مشاكل البنية التحتية وعدم تجديد محطات معالجة المياه أبرز المشكلات المنطقة
«الصرف الصحى»: ليس لدينا خطة لرفع كفاءة الشبكة والصرف بأكمله يتجه للبحر
«الجباس»: تفعيل قانون تجريم ذبح الإناث وتطبيق السلخ الآلى للحفاظ على مستقبل الصناعة
أسقطت الحكومة سهواً «مدابغ المكس» بالإسكندرية من حساباتها، رغم أهميتها التى لا تقل عن مدابغ مصر القديمة بعين الصيرة، والتى وضعت لها الحكومة خطة محكمة لنقلها إلى منطقة الروبيكى بمدينة بدر الصناعية.
تضم «مدابغ المكس» التى تقع غرب مدينة الإسكندرية، 35 وحدة لدباغة وتنظيف الجلود، وتستحوذ على 90% من دباغة الجلد الخفيف المتمثل فى الماعز والضأن، تزيد هذه النسبة نحو 60% فى عيد الأضحى.
استطلعت البورصة خلال جولتها بمنطقة مدابغ المكس آراء عدد من أصحاب المدابغ، وأعرب بعضهم عن استيائه من إهمال الحكومة تطوير منطقة مدابغ المكس على غرار نظيرتها بمصر القديمة، والتى وضعت الحكومة خطة لنقلها إلى منطقة الروبيكى بمدينة بدر الصناعية.
وفى جولة لـ«البورصة» بالمكس، حدد أصحاب المدابغ المشكلات التى تواجه المنطقة، جاء فى مقدمتها انهيار البنية التحتية وعدم إعداد خطة لتجديد شبكة الصرف المتهالكة.
«باسم نبيل شاهين» شاب جامعى فى العقد الثالث من عمره يمتلك مصنع متطور لدبغ الجلود بالمكس، تحدث بنبرة واثقة تفخر بمهنة أجداده، يقول إن مصنعه افتتح عام 1938 قبل تخطيط منطقة مدابغ المكس التى أنشئت فى أربعينيات القرن الماضى.
وأوضح “شاهين”، أن دباغة الجلود تعد صناعة رائدة فى مصر، ولها سمعة عالمية كبيرة وتحقق دخلاً كبيراً من العملة الصعبة
وأشار إلى أن دول البرتغال وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وتركيا من الأسواق الواعدة للصادرات المصرية من الجلود.
وقال شاهين، إن منطقة المكس تحتوى على ما يقرب من 35 مدبغة، وتصدر95% من إنتاجهم، بالإضافة إلى بعض الورش الصغيرة التى تطرح إنتاجها للسوق المحلى، ويعمل بهم نحو 2500 محترف.
وأشار إلى أن مستقبل المهنة فى خطر بسبب أحجام الشباب عن احترافها، فضلاً عن تجاهل الدولة لأهميتها، ما يستدعى الأخذ بمعايير المشكلات التى ستواجه المستقبل وضرورة التفكير فى جلب عمالة خارجية، للحفاظ عليها من الاندثار، مشدداً على ضرورة اهتمام الدولة بهذه الصناعة الواعدة، وتغيير الصورة النمطية التى ترسخت فى عقول المصريين عنها، حتى تستقطب أجيالاً جديدة.
وأضاف أن مصنعه يقوم بدباغة الجلود وفقاً لأحدث المعايير الدولية المتبعة لضمان عدم خسارة الأسواق التصديرية، خاصة الأوروبية.
وتابع: أن الدولة أهملت تطوير مناهج التعليم الفنى والتدريب المهنى للعمال بالمدابغ التى لم يجد أصحابها طريقاً سوى استقدام خبراء أجانب لتدريب الأيدى العاملة وفقاً للمعايير الدولية.
