قبل 18 عاماً استقبلنى الدكتور ياسر أيوب، سكرتير تحرير مجلة الأهرام الرياضى آنذاك، فى مكتبه عقب تخرجى مباشرة، وبدأت أتحسس معه طريقى إلى الصحافة، وبعدها بأسبوعين نشر لى تحقيقاً شغل صفحتين وجاء عنوانه وصورته على غلاف المجلة الأكثر شهرة ومبيعاً فى ذلك الوقت، إلا أننى تعلمت منه عدة دروس لم أنساها، فعندما استقبلنى فى اليوم التالى بمكتبه العامر آنذاك بنجوم هذه المجلة الغراء، قال لهم: «هو ده اللى بقول لكم عليه، لا أعرفه وواضح طبعاً أنه مش قريبي، ههههه، لكنى مستبشر خيراً بمستقبله».. وتلقيت تهانى وكلمات تشد أذرى فى مستهل مشوارى بهذه المهنة الجالبة للآلام وليس المتاعب فقط.
الدرس الأول الذى وعيته جيداً، أن الواسطة لا يمكنها أن تكون شهادة نجاح وإنما هى دليل على الفساد وعدم إمكانية الاستمرار بشكل مهنى محترم، مهما كان حجم وشأن الواسطة، فبمرور الأيام وتوالى الأخبار والتقارير وقراءة الأحداث ومحاولة القفز عليها لاستشراف المستقبل، لا يمكن لمن دخل السوق بالواسطة أن يستمر، والبقاء سيكون للأصلح لا محالة.
فى مرحلة تالية، عندما دخلت سوق الصحافة الاقتصادية، من بوابة ثانى جريدة اقتصادية خاصة تصدر فى مصر، علمت أن المهم أن تكون صحفياً، قابل للاندهاش وراغب فى التحقق والتأثير فى مجريات الأحداث، وعليك أولاً بالاجتهاد وامتلاك أدواتك لتكون قادراً على تقصى الحقائق، والوصول إلى ما لم يصل له الآخرون، أو المحاولة على أقل تقدير.
أما الدرس الثالث فكان من الصديق مصطفى صقر، مؤسس صحيفة «البورصة»، ولكنه لم يكن أبداً درساً مباشراً وإنما يمكنك استنباطه من الحديث معه، والذى يستطيع تقديم حلول خلاقة وغير تقليدية لجميع المشكلات، بداية من كيف تصل إلى الخبر الذى تسعى إليه، وطرق أبواب لم تكن فى بالك، وعدم الرضا أبداً حتى استكمال القصة من كافة جوانبها، علاوة على التفكير النقدى الذى لا يكف عنه أبداً.
على مدار 6 سنوات، من بين العشرية الأولى فى عمر «البورصة»، كانت المهمة واضحة بالنسبة لي، ألا وهى اكتشاف نجوم جدد للصحافة الاقتصادية، غير الجذابة للكثيرين بطبيعة الحال، والعمل على إمدادهم بالأدوات اللازمة لخوض معركة التأثير فى الوسط الاقتصادي، ونقل خبراتي، على تواضعها، ومحاولة الوصول بهم إلى أعلى نقطة فى أقرب فرصة.
واعتقد أن الزملاء الذين وقع عليهم الاختيار، وشرفت بأن كنت أول من استقبلهم، وبعضهم لا يزال بيننا والآخر تخاطفته الصحف والوسائل الإعلامية المختلفة، كانوا على قدر الحدث، سعياً لتقديم محتوى صحفى يتسم بالدقة والمهنية والتوازن والموضوعية، ما استطعنا، فى ظل سوق صحفية متقلبة وأوضاع صعبة لا يتحملها إلا من لديهم حلم يعملون على تحقيقه.. والحمد لله قد كان.
والآن، وبعد سنوات عانت منها الصحيفة والعاملون بها، مما واجتهه الصحافة المصرية بشكل عام، وأكثر، من أمور ليس هذا وقت شرحها، ورغم الأوضاع المعشية الصعبة لشباب ضاعت أحلى سنواتهم فى خضم أحداث سياسية صعبة مرت بها البلاد، إلا أنهم مازالوا على العهد، يحلمون ويعملون ويجتهدون، ولا مانع لديهم من العمل فى الإجازات الأسبوعية، فقط لأنهم يؤمنون بأن لهم حق فى حياة أفضل ودولة أكثر تقدماً وعدالة فى توزيع الثروات وتقديم الكفاءات، فكان هذا العدد التذكارى بمرور 10 سنوات، الذى يحلمون فيه بمصر 2028.. مصر الفتية، القادرة على مواجهة تحديات المستقبل، وإدارة مواردها بأسلوب اقتصادى أفضل، والتى لا مكان فيها إلا للكفاءات والشفافية والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة.. فالله أدعو أن تتحقق أحلام هؤلاء الفتية والفتيات بمصر التى فى خاطرنا جميعاً.








