بقلم: مايكل ديمبسى
زميل الاستخبارات الوطنية فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى
ارتفعت أسعار البترول الخام بحوالى النصف على مدار العام الماضى، بقيادة تخفيضات الإنتاج من قبل الأوبك وأصدقائها والطلب الدولى القوى، ومع ذلك، فى الشهور القليلة المقبلة، قد يتسبب التقاء عدداً من الأزمات الجيوسياسية فى رفع الأسعار أكثر.
وفى أعقاب قرار البيت الأبيض بالتخلى عن الاتفاق النووى مع إيران، يراقب المحللون السوق بعناية لتحديد التأثير الكامل لتجديد العقوبات على طهران على إمدادات البترول العالمية.
وفى مايو، وصلت صادرات إيران البترولية حوالى 2.7 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى منذ أن وقعت إيران على الاتفاق النووى فى 2015، وبالنظر إلى أن أى تجديد للعقوبات لن يظهر أثره قبل عدة أشهر، يقدر العديد من الخبراء فى قطاع البترول أن صادرات إيران سوف تهبط بمئات الآلاف من البراميل يومياً على الأقل فى وقت لاحق من العام الجارى.
وهذا يعد تراجعاً كبيراً فى عالم يتسم بضيق الإمدادات بالفعل، ولا تنسوا أنه فى 2012 عندما فرضت عقوبات على إيران، تراجعت الصادرات بحوالى مليون برميل يومياً.
ولكن هذا جانب واحد من القصة الإيرانية، وينبغى أن ننظر إلى استجابة إيران إلى العقوبات الجديدة، ومن وجهة نظرى، لن تقف طهران مكتوفة الأيدى فى الشهور المقبلة بينما ترى صادراتها محظورة ودول أخرى مثل السعودية تكسب حصة سوقية أكبر.
وفى الواقع، يوحى تاريخ إيران بقوة بأنها لن تخجل من اتخاذ ردود انتقامية فى الوقت الذى تدرك أن مصالحها مهددة.
وفى عام 2012، ألقى اللوم على إيران فى هجوم سيبرانى كبير ضد أرامكو السعودية، وهو هجوم ظن الكثيرون أنه رداً على فيروس «ستوكسنت» الذى أطلقه الغرب ضد القطاع النووى الإيرانى فى 2010، ومسح الهجوم الإيرانى المزعوم بيانات ثلاثة أرباع حواسب «أرامكو»، وكلفها عشرات الملايين من الدولارات.
ومن الآمن أن نفترض أن إيران طورت لعبتها السيبرانية بشدة فى السنوات الست اللاحقة، وأنها قادرة الآن على عرقلة عمليات مجموعة كبيرة من الأهداف.
وبالفعل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، حذر مكتب التحقيقات الفيدرالى الشركات الأمريكية من أن اللاعبين السيبرانيين الإيرانيين قد يستهدفون مصالح الولايات المتحدة استجابة لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووى، وسوف يكون حلفاء أمريكا الرئيسيين، بما فيهم السعودية، فى مرمى نيران القرصنة الإيرانية مع تزايد الضغوط الاقتصادية.
وقد تختار إيران التعبير عن استيائها من العقوبات الجديدة من خلال زيادة دعمها العسكرى للمتمردين الحوثيين فى اليمن، وقد تقرر طهران تحسين قدرة الحوثيين على اختراق الدفاعات الجوية السعودية بصواريخ قد تستهدف المراكز السكنية والبنية التحتية للبترول بشكل أفضل.
ومن بين الضرر المرتبط بالطاقة القادرة على التسبب فيه هو الهجوم بالوكالة فى البحر الأحمر، ورفع الضغوط ومضايقة سفن الشحن من قبل الجيش الإيرانى فى الخليج العربى.
وإيران ليست منبع المخاوف الوحيد لسوق البترول، فتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية فى فنزويلا تشكل بلا عجب مصدراً كبيراً للقلق، وتراجعت مبيعات البترول الأجنبية للدولة بنسبة %40 منذ أواخر العام الماضى، وأشارت أحدث التقارير إلى أنها هبطت إلى حوالى 1.1 مليون برميل يومياً (منخفضة من 3 ملايين برميل منذ سنوات قليلة ماضية)، وهذا على ما يبدو مدمراً لاقتصاد يشكل فيه البترول حوالى %95 من إجمالى إيراداته التصديرية.
ويشير الخليط السام من عدم الاستثمار الكافى فى البنية التحتية للطاقة وهجرة العقول من شركة البترول المملوكة للحكومة، وتدهور الأوضاع السياسية، واحتمالية فرض جولة جديدة من العقوبات الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية المعيبة إلى أنه لا يوجد حل للأزمة فى الأفق.
ولا ينبغى أن نندهش إذن من أن قطاع البترول يترقب الأحداث فى إيران وفنزويلا، ولكن هل هناك أى تهديدات جيوسياسية أخرى قد تزعزع استقرار السوق فى الشهور المقبلة؟
والإجابة هى نعم، ففى ليبيا على سبيل المثال، اتفق المتنافسون السياسيون الرئيسيون مؤخراً على المحاولة للتحرك إلى ما بعد اتفاق السلام المتعثر فى 2015، وعقد انتخابات برلمانية ورئاسية فى ديسمبر، وإذا نجحت هذه الانتخابات، فستكون خطوة كبيرة للأمام لإنهاء الاضطرابات التى لعنت الدولة منذ الإطاحة بمعمر القذافى فى 2011.
وفى الوقت نفسه، هناك علامات مقلقة من أن الدولة الإسلامية تحاول بيأس إعادة تشكيل صفوفها فى لبييا بعد هزيمتها فى سرت وفى شرق ليبيا فى أواخر 2016، وفى مايو، أطلق المسلحون هجوماً واسع النطاق على لجنة انتخابية فى طرابلس، وقتلوا أكثر من 12 شخصاً، وفى فبراير، نقلت الأنباء عن محاولة الإرهابيين مهاجمة حقل دارا الكبير باستخدام سيارة محملة بالمتفجرات.
ولطالما سعى قادة الدولة الإسلامية للاحتفاظ بموطئ قدم لهم فى ليبيا بالنظر إلى قربها من أوروبا ومواردها البترولية الواسعة، لذا ينبغى أن نتوقع تصاعد العمليات الإرهابية هناك فى المستقبل غير البعيد.
وأخيراً، هناك بعض التوترات على المدى القريب التى تستحق المتابعة عن قرب لتأثيرها المحتمل على سوق البترول العالمى، بما فى ذلك احتمالية الصدام الأوسع بين إسرائيل وإيران فى سوريا أو خارجها، واستمرار التحديات التى تواجه نيجيريا مثل تسرب البترول والعنف فى دلتا النيجر، وتفاقم الاضطرابات السياسية فى البرازيل، ومستقبل أجندة إصلاح الطاقة فى البرازيل بعد الانتخابات الرئاسية يوليو المقبل.
وبالتالى، حتى لو تلقينا المزيد من الأنباء الإيجابية فى الأيام المقبلة بشأن تراجع أسعار البترول، وارتفاع إنتاج الطاقة الأمريكية والاستعداد الأكبر للسعودية وروسيا لضخ المزيد من الصادرات، فإن التحركات العنيفة المختبرة مؤخراً فى أسواق البترول العالمى سوف تستمر لبعض الوقت على الأرجح.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»