ويحذر شاهين من استهلاك الجلد الصناعى فى السوق المحلى رغم أن مصر دولة منتجة للجلد بسبب استهلاك اللحوم وذبح الماشية، إلا أن السوق المصرى يعتمد على الجلد الصناعى المستورد من الصين، والذى يتفاعل كيمائياً مع جسم الانسان بما يسبب له أضرار، مشيراً إلى أن معظم دول العالم أوقفت صناعة الجلد الصناعي، ووضعت قيوداً كبيرة على استيراده.
وأوضح شاهين، أن صناعة الجلود فى مصر موسمية، مشيراً إلى أن الطاقة الإنتاجية لمدابغ المكس تتجاوز الـ60% فى عيد الأضحى، ويمثل إنتاجها من الجلد الخفيف (الضأن والماعز) 90%، ولا يتخطى 1% من الجلد الثقيل (الجاموسى والبقرى).
وحول أبرز المعوقات التى تواجه منطقة مدابغ المكس، أوضح أن أكثر المشاكل تعقيداً شبكة الصرف المعدمة، وناشداً يقول أكثر من مرة هيئة الصرف الصحى ومحافظة الإسكندرية وحى غرب المدينة، ولم يستجيب أحد، وطالب بضرورة التنسيق بين الجهات المعنية، لتجديد هذه الشبكة المتهالكة التى أنشئت منذ عام 1922 تقريباً.
وأضاف أن مواسير الصرف عندانشاء المنطقة كانت تنظف بشكل دورى كل أسبوع لعزل المخلفات الصلبة، وحالياً قد ينقضى عام كامل دون نزع مياه الصرف.
وأكد ان منطقة مدابغ المكس كان لديها قديماً ماكينات تسليك لتفادى انسداد الصرف بسبب المخلفات الصلبة، نقلتها هيئة الصرف الصحى إلى الكتل السكنية دون إيجاد بدائل لمنطقة المدابغ.
وأشار “شاهين”، إلى أن المصانع تبدى استعداداً لرصف الشوارع الداخلية للمنطقة وإنارتها بالجهود الذاتية، إذا ما تعاونت هيئة الصرف لإقامة محطات معالجة وتجديد شبكة الصرف.
وحول محاولات نقل المدابغ، أوضح “شاهين”، أن مفاوضات جرت مع محافظة الإسكندرية الأسبق إسماعيل الجوسكى لنقل المدابغ إلى منطقة زاوية عبدالقادر، الا أن لم تأخذ الدولة لم تتخذ أى خطوة جدية فى هذا الشأن، فى حين أن الحكومة عندما شرعت فى نقل مدابغ مجرى العيون، قامت الدولة بتخطيط منطقة الروبيكى وتجهيزها بمحطات معالجة كبيرة للصرف الصناعى وقامت القوات المسلحة بتوفير عمليات نقل المعدات.
وأضاف أن تكلفة نقل المدابغ كبيرة، سوف يتحمل أصحاب المصانع جزءاً كبيرة منها، خاصة فيما يتعلق مشيراً إلى أن بفك ونقل وتركيب ماكينات الدباغة.
وقال الكميائى “محمد الشافعى”، أحد اصحاب المدابغ بمنطقة المكس، إن ما يضع مصر على خريطة العالم فى دباغة الجلود هو الكم الكبير المستهلك من اللحوم فى مصر، فضلاً عن أن الجلد الطبيعى لا يدخل ضمن المصنوعات الجلدية فى مصر، وبالتالى تصدر كميات كبيرة منه تصل إلى أكثر من 95%، غير أن ارتفاع أسعار اللحوم أثر بشكلٍ ملحوظ على توفير المادة الخام الأساسية المتمثلة فى الجلد.
وأضاف “الشافعى”، أن منطقة المكس منظمة ومخططة وليست عشوائية كما يتصور البعض، لكن الإهمال المتمثل فى هيئة الصرف الصحى هو ما أدى الى هذا الوضع المزرى، مضيفاً أن هذه المدابغ قبل حوالى 80 سنة كانت تتواجد بمنطقة الأزاريطة وجرى نقلها إلى خارج الكتل السكنية فى منطقة المكس، ورغم قربها من منطقة الورديان والمكس، إلا أنها تعتبر معزولة عن الكتلة السكنية.
