منذ أيام صدر عن مجموعة البنك الدولى تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018. التقرير يرصد أداء الدولة ومناخ الأعمال فيها عبر عدد من المؤشرات خلال الفترة الممتدة من يوليو 2016 وحتى نهاية يونيو 2017.
مؤشر أداء الأعمال صدر عنه حتى اليوم 15 تقريراً سنوياً، تهدف إلى تحرّى الإجراءات التنظيمية التى من شأنها تحسين نشاط الأعمال، وتلك التى تقيّده خلال العام.
التقارير تقدّم مؤشرات كميّة حول تنظيم وحماية حقوق الملكية فى نحو 190 دولة، وتقيس تلك المؤشرات أثر النواحى التنظيمية المشار إليها على عدد من المتغيرات المهمة مثل: بداية الأعمال، التعامل مع تراخيص البناء، الحصول على الكهرباء، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية حقوق الأقليات من المستثمرين.
بتتبّع تقارير ممارسة أنشطة الأعمال خلال إصداراتها لأعوام 2016 و2017 و2018 يتضح لنا تحسّن أداء مصر بشكل عام لتصعد من المركز 133 (من بين 189 دولة) فى تقرير 2016 إلى المركز 122 (من بين 190 دولة) فى تقرير عام 2017، كذلك يتضح تراجع مصر إلى المركز 128 (من بين 190 دولة) فى تقرير عام 2018 مع ملاحظة تحسّن طفيف فى أداء مؤشرات مصر الفرعية يقدّر بنحو 0.1، على الرغم من تراجعها فى الترتيب العام المقارن.
الملفت فى المؤشرات الفرعية للتقرير، أن أسوأ أداء مقارن لمصر تمثّل عبر السنوات الثلاث فى: «مؤشرات التجارة عبر الحدود» التى تدهور ترتيب مصر وفقاً لمؤشراتها الفرعية من المركز 157 إلى المركز 168 ثم إلى المركز 170، تتضّمن المؤشرات الفرعية للتجارة عبر الحدود الوقت والتكاليف المستلزمة لاستخراج الوثائق والتراخيص المطلوبة للتصدير والاستيراد.
كذلك كان المكوّن الخاص بإلزام العقود enforcing contracts من أسوأ المؤشرات أداءً بالنسبة لمصر عبر السنوات الثلاث، تقيس المؤشرات الفرعية لهذا المكوّن: الوقت والتكلفة وجودة إجراءات التقاضى فيما يتعلٌّق بإلزامية العقود المبرمة.
تدهور ترتيب مصر من المركز 155 إلى المركز 162 ثم تحسّن قليلاً فى التقرير الأخير إلى المركز 160 (تستغرق عملية إلزام العقود فى مصر أكثر من ألف يوم)، فيما يخص سداد الضرائب، تراجعت مصر عبر مؤشرات «عدد مرّات السداد خلال العام» و«الوقت المستلزم للسداد» و«نسبة الضرائب إلى الأرباح» من المركز 151 إلى المركز 162 ثم إلى المركز 167، هذا التدهور المستمر فى سياق متطلبات الإصلاح الضريبى التى التزمت بها الحكومة المصرية فى برنامج الإصلاح الأخير.
لكن أكثر المؤشرات الفرعية غرابة وأكثرها دلالة على انفصال وزارة الاستثمار عن واقع أزمة الاستثمار فى مصر هو التحسّن الكبير فى مؤشر بداية أنشطة الأعمال من المركز 73 إلى المركز 39، ثم انتكاسة ترتيب مصر بصورة مربكة إلى المركز 103 فى التقرير الأخير، الشاهد أن أزمة الاستثمار لم تكن مع القوانين والتشريعات (التى ساهم التأخر والارتباك فى تعديلها فى مضاعفة حدة الأزمة)، لكن أزمته الحقيقية مع الإجراءات والتعقيدات كما سبق أن أكدّنا عبر العديد من وسائل الإعلام، ففى التقرير الأخير زاد عدد الإجراءات وعدد الأيام التى يتطلبها بدء النشاط، وهو أمر غريب لا يتسق مع تصريحات الوزارة وبياناتها الصادرة فى هذا الخصوص، علماً بأن التقرير يصدر بالتباحث مع عدد من العاملين فى الهيئة العامة للاستثمار، والذين تقدّم لهم مصدرو التقرير بالشكر، هذا التراجع يخصم الكثير أيضاً من ثمار قرار التعويم، الذى شعر المواطن بضريبته ولم يغتنم ثماره المرجوّة على صعيد مؤشرات تحسّن التجارة الخارجية (الأحجام لا القيم والفواتير) ولا بدء نشاط الأعمال والحصول على الائتمان (خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة)، حتى مكوّن التخارج من أزمات التعثّر شهد تراجعاً لمصر من المركز 109 فى تقرير عام 2017 إلى 115 فى التقرير الحالى، علماً بأن مؤشرات قياس هذا المكوّن تتمثّل فى الوقت المستلزم (يستغرق 2.5 سنة فى التقرير الأخير) والتكاليف، ومعدّل الاسترداد، وقوة الإطار العام الذى تتم من خلاله عمليات حل أزمات التعثّر.
تراجع ترتيب مصر أيضاً من حيث سهولة وتكلفة تسجيل الملكيات، وكذلك سهولة التعامل مع تراخيص البناء، ولكن بدرجة أقل نظراً للتحسّن الكبير فى المؤشر الأخير خلال تقرير العام الماضى).
من أبرز المؤشرات الشاهدة على تحسّن أداء مصر، هو المتعلّق بالحصول على الكهرباء من أجل ممارسة الأعمال، تقدّمت مصر من المركز 144 إلى المركز 88، ثم تراجعت قليلاً إلى المركز 89، التحسّن كان بفضل تخفيض عدد الأيام المطلوبة للحصول على الكهرباء لبدء النشاط، لكن تكلفة الحصول عليها ارتفعت بشكل كبير من 244.9 (كنسبة من نصيب الفرد من الدخل القومى) فى تقرير عام 2017 إلى 324.7% فى التقرير الأخير الذى شهد التعويم.
كذلك كان مؤشر حماية الأقليات الاستثمارية من أفضل المؤشرات الفرعية أداءً، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق، نتيجة لوتيرة التحسّن المستمرة، والتى صعدت بمصر من المركز 122 إلى المركز 114 ثم إلى المركز 81، ويرجع الفضل فى هذا الأداء إلى تحسين المناخ التنظيمى الحاكم للقطاع المالى غير المصرفى خلال سنوات المقارنة، هذا فى الوقت الذى نشهد خلاله تراجعاً مستمراً فى ترتيب مصر وفقاً لمؤشرات الحصول على الائتمان، من المركز 79 إلى المركز 82 ثم إلى المركز 90، وهو ما يعكس إلى حد كبير أداء القطاع المالى المصرفى فيما يخص سهولة منح الائتمان.