بقلم: نيك بوتلر
منذ عامين، وضعت الحكومة السعودية استراتيجية تستهدف حماية مركزها فى سوق البترول العالمى، وتضمنت خطتها زيادة الإنتاج إلى مرحلة تتراجع فيها الأسعار، وكان الهدف الضغط على المنتجين الآخرين، خاصة القطاع الصخرى فى الولايات المتحدة، وإجبارهم على تخفيض الإنتاج.
وكان الاعتقاد السائد وقتها أن القطاع الأمريكى يحتاج أن ترتفع الأسعار عن مستوى 90 دولاراً للبرميل لكى يستمر، وبمجرد أن هبط السعر دون هذا المستوى، ظن السعوديون أنهم حموا حصتهم السوقية، وخلال هذه العملية، أرسلوا رسالة حادة للآخرين، خاصة الإيرانيين الذين أرادوا استعادة إنتاجهم بعد الاتفاق النووى مع الولايات المتحدة.
ولم تفشل الاستراتيجية فحسب، بل تسببت فى أضرار بالغة للسعوديين أنفسهم، وتراجعت الأسعار لمستويات أقل بكثير مما توقعه أحد لأن المشاركين فى السوق لم يستجيبوا كما هو متوقع، ولم تدمر الزيادة فى الإنتاج السعودى القطاع الأمريكى.
وتراجع الإنتاج الأمريكى بشكل طفيف رغم هبوط الأسعار بنسبة 70%، وببساطة قللت المملكة من شأن مرونة المنتجين الأمريكيين وقدرتهم على خفض التكاليف.
وبدلاً من إجبار الآخرين على تخفيض الإنتاج، خلق انخفاض الأسعار دافعاً للجميع لرفع الإنتاج للحد الأقصى لإدرار أكبر إيرادات ممكنة، ولم ينتبه السعوديون لحقيقة، أنه بمجرد القيام بالاستثمار الرأسمالى الأساسى فى حقل بترول، فإن المنطق الاقتصادى يصبح هو الاستمرار فى الإنتاج مهما حدث.
وتسبب تراجع الأسعار فى زعزعة الاستقرار فى الدول التى تعتمد على إيرادات البترول من الجزائر وحتى فنزويلا، والكثير منهم حلفاء للسعودية، واضطرت المملكة للجوء إلى احتياطياتها المالية للحفاظ على الإنفاق، وخلال هذا الوقت، رفع الإيرانيون الإنتاج وخططوا للقيام بما هو أكثر من ذلك، وكل هذه النتائج تمثل فشلاً استراتيجياً تام.
وبعد عامين من إنكار الواقع، وتحت قيادة وزير بترول جديد أكثر براجماتية، خالد الفالح، تقبلوا أن الطريقة الوحيدة لإدارة السوق بالنسبة إليهم هى خفض الإنتاج، واتفقت «الأوبك» على هدف عام قد يتم التأكيد عليه فى الاجتماع المقبل فى نوفمبر إذا تم التغلب على مشكلتين كبيرتين.
الأولى، التخفيض كما تم التناقش فيه ليس كافيًا للقضاء على المخزون الحالى أو الزيادة المستمرة التى يطالب بها الإيرانيون، وينبغى الاتفاق على خفض أكبر لكى ترتفع الأسعار، وكانت استجابة السوق فاترة تجاه احتمالية تقليص الإنتاج بأقل من مليون برميل يوميًا، وكافحت الأسعار لتصل إلى 50 دولاراً للبرميل.
ولكى تصل الأسعار لمستوى السعر المستهدف عند 60 أو 70 دولارًا للبرميل، ينبغى تقليص الإنتاج بحوالى 2.5 إلى 3 مليون برميل يوميًا، ويجب أن يستمر ذلك التخفيض لفترة من الوقت، لأن الارتفاع فى السعر سوف يشجع المنتجين خاصة فى الولايات المتحدة إلى تشغيل الآبار التى تم غلقها مؤقتًا.
ثانيًا، ينبغى أن توزع «أوبك» التخفيضات بين أعضائها، وسوف تتمكن دول قليلة من القيام بمساهمات ذات معنى، ولكن من الصعب رؤية أى طريق آخر لن تتحمل فيه السعودية القدر الأكبر من التخفيض، وبالتالى حتى إذا ارتفعت الأسعار لمستوى 60 دولارًا للبرميل، فسينتهى الأمر بالسعوديين بإيرادات أقل.
فماذا إذن تسبب فى فشل الاستراتيجية السعودية؟ والإجابة هى خليط من الغطرسة، وعدم الخبرة، والأهم من ذلك الفشل فى فهم تطور سوق البترول، خاصة دور القطاع الأمريكى.
كما أن الاستجابة الغريزية لتحديات الأسعار هى تخفيض التكاليف على الأقل من خلال التكنولوجيا، ومن الواضح أن السعوديون لا يفهمون كيف يعمل اقتصاد السوق الحقيقى، ولذلك، فإن جميع الخطابات بشأن الخطط الاقتصادية الجديدة للدولة والمبنية على العروض التقديمية الخرافية من شركات الاستشارات ستواجه حائطًا مسدوداً، وكذلك البيع المقترح لحصة أقلية فى شركة «أرامكو»، وذلك لأن السعودية ببساطة غير مستعدة لمستوى الشفافية – على الأقل بشأن الاحتياطيات – الذى تتطلبه بورصتى لندن أو نيويورك.
ولكن هل من الممكن أن يتغير ذلك؟ بالتأكيد المسئولين السعوديين مثل «خالد الفالح وزير النفط» هم تكنوقراطيون وقادرون على إدارة الاقتصاد بشكل أكثر معقولية، وهناك سعوديون مخضرمين سياسيًا يدركون أن الدولة لن تجنى سوى الخسارة إذا تصاعد صراعها مع إيران وازدادت عزلتها.
ولكن للأسف، فإن «الفالح» هو واحد من ناس قلائل من هؤلاء الفئات، والذى بقى للعمل فى الحكومة السعودية، بينما انتقل معظمهم إلى لندن أو نيويورك بعيدًا عن المؤسسة الوهابية، وبدون وجودهم يبدو التغيير الحقيقى مستحيلاً.
وفى أى أعمال طبيعية، مثل هذا الفشل الاستراتيجى تطير فيه رقاب، ولكن فى السعودية الرقاب لا تطير، وبالتالى من الصعب رؤية كيف التغييرات الضرورية ستحدث بينما المسئولين عن الفشل خلال العامين الماضيين هم من العائلة المالكة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»