وطالب بإحلال وتجديد البنية التحتية للمنطقة وتطوير محطات معالجة المياه، ورفض فكرة نقل المدابغ على غرار نظيرتها بمصر القديمة إلى منطقة الروبيكى.
وأكد أن هيئة الصرف الصحى، لم تطور خطوط المواسير وشبكات الصرف برغم إلزام “المدابغجية” بسداد 40 ألف جنيد عند تجديد رخصة المدبغة.
وأوضح أن تدنى أوضاع النبة التحتية طارد للاستثمار، مطالباً هيئة الصرف الصحى بتطوير شبكة الصرف بالمنطقة، على أن توكل الهيئة شركات متخصصة لإجراء صيانة دورية للشبكة وتنزع المياه مقابل مبالغ يحصل من أصحاب المدابغ.
من جانبه أرجع المهندس أشرف حنفى، رئيس قطاع التشغييل والصيانة بهيئة الصرف الصحى بالإسكندرية، السبب الرئيسى فى مشكلة مدابغ المكس، إلى عدم التزام أصحاب المدابغ بشروط التخلص من المخلفات الصلبة وعدم كفاءة غرف الترسيب بالمصانع.
وأضاف أن ما أدى الى تفاقم الأزمة هو زيادة الطاقة الإنتاجية لمنطقة المكس، حيث كانت المصانع تعتمد فى البداية على براميل تستوعب 100 قطعة جلد فقط، تجاوزت الـ600 ببعض المصانع فى ظل التوسع فى خطوط الإنتاج، ونظراً لأن صناعة الجلود تعتمد بشكل كلى على المياه، فإن الشبكة القديمة غير مؤهلة لاستعياب هذا الكم الهائل من المخلفات.
من جانبها، أكدت فايزة حسين، مسئولة الصرف الصناعى بهيئة الصرف الصحى بالإسكندرية، أن الهيئة ليس فى وسعها غير الرقابة ووضع حلول أولية للتخلص من مخلفات المدابغ ومحاولة تحسين البيئة للحد من التلوث، عن طريق ارشاد المصانع لإنشاء غرف ترسيب للمخلفات وأخرى لفصل للزيوت والشحوم، غير أن صرف المنطقة يتجه بأكمله الى مياه البحر.
فى سياق متصل، قال أحمد زكى الجباس، عضو شعبة دباغة الجلود باتحاد الصناعات، إن مدابغ المكس تنتج 10% من إجمالى الطاقة الإنتاجية للجلد فى مصر، مثل مناطق أخرى كالفيوم ودمنهور، غير أن “المكس” تحتكر دباغة الجلد الخفيف تقريباً.
تراجعت صادرات الجلود خلال الربع الأول من العام الحالى بنحو17% لتسجل 335 مليون جنيه، مقارنة 402 مليون خلال نفس الفترة من العام السابق.
وكشف تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات عن انخفاض صادرات القطاع بنحو 11% خلال مارس الماضى إلى 120 مليون جنيه، مقارنة بـ135 مليون جنيه فى نفس الشهر من العام الماضى.
أشار الى أن الجلد المصرى يضاهى نظيره الأوروبى فى الجودة، غير أن بعض السلوكيات الخاطئة تضع هذه الصناعة الهامة على المحك.
وأكد الجباس، أن هناك عدة الأمورالخطرة تؤثر على دباغة الجلود، أبرزها عمليات ذبح الاناث، مطالبا بتفعيل الدور الرقابى للدولة فى تجريم ذبحها للحفاظ على الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى ضرورة تطوير المجازر وتجريم السلخ اليدوى واستبداله بالآلى لتجنب أضرار الخدش والحفاظ على طبقات الجلد الداخلية التى ترفع جودة الجلد إلى أكثر من 30%.
كتب: أسامة منيسى