ديون القطاع الخاص تشكل 70% من إجمالى الناتج المحلى مقابل 33% فى 2007
ربما ساعدت الأحداث اﻷخيرة التى شهدتها اﻷرجنتين، فى إبقاء تركيا بعيدة عن عناوين اﻷخبار الفترة اﻷخيرة، ولكن البعض يعتقد أن القطاع المصرفى التركى ربما يقدم فى النهاية أحداثا أكثر دراماتيكية.
وقال ستيف جوهانسون، الصحفى المتخصص فى شؤون اﻷسواق الناشئة لدى صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إنه عندما يقوم بلد ما بتحمل ديون مقومة بالعملة اﻷجنبية، فإن آخر ما قد يرغب فى مشاهدته هو انخفاض قيمة عملته الخاصة.
ولكن لسوء الحظ، هذا ما شهدته تركيا، حيث انخفضت الليرة التركية بنسبة 12.6% مقابل الدولار منذ منتصف فبراير الماضى.
وبإلقاء نظرة واقعية على المقاييس، قال تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين لدى «رينيسانس كابيتال»، وهو أحد البنوك الاستثمارية التى تركز على الأسواق الناشئة، إن الرصيد الكلى لديون القطاع الخاص التركى قفز من 33% من إجمالى الناتج المحلى فى عام 2007 إلى 70% فى الوقت الراهن، وهو تراكم قابل للمقارنة مع ما شهدناه فى اليونان قبل أزمتها المالية فى عام 2009، كما أنه أمراً بعيداً عن اﻷرجنتين، التى وصلت فيها نسبة الدين الخاص بالكاد إلى 16% من إجمالى الناتج المحلى.
وشهدت تركيا أكبر ارتفاع فى نسبة دين القطاع المالى إلى إجمالى الناتج المحلى من بين 39 دولة متقدمة وناشئة تم تتبعها من قبل مؤسسة التمويل الدولى فى العام الماضى.
وارتفعت نسبة القروض إلى الودائع فى النظام المصرفى لتصل إلى مستوى قياسى يبلغ 120%، مع اعتماد القطاع المالى بشكل متزايد على الاقتراض من الخارج لتمويل أنشطته، لذلك عندما يتعلق اﻷمر بإجمالى الدين المقوم بالعملة اﻷجنبية، فإن تركيا تقع ضمن فئة قائمة بذاتها، حيث بلغت نسبة إجمالى الدين لديها 69.5% من إجمالى الناتج المحلى فى العام الماضى مرتفعة من 39.2% فى عام 2009، ومتفوقة عن بولندا التى تحتل المركز الثانى بنسبة 53.5% واﻷرجنتين التى تصل نسبة الديون لديها إلى 51%، وذلك بين 18 دولة كبرى تنتمى للأسواق الناشئة وتم تحليلها من قبل مؤسسة التمويل الدولى.
وقال الخبير الاقتصادى فى شؤون اﻷسواق الناشئة لدى شركة «كابيتال إيكونوميكس»، جيسون توفي، إن المخاوف تساوره حول المخاطر التى تتعرض لها البنوك التركية، نظراً لأن ارتفاع سعر الإقراض بالدولار بنسبة 60% فى الأعوام الخمسة الماضية ربما يكون علامة على تراجع معايير الإقراض.
وتعادل ديون البنوك المقومة بالعملة الأجنبية( معظمها بالدولار) نسبة 22.5% من إجمالى الناتج المحلى، وتعد الشركات المصرفية لسنغافورة وهونج كونج وبشكل هامشى كوريا الجنوبية من بين 21 دولة كبرى منتمية للأسواق الناشئة ومندرجة ضمن قاعدة بيانات مؤسسة التمويل الدولية.
وتمتلك الشركات غير المالية نسبة 35.9% أخرى من إجمالى الناتج المحلى فى الديون المقومة بالعملات الأجنبية، بعد هونج كونج وسنغافورة فقط، كما أن الاستحقاقات التى ينتهى بها اﻷمر فى الميزانيات العمومية للبنوك فى حالة تخلف عن السداد.
