خصوصاً إذا واصل النمو التباطؤ، وبدأت أسعار الفائدة فى الارتفاع، وتقلصت فرص التصدير، واستمر انهيار أسعار السلع.
وتركز معظم القلق بشأن الديون على احتمالات التعثر فى منطقة اليورو. ولكن الشركات صاحبة المديونيات الكبيرة فى الأسواق الناشئة تشكل خطراً أكبر. وتشير التوقعات إلى نمو ديون الشركات فى العالم النامى لأكثر من 18 تريليون دولار، من بينها 2 تريليون دولار بالعملة الأجنبية. وتكمن الخطورة فى أن تؤثر تعثرات القطاع الخاص على ميزانيات القطاع العام، مثلما حدث فى أمريكا اللاتينية فى الثمانينيات، وآسيا فى التسعينيات.
والخطورة الآن أكبر من الماضي، لأن الأسواق المالية المفتوحة بشكل متزايد تسمح للبنوك الأجنبية ومديرى الأصول بالتخلى عن الديون سريعاً، وعادة لأسباب لا علاقة لها بالأسس الاقتصادية.
والحكومات المدينة معرضة للمخاطر مثل المدينين من القطاع الخاص. فالمقترضون السياديون ليس بوسعهم الاستفادة من قوانين الإفلاس لتأجيل أو إعادة هيكلة الأقساط. كما أن دائنيهم لا يمكنهم مصادرة أصول حكومية غير تجارية لتعويض خسارتهم. وعندما تصبح الحكومات غير قادرة على الدفع، يكون الحل الوحيد هو التفاوض، ولكن النظام القائم لإعادة هيكلة الديون لا يتصف بالكفاءة، والاكتمال، أو العدالة.
وعادة تكون الاستجابة لعدم قدرة المقترضين السياديين على خدمة ديونهم متأخرة وغير فعالة. وتكره الحكومات الاعتراف بمواجهة مشكلات إفلاس، خشية أن تهرب رؤوس الأموال، وأن يثار الفزع فى الأسواق المالية، وما ينتج عنهما من أزمات مالية.
وفى الوقت نفسه، يميل الدائنون، الذين يخافون من شطب بعض الديون، إلى تأجيل الحل أملاً فى أن يتحول الموقف. ولكن عندما يتم الاعتراف أخيراً بالمشكلة، تكون الأمور خرجت عن السيطرة، وتركز جهود الإنقاذ على دعم البنوك المتهورة بدلا من التركيز على تسهيل التعافى الاقتصادي. وما يزيد الطين بلة، التوصل لتسوية يقل فيها حمل الدين على المدين فى صورة تدابير تقشف وإصلاحات هيكيلة تجعل الدين القائم أقل استدامة.
وفى ظل الإجماع على ضرورة إيجاد طرق أفضل لإعادة هيكلة الديون، ظهرت ثلاثة خيارات، أولها تقوية الأسس القانونية فى سوق السندات، من خلال استحداث بنود قوية تتعلق بالعمل الجماعى فى العقود، وتوضح نص مبدأ المساواة، بالإضافة إلى الترويج لاستخدام السندات المرتبطة بالناتج المحلى الإجمالي، أو السندات القابلة للتحويل المشروط. وينبغى أن يكون هذا الاتجاه طوعياً وخاضعاً لتوافق الأطراف، ولكن ذلك سيجعله غائباً عن أجزاء كبيرة من سوق الديون، وبالتالى يقوم بالقليل لدعم التعافى الاقتصادى أو العودة إلى معدلات النمو المستدامة. ويركز الخيار الثانى على الإجماع على وجود مبادئ قانونية ميسرة لتقود عملية إعادة الهيكلة، وكل المبادئ الأساسية، وتلك الخاضعة للتفاوض مثل السيادية، والشرعية، والحيادية، والشفافية، والنية الطيبة، والاستدامة، تنطبق على جميع أدوات الديون، وتوفر تنسيقاً أكبر من المناهج القائمة على السوق.
ورغم أن هذا النهج مألوف، فلن يكون ملزماً.
والخيار الثالث، سيحاول حل مشكلة التنسيق من خلال مجموعة من القواعد والمعايير المتفق عليها مسبقاً كجزء من آلية دولية لحل مشكلات الديون، والتى ستكون مشابهة لقوانين الإفلاس على مستوى الدول، وسيكون هدفها منع الانهيارات الاقتصادية فى الدول التى تعانى صعوبة فى خدمة ديونها الأجنبية، بالإضافة إلى إعادة الاقتصاد إلى مستويات النمو المستدامة.
وينبغى أن تتضمن هذه الآلية نصوصاً تسمح بتوقف مؤقت تام عن سداد الدفعات المستحقة، سواء للقطاع الخاص أو العام، وتأجيل الدائن مؤقتاً رفع الدعاوى القضائية، وضوابط مؤقتة على رأس المال وسعر الصرف، ونصوصاً تسمح باحتفاظ المفلس بأملاكه وإدارتها، وتقديم السيولة اللازمة لعمليات الحساب الجارى الحيوية، وأخيراً، إعادة هيكلة الديون، وإزاحة عبئها.
وتوضح غانا، واليونان، وبورتو ريكو، وأوكرانيا، والعديد من الدول الأخرى الضرر الاقتصادى والاجتماعى الناتج عن سوء إدارة الديون.
وفى سبتمبر الماضي، تبنت اللجنة العمومية التابعة للأمم المتحدة، مجموعة من المبادئ لتوجيه عملية إعادة هيكلة الديون السيادية. وتلك تعد خطوة للأمام.. لكن يجب القيام بالكثير لمنع المشكلات الناتجة عن حائط الديون الذى يلوح فى الأفق.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت.