تشتمل التكاليف المباشرة للإرهاب على قيمة الممتلكات المتضررة من العمليات الإرهابية مثل المصانع والمعدات والمنازل والهياكل والمنتجات، كما تشمل أيضاً ما يتصل بالعمل الإرهابى من إضرار بالنشاط الاقتصادى، وما ينتج عنه من فقد للأجور ومختلف أشكال الدخل. وعلى الرغم من صعوبة تقديرها وإخضاعها للقياس، فإن الأضرار النفسية والحسية وخسائر الأرواح يجب أن يتم تقديرها أيضاً ضمن التكاليف المباشرة للعمل الإرهابى.
وإذ قدّر المسح الذى أجرى عن تكاليف أحداث الحادى عشر من سبتمبر (Survey of Current Business (2001) قيمة الممتلكات الخاصة التى تم إتلافها بنحو 14 مليار دولار، فقد خسرت المنشآت الحكومية نحو 2.2 مليار دولار، كما قدّر فاقد الأجور والرواتب نتيجة لتوقف الأعمال بنحو 3.3 مليار دولار، وتكاليف إزالة مخلفات الأحداث بنحو 10 مليارات دولار، أما عن تكلفة الخسائر البشرية، فلو تم الاعتماد على تقرير وزارة النقل الأمريكية الصادر عام 2005 والذى قدّر القيمة الإحصائية لخسارة النفس البشرية بـ 5.8 مليون دولار فإن إجمالى ما يمكن تقديره من خسائر بشرية يصبح حوالى 46 مليار دولار، دون أن يؤخذ فى الاعتبار تكاليف الألم البدنى والنفسى للمصابين، وذوى الضحايا الذين قضوا فى الأحداث، كذلك قام «نافارو» و«سبنسر» عام 2001 بتقدير الخسائر فى الناتج المحلى الإجمالى بنحو 47 مليار دولار بما يجعل إجمالى التكاليف «المباشرة» لأحداث الحادى عشر من سبتمبر وحدها تتراوح بين 80 و90 مليار دولار.
أما عن التكاليف «غير المباشرة» للهجمات فكان من الصعب تقديرها، وهى تتعلق عادة بالأثر على السياحة والاستثمار الأجنبى وتدفقات رؤوس الأموال والتجارة الخارجية وكذلك تكاليف ومخصصات مكافحة الإرهاب مستقبلاً وأثر كل ذلك على الناتج الإجمالى.. ومع ذلك فإن قطاع السياحة والسفر يمكن أن يكون أكثر القطاعات تضرراً بالأحداث (تماماً كما هو الحال فى الحوادث الإرهابية التى استهدفت السياح فى مصر) وقد قدّر التراجع فى حجم الطلب على السفر بالطيران بنسبة 37.4% كنتيجة لهجمات الحادى عشر من سبتمبر، كما تراجع إجمالى عائدات السفر بالطيران بنحو 1.5 مليار دولار، فيما قدّرت خسائر الأوراق المالية فى بورصتى نيويورك وناسداك بنحو 1.7 تريليون دولار.. خلاصة الأمر، أن التكاليف غير المباشرة للإرهاب عادة ما تكون أكبر كثيراً من التكاليف المباشرة.
هذا المثال يعطينا تصوراً عن تكاليف وقوع حادث إرهابى واحد، فإذا تم ضرب تلك التكاليف فى نسبة تعكس احتمالا كبيرا لوقوع هجمات إرهابية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن المحصلة تكون كبيرة للأضرار، بما يتطلب تدابير وضوابط للحد من تلك المخاطر وهذا ينقلنا إلى عنصر آخر فى معادلة المخاطر الأمنية، وهو عنصر التدابير الأمنية ومنها جهود مكافحة الإرهاب والتسلّح، ويتوقف نجاح تلك الجهود على عدد من العوامل أهمها:
• استدامة حملات مكافحة الإرهاب: بما يحولها إلى ضريبة دائمة على الاستثمار والسياحة.
• حجم الاقتصاد المستهدف بالإرهاب: الذى كلما كان كبيراً كانت قدرته على استيعاب آثار العمل الإرهابى كبيرة.
• درجة الانفتاح على العالم الخارجى: التى كلما ازدادت كان الضرر من العمل الإرهابى كبيراً.
