لطالما كان من الصعب قبول فكرة أن سلسلة الحروب فى الشرق الأوسط منذ 2001 كانت بسبب البترول، فأفغانستان ليست دولة بترولية، ومعظم البترول المنتج فى العراق ينتهى فى الصين والشرق الأدنى وليس الولايات المتحدة وأوروبا، ومن ناحية أخرى، يثبت ما يحدث الآن فى سوريا وشمال العراق أن البترول والسلطة مرتبطان ارتباطا لا ينفصم.
وكما أظهر تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز» فى أكتوبر أن الدولة الإسلامية لم تعتمد فى بناء خلافتها على تبرعات المؤيدين الأغنياء فى السعودية وأجزاء أخرى من الخليج العربى مثل القاعدة، بل إن قيادة داعش خلقت هيكلا اقتصاديا فى المناطق التى تسيطر عليها يعتمد بشكل رئيسى على إيرادات البترول.
وعند مرحلة معينة، كانت تكسب داعش حوالى 40 مليون دولار شهريا من البترول، مستخدمة عمليات محترفة تسيطر عليها القيادة، ما ساعد التنظيم على خلق نموذج يشبه الحكومة الفعالة، وأيضا بلا شك على شراء الأسلحة والعتاد.
وهذا النموذج ضَعُف حاليا نتيجة حملات القصف، التى بدأتها فرنسا وروسيا والتحقت بهم بريطانيا مؤخرا، وبجانب محاولة استئصال قيادة داعش، استهدفت الهجمات الجوية أيضا عناصر رئيسية فى سلسلة نشاطات بدءا من الإنتاج والتكرير إلى خطوط النقل التى سمحت لداعش جنى الأموال مما تنتجه من البترول.
ولخصت مقالة نشرت مؤخرا على موقع «تقرير النفط العراقى» الوضع القائم فى أواخر 2015:
– انخفض الإنتاج نتيجة تضرر البنية التحتية للحقول بسبب القصف، ولا يزال بعض البترول يتدفق تلقائيا ويتم تخزينه فى حفر محفورة على عجل فى الأرض.
– تعطلت بعض محطات التكرير ما يجبر على استخدام التقنيات البدائية لإنتاج منتجات يمكن استخدامها.
– تراجع الأسعار أدى إلى تقليص هوامش الربح -التى تعد منخفضة بالفعل بسبب تقديم خصومات عن سعر السوق – وهذا يثبط تجارة السوق السوداء لأن المخاطر تتجاوز المكاسب خاصة بالنسبة لسائقى شاحنات نقل السوائل.
ومع ذلك لم تنته القصة بعد، فداعش لم تهزم حتى الآن، والجيش العراقى الذى استعاد السيطرة على منطقة شمال بغداد، فعل ذلك بمساعدة خارجية كبيرة بلا شك.
والوضع على الأرض الآن ليس حروب خنادق، إنما صراع لا ينتهى على مساحات ضيقة من الأرض بتكلفة عالية فى الأرواح وضرر مادى كبير يذكرنا بمعارك الحرب العالمية الأولى.
وعدم هزيمة داعش يشكل خطرا على المنطقة وما ورائها، وحتى الآن، لم يكن لأفعال التنظيم تأثير كبير على السوق العالمى للبترول لأن الاحجام التى تسيطر عليها صغيرة، حيث لا يتجاوز الإنتاج من المناطق التى تحكمها 70 ألف برميل يوميا فى ذروة الإنتاج، ولكن هذا الوضع قد يتغير.
وتمتلك داعش حاليا دافعا واضحا للاستيلاء على المزيد من المنشآت البترولية التى يوجد منها الكثير حول الموصل، خاصة شرق الموصل ومنطقة كركوك، وستكون الحقول الرئيسية محمية جيدا، ولكن هناك حقولا أخرى أكثر ضعفا، وأى تحرك لداعش باتجاه كركوك سوف يوسع الصراع الماضى، وسيجلب حملة القصف بالقرب من منطقة تحوى أحجاما أكبر بكثير من البترول.
وفى نفس الوقت، تعرف داعش جيدا قدرة الهجمات على المنشآت البترولية على إضعاف خصومها، وهجومها مؤخرا على ميناء السدرة فى ليبيا يعد أحد الأمثلة لما يمكن عمله لتخفيض الإيرادات، ولتثبيط الاستثمارات الجديدة فى دولة يقدم لها البترول 95% من الصادرات، و75% من الميزانية الوطنية.
وداعش لديها دوافع كثيرة للتأكد من بقاء ليبيا فى وضع الدولة المنهارة.
وحتى وإن كانت منطقة إنتاج البترول فى المنطقة الشرقية للسعودية محصنة جيدا، ويصعب على داعش اختراقها، فهناك أهداف كبيرة محتملة فى مصر والجزائر، وغيرها من مناطق إنتاج البترول فى العراق نفسها.
وأثبتت داعش أنه فى الوقت الذى تركز فيه بالأساس على المناطق التى تسيطر عليها، بإمكانها التجرأ على مناطق أخرى لتقويض الأنظمة القائمة، وإظهار قوتها الباقية.
وغيرت حملة القصف قواعد اللعبة فى سوريا وشمال العراق، ولم يعد بإمكان الدولة الإسلامية الاعتماد على تدفق ثابت من الإيرادات من خلال شركة بترولية شبه وطنية، وبالتالى تقريبا انتهى نموذج أعمالها الذى كانت تعتمد عليه فى السابق، أما الحرب على البترول والنفوذ عبر المنطقة بعيدة كل البعد عن الانتهاء.








