التفاعل البشرى «Engagement» هى كلمة عصرية أصبحنا نكررها كثيرا، بل قد نكون أفرطنا فى استعمالها بحثا عنها. دفعنا إلى ذلك إحجام الأبناء والطلاب والأصدقاء والموظفين عن التفاعل والمشاركة بالقول أو الفعل أو النصيحة.
لذلك دعونا نحاول تحليل أسباب «قلة التفاعل» بشكل بسيط وبدون تعقيدات فلسفية، دعونا نتحدث عما يريده البشر حقا فى حياتهم العادية بكل بساطة ووضوح لنصل إلى قلب المسألة. البشر هنا قد يكونون أسرتك أو أصدقاءك أو عملاءك، أو طبعا موظفيك والذين سيكونون محور حديثنا.
البشر يريدون دوما أن يكونوا جزءا من شيء ناجح؛ فمن جاور السعيد يسعد. أن يكونوا جزءا من شيء له قيمة حقيقية وغالبا يجب أن يكون أكبر منهم فيضيف إليهم ويحقق لهم السعادة أو يرشدهم لها. يجب أن نساعد البشر فى معرفة كيف يفعلون ما يحدث فرقا للآخرين أو للمجتمع أو العالم. والأهم من ذلك، مساعدتهم على معرفة سبب أهمية هذه المهمة. فالبشر يريدون أن يعرفوا ما المتوقع منهم وما السلوكيات التى تسعد الآخرين حولهم.
أحيانا يبنى المدير التوقعات فى خياله ولا يبذل الجهد والوقت اللازم لتوضيح هذه «التوقعات». عندما يعرف العاملون ما المتوقع منهم حقا، فإنهم سيعملون بإنتاجية أعلى وتحت ضغط أقل. هل يعرف أحبابك وأصدقاؤك وفريق عملك ما تتوقعه منهم؟؟ بل هل يعرف ابناؤك ما تتوقعه منهم؟؟ هل يعرفونه حقا؟؟ هل خصصت الوقت والجهد (مؤخرا) لمناقشة وتوضيح وتحديث توقعات واحتياجات العمل أو الأسرة؟؟
نحن دوما نشرح لشباب المديرين أهمية أن تكون أهدافك محددة ونؤكد على وصف كينونة الهدف وأنه يجب أن يكون واضحا وقابلا للتحقيق وذات قيمة وأخلاقيا، فعندها فقط يتحول الجمهور من متفرج إلى مشارك فى المنافسة، فالبشر قادرون على المنافسة بشكل طبيعى إن قمت بتوضيح أهداف مؤسستك بسلاسة ويسر. الأهداف الواضحة الأخلاقية تدفع إلى الارتياح والسعادة. هل قمت بمساعدة موظفيك بتوضيح الأهداف التى سيعملون على تحقيقها؟؟
البشر يبحثون عن «المخلص – المنقذ» فتجد الكثير من الجمل المأثورة تتحدث عن أن «إللى ملوش كبير يشتريله كبير». البشر يريدون أن يشعروا بأنهم على اتصال مع أشخاص آخرين ذوى شأن، والعمل هو المكان المنطقى لتلبية هذه الحاجات فنحن ننفق فى العمل ساعات أطول من أى نشاط آخر فى أى مكان آخر. ولذلك، هل تسمح بيئة العمل لديك بتطوير علاقات عمل قوية بين الموظفين؟؟ وهل يشعر العاملون بارتباط شخصى مع مديريهم وقيادات الشركة؟؟
البشر يريدون أن يكونوا بجانب وحول الأفراد الذين يؤمنون بهم ويطمحون أن يكونوا مثلهم. ومن المؤكد أننا كقادة ومديرين سوف نبذل قصارى جهدنا عندما نعلم أن هؤلاء يريدون الأفضل لنا ولهم. فهل أنت فعلا تؤمن بقدرات وإمكانيات موظفيك؟ وإذا كنت تؤمن بقدراتهم فهل يعرفون؟ وإذا كانت الإجابة كما هو متوقع بلا فلماذا لا؟؟؟ وإذا كنت فى قطاع خدمى مبنى على الثقة كالرعاية الصحية؛ فكيف تتوقع أن ينجح موظفيك فى كسب ثقة عملائك فى أدائهم وأداء المؤسسة ككل وهم لم ينجحوا فى أن يكسبوا ثقتك أنت شخصيا!!