• مدى اتباع الدولة لآليات اقتصاد السوق: والتى أبرزت نجاحاً فى استيعاب أثر الأحداث أكبر من الاقتصادات الموجهة.
التدابير الأمنية والمشتريات الدفاعية فى ذاتها تحمّل الدولة تكلفة كبيرة تضاف إلى تكاليف العمليات الإرهابية. فى منتصف ديسمبر 2015 أطلق معهد استوكهولم تقريره السنوى عن تجارة السلاح العالمية والذى قدّر النمو فى حجم الإنفاق على متطلبات الدفاع فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 12.1% عام 2013، مسجلاً ما قيمته 120.6 مليار دولار، مما يجعل المنطقة الأسرع نمواً فى الإنفاق العسكرى بين مختلف مناطق العالم. وقد شهد العام 2013 انفراد أربع دول من منطقة الشرق الأوسط بالمراكز الأولى بين أكبر خمسة أسواق نمواً فى مجال الإنفاق على الدفاع، حيث بلغت نسبة الإنفاق العسكرى فى دول الشرق الأوسط 7.8% من إجمالى الإنفاق العسكرى لدول العالم مقارنة بما نسبته 5.2% عام 2008.
النمو المتسارع للإنفاق العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حدا بالتوقعات إلى تقدير حجم ذلك الإنفاق خلال الفترة بين عامى 2014 و2020 بنحو 920 مليار دولار على الرغم من التراجع المستمر فى أسعار النفط.
وبينما يعد الاستثمار فى الدفاع ضرورة قصيرة الأجل للتعامل مع الصراعات الإقليمية المتفجرة فى العراق وسوريا واليمن، فإن سباق التسلّح من المنتظر أن يتسبب فى تفجير مخاطر طويلة الأجل تهدد استقرار المنطقة بأكملها وتشعر معها مختلف الأطراف بعدم الارتياح فى خوض المفاوضات بما تزيد معه معضلة الأمن، والتى تزداد تعقيداً كلما كان ارتفاع حجم الإنفاق العسكرى سبباً فى تراجع الأمن وليس العكس.
الأصل فى ضوابط إدارة المخاطر الأمنية، أن تكون تكلفة تفعيلها أقل من تكلفة تحقق الضرر، وإلا فمن غير المنطقى أن تلجأ الدولة إليها. إذن زيادة الإنفاق على أنظمة الدفاع وتعزيز القدرة العسكرية للدول التى تواجه مخاطر أمنية حقيقية من مصادر خارجية هى فى الغالب شر لابد منه، وإذا عدنا إلى تعريف الولايات المتحدة للمخاطر الإرهابية التى تستوجب التحرك العسكرى وهى: أن تكون عالية، آنية، ديناميكية، ملحة، ومتصاعدة، نجد أنها جميعاً متوافرة فى إقليم واحد على الأقل فى مصر، وهو إقليم قناة السويس الأهم من عدة نواحٍ بعضها يتصل باعتبارات الأمن القومى ومعظمها يتصل بالاقتصاد وفرص التنمية.
لكن بالطبع هناك بدائل أقل تكلفة لتحقيق الأمن أو الحد من مخاطر العمليات الإرهابية والإجرامية من الإنفاق العسكرى منها على سبيل المثال:
تجفيف المنابع الأيديولوجية للإرهاب وما يقتضيه ذلك من اهتمام بالتعليم والثقافة ومحاربة الفكر المتطرف والعنف باسم العقيدة
القضاء على العشوائيات التى هى بيئة خصبة لمختلف الأمراض الاجتماعية
تحقيق تنمية اقتصادية وعمرانية شاملة بالأقاليم الأكثر عرضة للمخاطر الأمنية وأهمها إقليم قناة السويس بمحافظاته الخمس.
حسن توظيف وسائل الإعلام الاجتماعية وأدواته الحديثة لنشر أفكار معتدلة وقيادة حركة تنويرية بالمنطقة.
والحديث يطول فى تلك المسألة بما تضيق معه مساحة المقال، لكن إدارة المخاطر الأمنية من هذه الوجهة تحتاج بداية إلى نموذج متكامل يبدأ بتحديد السياق العام والأهداف وينتهى بعدد من الضوابط الفاعلة.
خبير الاقتصاد والتمويل وإدارة المخاطر