بقلم: ساديا زاهيدى
مدير التعليم والجنس والعمل فى منتدى الاقتصاد العالمى
عادةً يتركز الجدل بشأن التكنولوجيا، والعمل فى الغرب على المخاطر التى يشكلها الروبوت، والحلول الحسابية على أمن الوظائف، أما فى أجزاء أخرى من العالم، فيُحدث التقدم التكنولوجى ثورة ثقافية واقتصادية.
وهذه هى الحالة تقريباً فى معظم دول العالم الإسلامى، وتخوض هذه الدول، التى تشكل 20% من سكان العالم، و12% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، واحداً من أكبر التحولات فى سوق العمالة فى التاريخ بقيادة المرأة.
ومنذ أكثر من عشر سنوات، كان عدد النساء العاملات فى أكبر 30 اقتصاداً ذوات اﻷغلبية المسلمة 100 مليون فقط، والآن وصل إلى 155 مليون، ورغم أن ذلك لا تزال حصة صغيرة من إجمالى السكان فى سن العمل، فهو تحول استثنائى.
ورغم أن الاستثمار فى التعليم، وتغير المعايير الاجتماعية والحاجات الاقتصادية كلها لعبت دوراً فى هذا التحول، فإنَّ القوة المحركة الرئيسية هى ظهور التكنولوجيا كوسيلة تمكن من العمل.
كما أن أحد أسباب الزيادة فى أعداد النساء العاملات هو ظهور المرأة كرائدة أعمال تكنولوجية، وبدلاً من الصورة التقليدية لشاب يرتدى سويت شيرت والتى نربطها برواد الأعمال فى «سيليكون فالى»، تقابل فى العالم الإسلامى فتاة شابة بغطاء رأس، وتقوم أعمالهن فى العادة على الدخل القابل للصرف لنساء عاملات أخرى.
وسواء كانت هذه الأعمال منصات لرعاية الأطفال والنقل الآمن، أو الغذاء أو الملابس، فإنَّ هذه المتاجر الرقمية تستهدف جيلاً جديداً من نساء متعلمات على دراية بالتكنولوجيا، وهو سوق مربح غير مستغل، حيث يشكل إجمالى دخول النساء العاملة فى العالم الإسلامى حوالى تريليون دولار.
ولا تتجه معظم النساء المسلمات العاملات إلى ريادة الأعمال واسعة النطاق، وإنما العامل الثانى وراء هجرة النساء إلى القوة العاملة هو اقتصاد المشاركة، ورغم أن هذا الاقتصاد أصبح مرادفاً فى الاقتصادات المتقدمة لظهور الطبقة الخطرة اقتصادياً الجديدة، فإنَّ هناك اختلافات مهمة بين سائق «أوبر» فى لندن، وسائق «ليفت» فى سان فرانسيسكو، وسائق «كريم» فى جدة، أو سائقة «لادى جيك» فى جاكرتا.
ففى الدول الناشئة، خاصة تلك فى العالم الإسلامى، يرحب صغار رواد الأعمال الذين ليس لديهم شبكات أمان اجتماعى باقتصاد المشاركة باعتباره نظاماً حديثاً فى الدفع والأمن والحراك الاجتماعى المحتمل، ويحرر اقتصاد المشاركة النساء بشكل خاص.
ويقدم اقتصاد المشاركة فرصة غير مسبوقة للنساء لتجاوز القيود الثقافية على وقتهن وقدرتهن على التنقل، ويوفر لهن فرصاً جديدة لمشاركة مهاراتهن من القيادة إلى الطبخ والتشفير، وأصبح فجأة لديهن ملعب متساوٍ نوعاً ما مع الرجال، وهو ما يفتقرن إليه فى المكاتب التقليدية.
وأصبح ذلك ممكناً جزئياً نتيجة الخيارات التى أصبح بإمكان المرأة اختيارها بشأن تعليمها، وهناك 5 دول فقط فى العالم؛ حيث تشكل الفتيات حصة أكبر من الطلاب الذكور الذين يسجلون فى مواد علمية وتكنولوجية وهندسية، من بينها بروناى والكويت، وهما صاحبتا أغلبية مسلمة.
وفى 18 دولة أخرى، تشكل النساء 40% أو أكثر من هؤلاء الذين يسجلون فى هذه المواد، وأكثر من نصف هذه الدول ذات أغلبية مسلمة، وهى الجزائر، وأذربيجان، والبحرين، والأردن، وماليزيا، وعمان، وقطر، وسوريا، وتونس، الإمارات، وفى السعودية وإيران تبلغ نسبة النساء المتخصصات فى هذه المجالات 38% و34% على التوالى، بينما تبلغ النسبة فى الولايات المتحدة 30% فقط، وفى بريطانيا 36%.
ومع التحاق المزيد من النساء بالتعليم العالى فى العالم الإسلامى، فقد تبين أن نقص النماذج الناجحة هو نعمة وليس نقمة؛ لأن ذلك ترك لهن حرية اختيار ما يريدن أن يدرسن بدلاً من التأثر بنماذج مكررة، ولأن كل شىء كان غير مسموح لأمهاتهن وجداتهن، يبدو أنه لا يوجد شىء غير مسموح به لهن.
وتعطش الشركات للمواهب، دفعها للاستعانة بأفضل من يتقدم لهم، ومن بينهم تلك النساء المتعلمة، لملء الأدوار بدءاً من تكنولوجيا المعلومات إلى الهندسة، وهذا خلق قوة عاملة رقمية من المحتمل أن تكون أكثر مساواة بين الجنسين من الكثير من الدول الغربية.
وتوجد بعض الحواجز عندما يتعلق الأمر بتحويل الدرجات العلمية إلى وظائف، وبعض التحيز فيما يتعلق بالتقدم الوظيفى والترقيات، ومثل ما يحدث فى الغرب، تترك بعض النساء قوة العمل لإنشاء أسرة، ومع ذلك، لدى الكثيرات أنظمة دعم تمكنهن من مواصلة العمل، مثل العائلات الممتدة؛ حيث يهتم الجد والجدة بالأطفال، أو قيام العمالة منخفضة المهارات والرخيصة بالأعمال المنزلية.
وسوف تدخل المزيد من النساء الشابات فى القوة العامة خلال السنوات المقبلة، وبدأت الشركات متعددة الجنسيات والمحلية التنبه لهذا الاتجاه، ويتعين على الحكومات القيام بالمثل، وقد يتضح أن مساعدة جيل من أرباب الأعمال والمستهلكين ودافعى الضرائب المستقبليين ذوى الدراية بالتكنولوجيا، هو أكبر عائد يمكن جنيه على الاستثمار المالى والاجتماعى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»