نحن قطعا نتحدث عن بشر وليس روبوتات كالـ«هيومانويد» التى ظهرت مؤخرا. فالبشر لا يريدون أن يكونوا مثل الروبوتات. حتى فى أكثر الوظائف تنظيما، هناك دائما مجال للحرية والاختيارات الشخصية. فهل تعطى مساحة للعاملين للتعبير عن أنفسهم باختيار طريقتهم فى تنفيذ المهام التى يجيدونها؟؟
الخبر السار لكل مدير يقرأ هذه الكلمات أنه فعلا يستطيع خلق بيئة عمل مختلفة إذا أراد؛ فكل شيء حقا تحت سيطرتك بغض النظر عن ثقافة الشركة أو طبيعة مجالها. يمكنك أن تكون قائدا حقيقيا ينفذ بنفسه كل ما قرأه بهذا المقالة بشرط أن يكون لديك النية الصادقة لخلق هذا التفاعل وتحمل تبعاته وبذل الجهد الكافى لتوجيهه والاستفادة منه.
إن طلب التفاعل وتشجيعه من خلال جلسات للمناقشة والتفكير بصوت مرتفع سيساهم فى إشراك العاملين بشكل جيد وسيجعل من السهل تبادل الأفكار بينهم بشكل حيوى لا يجبر المدير على تنفيذ كل فكرة تصل إليه. ولكن إذا كنت تدعو الموظفين للمشاركة فى جلسات للعصف الذهنيى فعليك تقييم تلك الأفكار التى سيقدمونها وإعطاء رد عليها سواء بالموافقة أو الرفض أو التعديل أو التأجيل مع شرح حيثياتك فى ذلك. الأشخاص الأكثر تفاعلا غالبا ما يكون لديهم وجهة نظر وأفكار يودون مشاركتها لتحقيقها أو تحسينها.
بالتأكيد نحن جميعا بحاجة إلى المال من أجل ضروريات الحياة. ولكن المال وحده ليس أقوى حافز يمكن تقديمه لشخص ما. ورغم اقتناعى بأن المال ليس من المحفزات القوية على التواصل بين البشر، ولكن يمكن استغلاله بشكل ما لجذب الانتباه وبدء الحوار حول موضوع مهم مشجع بطريقة إيجابية يتم فيها تبادل الأدوار فى إرسال واستقبال الرسائل.
انصحكم بتجربة إعلان مكافأة مالية مجزية شهرية لكل من يتقدم بفكرة تحدث تأثير فعلى فى أنشطة الشركة بشرط أن تكون فكرة متكاملة وليست مجرد توصية لتحسين الأداء. وقم فعليا بإعطاء مكافأة لكل من تقدم بفكرة حقيقية وليس لأفضل فكرة فقط. هذا الطريقة ستخلق تفاعلا بين الجميع لمعرفة من سيستطيع فعلا أن يضيف وليس من سيحصل على مكافأة مالية.
لقد أصبح دعم المشاركة والتفاعل بين الموظفين مهمة إدارية جليلة من مهام الإدارة العليا. وعلى مجالس إدارة الشركات التى ترغب فى بناء قوة عاملة متعاونة متفاعلة التركيز على تحفيز الإدارة التنفيذية لأداء هذه الوظيفة المحورية لمستقبل الشركة بهمة وكفاءة. إن تحقيق التفاعل بين مختلف أقسام المؤسسة ومختلف مستويات العاملين بها لا يقل أهمية عن تحقيقض الأهداف المالية للمؤسسة. فالأكثر نفعا للبشر سيكون هو بالضرورة الأكثر نفعا للمؤسسات، وتحسين العلاقات بين البشر من خلال التفاعل الجيد المنتج هو أنجح وأضمن طريق لاستمرار نجاح المؤسسات.
رؤية: د.خالد سمير
العضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون
د.محمد أبوشادى
-الرئيس التنفيذى- هيلثرز لحلول الرعاية الصحية