إلى أي مدى يمكن للرياض ضخ مزيد من البترول؟
يعاني العالم، اليوم، أزمة جديدة في الشرق اﻷوسط تستدعي توسع آلة البترول السعودية.
وتتمثل هذة الأزمة، في العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والتي بدورها تعمل على عرقلة صادرات البترول الإيرانية، مما دفع المشترين للنظر إلى أكبر مصدر للبترول في العالم.. لكن هل تمتلك السعودية الاحتياطي الإضافي اللازم من البترول؟
للمرة اﻷولى.. منذ غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت عام 1990، يمكن أن تواجه السعودية الاختبار الأخير للبترول، بدءا من دفع شبكتها المعقدة من حقول البترول ومحطات تجهيز البترول وخطوط الأنابيب وصهاريج التخزين ومحطات التصدير إلى أقصى الحدود، وضخ كل برميل بترول محتمل.
وفي وصف بليغ لدورها خلال أزمات الإمدادات، قال ماجد المنيف، مسؤول البترول السعودي السابق، في تصريحات للمشرعين الأمريكيين قبل بضع سنوات، إن السعودية تمثل الاحتياطي الفيدرالي للبترول، بحسب ما تداولته وثائق صادرة عن الاستخبارات الأمريكية ونشرها موقع “ويكيليكس”.
وقال أبهيشيك ديشباندي، المحلل المتخصص في شؤون البترول لدى بنك “جيه.بي مورجان تشيس” إن أي انقطاعات غير متوقعة، مثل تلك الموجودة في ليبيا أو فنزويلا أو أي مكان آخر، يمكن أن تكشف نقص الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، خصوصا في السعودية.
وقالت وكالة أنباء بلومبرج إن السعوديين وحلفائهم في “أوبك”، يبدو أنهم يدركون أن استخدام طاقتهم الإنتاجية الفائضة يشكل سلاحا ذو حدين الآن، فهو قد يخفض أسعار البترول.. لكن التأثير يمكن أن يكون محدودا بفضل علاوة المخاطرة مع قلق السوق بشأن ما تبقى.
وتجاوز سعر برميل البترول حاجز الـ80 دولارا للبرميل، رغم تأكيدات الرياض وحلفائها بأنها تستطيع سد فجوة إيران.
لكن ثمة توقعات بوصول السعر إلى 100 دولار هذا الشتاء، مع ارتفاع تأثير العقوبات.
وتعد القدرة الاحتياطية الحالية لـ”أوبك” ضئيلة نسبيا، إذ قدرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بـ1.4 مليون برميل فقط يوميا، ويتوقع انكماشها إلى 1.2 مليون برميل بحلول نهاية 2019، وهو أحد أدنى المستويات المسجلة ويتشابه مع المقدار المسجل في 2008، عندما ارتفعت أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل .
ومع ذلك، تقول الرياض إن هناك كثيرا من البترول الاحتياطي في متناول يدها. وأعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، الأسبوع الماضي، أنه يمكن تدفق مزيد من براميل البترول خلال أيام وأسابيع.
وتزعم السعودية بشكل رسمي أنها قادرة على ضخ ما لا يقل عن 12.5 مليون برميل يوميا، بزيادة تتحاوز 2 مليون برميل، مقارنة بالرقم القياسي البالغ 10.4 مليون برميل الذي تم تسجيله في أغسطس الماضي.
وقال الفالح، في تصريحات للصحفيين خلال حضوره اجتماع أوبك في 23 سبتمبر الماضي بالجزائر، إن الطلب على النفط الخام السعودي قد يتراوح بين 10.5 ـ 10.6 مليون برميل يوميا في أكتوبر، ويمكن للبلاد توفير هذه الكمية.
وقبل إعلان العقوبات في مايو الماضي، كانت إيران تصدر بين 2.5 و2.8 مليون برميل يوميا.. لكن ربما تنخفض مبيعاتها إلى مليون برميل فقط، أي أقل بكثير مما كان متوقعا، بمجرد تطبيق العقوبات في نوفمبر المقبل، ليتطلب الأمر بذلك قدرة السعودية على سد فجوة قد تتراوح بين 1.5 و1.8 مليون برميل .. لكن لفترة قصيرة .
