لا توجد شروط جيدة للمغادرة فى مواجهة ارتفاع الأسعار والبطالة
لا تنطوى معظم تفسيرات خروج بريطانيا على الكثير من الرياضيات كما يقول البريطانيون، لكن المعادلات الرياضية المعقدة لحسابات الخروج من الوحدة الأوروبية على وجه الخصوص خلقت صعوبة لدى الناس فى فهم الاحتمالات المترتبة عليها، مما لعب دوراً مهماً فى خلق الفوضى التى تعيشها البلاد.
ويشير ديفيد ليونهارديت فى مقاله بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أنه فى عام 2013، كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يتطلع إلى حملة إعادة انتخابه ويحاول تجنب خسارة الكثير من الناخبين لصالح حزب سياسى مناهض للاتحاد الأوروبى وهو حزب المحافظين الحاكم حالياً.
لذا فقد وعد فى حال إعادة انتخابه بإجراء استفتاء حول ما إذا كانت بريطانيا ستظل فى الاتحاد أم لا، وقال إن الاستفتاء سيكون أمامه خيار فقط فى الداخل والخارج بأن يكون ملزماً.
عندما أوفى كاميرون بالوعد كان هو ومستشاروه يعتقدون أن الاستفتاء حيلة لخفض المخاطر نسبياً للتعامل مع مشكلة سياسية قصيرة الأمد، كما أوضحت صحيفة التايمز البريطانية فى وقت لاحق. ويعتقد جميع المحللين السياسيين تقريباً أن فرص التصويت بنعم فى الاستفتاء كانت أقل من 50%، أما كاميرون إلى جانب الكثير من حزب المحافظين البريطانى فقد ارتكبوا خطئاً كلاسيكياً فى تقييم معادلة الاحتمالات بتقريب نسب التوقعات.
وخلط القادة السياسيون بين مجرد وجود احتمال معين وبين استحالة افتراضية حدوثه، مهددين بالضرر الهائل الذى قد يحدثه تصويت “نعم”، لكن ذلك لم يجد نفعاً وعلى العكس جاء التصويت بـ”لا” مما ترك بريطانيا في وضع بائس فلا توجد طريقة جيدة للبقاء فى الاتحاد الأوروبى، كما أن عدم المغادرة من شأنها أن تكسر الوعد الأساسى للاستفتاء بالقبول بأى نتيجة واعتبارها ملزمة.
لكن مغادرة الاتحاد تفرض أعباء كبيرة على بريطانيا، من حيث تكاليف المعيشة المرتفعة وفرص العمل وهذا هو السبب فى أن البلاد تواجه مثل هذا الوقت العصيب فى اتخاذ قرار بشأن الشروط المحددة لعملية الخروج حيث لا توجد شروط جيدة.
ودشن المدافعون عن “نعم” حملة من خلال تقديم وعود غير واقعية على نحو مشين مما جعل البلاد تواجه الآن حقيقة أقل لطفاً تماماً مما يعنيه تطليق الاتحاد الأوروبى.
كان من الممكن تجنب كل هذا لو أن حكومة كاميرون قد أخذت على محمل الجد احتمالية تمرير الاستفتاء، فالتصويت بـ”لا” بنسبة 40% أو 20 % أو 10% أو حتى 3 % لا يختلف كثيراً عن الصفر% عندما تكون عواقب الحدث كارثية.
وجاء تصويت البرلمان البريطانى على خطة رئيس الوزراء تيريزا ماى فى ظل تقييم عام لها بأنها أقل تشدداً مما يطلب وبينهم العشرات من زملائها فى حزب المحافظين ولذلك سبقت التوقعات نتيجة التصويت بأن تفشل عملية تمريره، لكن هذه الخسارة القريبة قد تمكنها من السعى للحصول على شروط أفضل قليلاً من الاتحاد الأوروبى بينما الخسارة الكبيرة بسحب الثقة مثلاً تخلق المزيد من الاضطراب السياسى.
وقال روبرت شريمسلى قبل التصويت برفض اتفاق ماى لصحيفة فاينانشيال تايمز، إن الهزيمة الأولى برفض قانون الضرائب بشرت بفشل تمرير خطة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حيث تم الانتهاء من تقيمها بشكل شامل للغاية من قبل مجلس العموم.
أضاف أن أعضاء البرلمان يكادون يشعرون بالشفقة حول ما يمثله الرفض الأكثر زعزعة لأى رئيس وزراء فى العصر الحديث.
كما كتب يوخين بيتنر فى صحيفة نيويورك تايمز “يبدو من الممكن أن كل هذا سيحدث بأسوأ طريقة ممكنة، دون ترتيب بين بريطانيا والاتحاد حول كيفية إدارة عملية الانفصال”.
وتجادل بولى توينبى من صحيفة الجارديان حول إمكانية التوصل لحل وسط مثل إجراء استفتاء ثان فبغض النظر عن ذلك لا تبدو نهاية لهذا الاضطراب فى الأفق بل قد يتسع الصراع إلى ما يشبه حرب أهلية تستمر على مدى جيل، لكن مجلة “إيكونوميست” البريطانية تفضل إعادة التصويت على القانون مرة ثانية.
وترى صحيفة “ذى تليجراف”، التى تطلب وضع اتفاق خروج قوى أن الرفض البرلمانى بأعداد كبيرة كافى لقتل اقتراح ماى لأن الرفض المحدود سيجعلها ذات حجة فى إعادته للتوصيت داخل مجلس العموم حتى تنجح فى تمريره.