إذا ما رغبت الدولة فى جذب مزيد من الاستثمارات فإنها تتجه مباشرة إلى تطوير بيئة الأعمال لديها، وأهم معطياتها هو الإطار التشريعى والمؤسسى المنظم للاستثمار، مثل وجود قانون واضح للاستثمار يوضح طبيعة العلاقة ما بين المستثمر والدولة، وجهات مؤسسية محددة تعمل على تيسير العمل دون بيروقراطية، بالإضافة إلى تحديد التوجهات التنموية، بمعنى تحديد القطاعات ذات الأولوية لدى الحكومة، والتى يمكن أن يتوجه إليها المستثمر باستثماراته، وكذلك تحديد المناطق الجغرافية التى يمكن تنفيذ تلك الاستثمارات فيها وفقاً للقطاعات الاستثمارية المستهدف تنميتها.
وفى ذلك الإطار تتفنن الدول لجذب المستثمرين، بل والعمل على تكريس حوافز الاستثمار فى تلك المناطق وفقاً للقطاعات المستهدف تنميتها.
تلك الخطوات بدأتها حكومتنا بالفعل أملاً فى تشجيع المستثمرين على المجىء إلينا، فلا بديل عن التيسير على المستثمر بهدف جذب مزيد من الاستثمارات، فتحقيق الطفرة فى تنمية الاستثمارات لن يتحقق إلا من خلال الإصلاح المؤسسى واستهداف وضع سياسة صناعية واضحة المعالم للمستثمر القادم سواء أكان مستثمر محلى أم أجنبى.
واستناداً إلى ذلك تم إطلاق قانون الاستثمار، والعمل على وضع لائحته التنفيذية، كما تم الإعلان عن الخرائط الاستثمارية للمحافظات، وهو الأمر الإيجابى الذى يوضح الفرص الاستثمارية التى يحتاجها الاقتصاد المصرى، وفقاً للإمكانيات الاقتصادية المتاحة والتى تحتاجها كل محافظة، لكن الشىء المؤسف هو عدم التنسيق بين الوزارات المعنية بتلك الخرائط.
وهو الأمر الذى أصاب المتابع بنوع من عدم الاستيعاب لأهداف تلك الخرائط، فالقارئ وجد نفسه أمام نوعين من الخرائط الاستثمارية، كلاهما واضح من سياق التصريحات الإعلامية أنها ستحقق الفائدة إلى الاقتصاد المصرى، لكن، ما وجه التشابه أو الاختلاف بين تلك الخرائط، لم يجد القارئ من يجيب عليه.
فوجدنا نوعاً من الخرائط يسمى «خرائط الاستثمار الصناعى»، وتستهدف نشر النشاط الصناعى فى مختلف محافظات الجمهورية، وتضم أكثر من 4 آلاف فرصة فى عدد فى 8 قطاعات صناعية رئيسية وهى الهندسية والكيماوية والغذائية والدوائية والمعدنية وصناعة الجلود والصناعات النسيجية.
وهى خريطة استثمارية متكاملة للقطاع الصناعى، تشتمل على كل احتياجات القطاع الصناعى فى جميع المحافظات، وستصل عدد الفرص الاستثمارية التى تشتمل عليها الخريطة إلى نحو 300 ألف فرصة عمل مباشرة، بخلاف الفرص غير المباشرة.
“لغاية كدة كلام جميل”
إلا أنه ظهر فى ذات يوم تلك التصريحات الإعلامية، تصريحات إعلامية موازية، صادرة من وزارة اقتصادية أخرى، تعلن فيه تلك الوزارة أنها بصدد وضع اللمسات النهائية على خريطة مصر الاستثمارية التفاعلية الشاملة، وستشتمل على جميع الفرص الاستثمارية فى محافظات الجمهورية بجميع المجالات، وستتضمن تلك الخريطة الفرص الاستثمارية فى محافظات الصعيد إضافة إلى مشروعات قومية، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات إلى هذه المشروعات لتنمية الصعيد.
كما تم الإعلان على أن خريطة مصر الاستثمارية ستضم الفرص الاستثمارية الحالية بأنواعها سواء من القطاع العام أو الخاص، والاستثمارات القائمة وقصص النجاح، ومقومات المحافظات والبنية التحتية المتاحة، والمناخ الاستثمارى والحوافز وفقاً للاستثمار بالمشاريع التنموية، وعرض عام للمشاريع القومية بهدف الترويج لها وإتاحة المعلومات، “وده كلام جميل برضه”.
لكن السؤال، ما هو وجه التشابه أو الاختلاف ما بين خريطة الاستثمار الصناعى، وخريطة مصر الاستثمارية؟
هل هما وجهان لعملة واحدة، أم إنهما يتنافسان؟
أعلم أن المنافسة مطلوبة، للوصول إلى الأداء الأفضل، لكن يجب أن يكون الهدف الأسمى هو المصلحة العامة، والوصول إلى التكامل عند نقطة معينة، وهذا الكلام، ما كنت أتمنى أنا وغيرى أن نسمعه.
د/ شيماء سراج عمارة
[email protected]