وتعاني صناعة الطاقة من قلق متزايد، وكان ذلك واضحا في مؤتمر البترول السنوي لآسيا والمحيط الهادئ “أبيك”، وهو واحد من أكبر التجمعات السنوية لصناعة البترول، الذي انعقد قبل بضعة أيام في سنغافورة، إذ شكك المسؤولون التنفيذيون بشكل خاص في قدرة السعودية على رفع الإنتاج بسرعة ليتجاوز ما بين 11 مليون و11.5 مليون برميل يوميا، وهو ما لا يكفي للاستغناء عن إيران.
وعلى مر السنين، كانت السعودية حريصة بشأن مقدار قدرتها الإنتاجية الاحتياطية الواقعة في كل برميل، ولكن علي النعيمي، الذي شغل منصب وزير البترول في السعودية نحو ربع قرن حتى عام 2016، قدم لمحة في عام 2012، قائلا: “أعتقد أننا نستطيع الوصول بسهولة إلى إنتاج بين 11.4 و11.8 مليون برميل في غضون أيام قليلة، كل ما نحتاجه هو تشغيل الصنابير. أما الـ 700 ألف برميل يوميا الأخرى المطلوبة للوصول إلى نحو 12.5 مليون برميل فتحتاج ثلاثة أشهر من العمل.. وتلك الأيام التسعين ستكون لأمر واحد هو حشد عمليات الحفر الإضافي”.
وهناك تعقيد آخر يتمثل في تولي شركة البترول العربية السعودية العملاقة “أرامكو” مقاليد أمور 12 مليون برميل فقط، من بين 12.5 مليون برميل يوميا، أما الـ500 ألف برميل الأخرى فهي تقع في منطقة محايدة مع الكويت، ولكن المنطقة لم تنتج برميلا واحدا منذ نحو عامين بسبب النزاع الناشب بين الكويت والرياض.
وبصرف النظر عن الإنتاج، تمتلك الرياض خط دفاع آخر لمواجهة أي حالات انقطاع في الإمدادات، مثل إيران. فهي تمتلك شبكة واسعة من مرافق التخزين، سواء في البلاد أو خارجها.
وأعلنت السعودية رسميا في أحدث بياناتها المتاحة، تخزين 229 مليون برميل في يوليو الماضي، بانخفاض عن المستوى القياسي البالغ 329 مليون في أكتوبر الحالي.
ولكن أنطوان هالف، المسؤول التنفيذي لدى شركة “كايرروس”، وهي الشركة التي تستخدم بيانات الأقمار الصناعية لتتبع مخزونات البترول، قال إن السوق لديها شكوكها مرة أخرى، كما هو الحال مع بيانات الطاقة الإنتاجية الفائضة.
ويتعين على المعارضين الحذر، فقد أثبتت السعودية خطأ المشككين من قبل، بعد أن استغلت قدرتها الإنتاجية الاحتياطية وضخت أكثر مما كان متوقعا خلال الثورة الإيرانية عام 1979 والحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988 وفي حرب الخليج الأولى في عام 1990-1991، كما أنها استغلت طاقتها الفائضة أثناء اضطرابات فنزويلا عام 2003.
بالإضافة إلى ذلك، تتخذ الرياض إجراءات لتعزيز آلتها الإنتاجية، فهي ستنتج 300 ألف برميل يوميا من حقل خريص، حيث كانت تستهدف من هذا التوسع تعويض الانخفاضات في مكان آخر، ولكنها قد تساعد في تعزيز الطاقة الإنتاجية الفائضة على المدى القصير.
ويحاول آخرون داخل “أوبك”، تقديم المساعدة أيضا. فالإمارات تمضي قدما في خطط توسع في حقول البترول الخارجية “أم لولو” و”سطح الرازبوت”، التي ستضخ 129 ألف برميل يوميا بنهاية العام، بزيادة قدرها 50 ألف برميل يوميا، كما تتجه العراق نحو توسيع العمليات القائمة في حقل الحلفاية، مما يضاعف الإنتاج إلى 400 ألف برميل في اليوم.
ومع ذلك، رغم الجهود المبذولة، يواجه السعوديون وأوبك تحديا كبيرا لتعويض نقص الإمدادات الإيرانية.