ويبدو الوضع، للوهلة الأولى، متشابها مع وضع بولندا والمجر خلال الأزمة المالية العالمية، عندما تحطم جنون الرهن العقارى المقوم بالفرنك السويسرى بشكل مذهل وارتفع الفرنك السويسرى بفضل وضعه كملاذ آمن.
وقال الكاتب الصحفى إن هناك أسبابا لعدم الخوف من تكرار هذه الكارثة، أولها أن اﻷسر التركية لا تمتلك فعليا أية ديون مقومة بالعملات اﻷجنبية، إذ تم حظر الإقراض بالعملة الأجنبية منذ عام 2009.
وأضاف توفى، أن السبب الثانى يكمن فى أن البنوك اﻷجنبية يسمح لها بتقديم قروض بالعملات الأجنبية إلى الشركات التى تمتلك إيصالات صرف بالعملات الأجنبية، أو إذا كانت الشركات كبيرة، ومن المفترض أن تكون متطورة بما يكفى للتحوط ضد التعرض للخسائر.
وفى الوقت الذى لا تمتلك فيه الأسر البولندية والمجرية أصولا مقومة بالعملات الأجنبية للتعويض مقابل التزاماتها المالية، تملك الشركات التركية 100 مليار دولار من الودائع لدى البنك المركزي.
وقال توفى إنه حتى الآن، لا يبدو أن انخفاض الليره يخلق ضغوطا على الميزانية العمومية، رغم خشية البعض من إعادة هيكلة شركة «دوجاس القابضة»، وهى واحدة من أكبر التكتلات التركية، التى يمكن أن تكون إنذاراً مبكراً بالخطر.
وتعتبر البنوك أيضاً فى وضع جيد بشكل أوسع نطاقا، فى ظل ارتفاع العائد على اﻷسهم بمقدار نقطتين ليصل إلى 16% العام الماضي. كما أن نسبة كفاية رأس المال لديها ارتفعت بـ 1.3 نقطة لتبلغ 16.9% من اﻷصول المرجحة بأوزان المخاطر.
علاوة على ذلك، ظل نصيب البلاد من القروض غير المنتظمة عند حوالى 3% منذ عام 2013، حتى مع انخفاض الليرة من 1.8 ليره تركى بالنسبة للدولار الأمريكى إلى 4.29، ولكن فى ظل ذلك، قال نائب كبير الاقتصاديين فى معهد التمويل الدولي، أوغراس أولكو، إن هذا اﻷمر يشير إلى أن النظام المالى يمكنه استيعاب الصدمات المؤقتة، رغم أن الرقم لا يستثنى القروض المعاد هيكلتها وتلك المباعة لأطراف ثالثة.
وقد يكون قرار الرئيس رجب طيب أردوغان الصادم بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة فى يونيو المقبل، والذى تعتبره الأسواق خطوة سلبية إلى حد كبير، أمراً إيجابياً على الأقل من الناحية الاقتصادية.
ففى ظل اقتراب الانتخابات، يجب أن يكون هناك على الأقل فرصة يكون فيها أردوغان أقل غموضاً فى معارضته للسياسة النقدية الأكثر تشدداً التى تحتاج إليها الدولة، التى تعانى من التضخم بشدة.
ومع ذلك، فإن تركيا بعيدة كل البعد عن مواجهة صعوبات، نظراً لحالة الاختلال الهيكلى طويلة اﻷمد التى تعانى منها البلاد بين المدخرات والاستثمارات المحلية.
ويقدر هونج تران، المدير التنفيذى لمؤسسة التمويل الدولية، أن تركيا بحاجة لجذب رأسمال أجنبى يعادل 25% من إجمالى ناتجها المحلى بشكل سنوى، من أجل تغطية كل من عجز الحساب الجارى الكبير وخفض دينها الحالى.
وبالنظر إلى حالة البيئة العالمية المليئة بالتحديات وحالة عدم اليقين السياسى المحلى وعدم الاستقرار فى الاقتصاد الكلي، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك- أى تخفيض عجز الحساب الجارى وخفض الدين- هى انخفاض قيمة الأصول التركية لتصبح رخيصة بما يكفى لاجتذاب استثمارات دولية كافية.