أصبحت الصين الآن جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي لتجارة الطاقة، فهي تستورد بانتظام أكثر من 9 ملايين برميل يومياً من البترول، فضلاً عن كمية متنامية بشكل سريع من الغاز الطبيعى.
ومع ذلك، تواجه بكين محاولات إثبات الولايات المتحدة لسلطتها من خلال التهديد بتعطيل نمط التجارة الحالى، بما فى ذلك قطاع الطاقة، ولكن رد فعل الصين قد يعيد تشكيل الأسواق من جديد.
واتخذت الولايات المتحدة إجراءين، أولهما كان مباشرا وتسبب فى نشوب حرب رسوم جمركية متبادلة على واردات كلا البلدين، تؤثر على كل شيء بداية من الغسالات، وصولاً إلى الأرز وحتى كرات البيسبول.
أما الإجراء الثانى فهو غير مباشر، ويتمثل في فرض عقوبات على إيران، والتى تحظر خلالها الولايات المتحدة التجارة مع إيران، بما في ذلك تجارة البترول، وسبق أن منحت الولايات المتحدة، إعفاءات مؤقتة لعدد من الدول، بما فى ذلك الهند والصين، ولكنها أنهت تلك الإعفاءات فى مايو الماضى.
وتشكل حرب التعريفات الجمركية خطورة كبيرة، ولكن بالنظر إلى مصالح كلا الاقتصاديين فى الحفاظ على علاقة تجارية مفتوحة، يبدو من المنطقى توقع التوصل إلى اتفاق تجارى فى نهاية المطاف.
وتعد مسألة العقوبات الاقتصادية أكثر تعقيداً، نظراً للعداء المستمر منذ عقود زمنية بين الولايات المتحدة وإيران، والذي بدأ منذ الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق فى عام 1953 واحتجاز رهائن في السفارة الأمريكية في طهران في الفترة بين نوفمبر 1979 ويناير عام 1981.
وأصبحت القضية أكثر تعقيداً، فى ظل غياب الحلول الواضحة والمقبولة بشأن النشاط النووي الإيراني، فمن الصعب معرفة اﻷمور التى قد تنال رضا الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب ومستشار الأمن القومي اﻷمريكي جون بولتون، خصوصاً بعد رفضه وانسحابه من الاتفاق متعدد اﻷطراف الذي تم التوصل إليه في عام 2015 بشأن البرنامج النووى.
ومن الممكن حدوث تصعيد عسكرى بين الولايات المتحدة وإيران، وربما تشدد العقوبات الاقتصادية أيضاً، ولكن الخاسر اﻷكبر من هذا الصراع- بجانب إيران- سيكون الصين، التي ارتفعت وارداتها من البترول بشكل سريع خلال العقد الماضى، حيث يتفوق أسطول السيارات العاملة بالديزل والبنزين على العاملة بالكهرباء.
ففي الوقت الذي تمتلك فيه الصين 2.5 مليون سيارة كهربائية، يتجاوز عدد سيارات الديزل والبنزين حاجز الـ 300 مليون سيارة، فضلاً عن قطاع السفر الجوى المتنامى الذى يحتاج إلى البنزين أيضاً.
وأصبح البترول جزءاً لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي، فهو أمر ضرورى لتلبية احتياجات المستهلكين من الطبقة الوسطى المتنامية في الصين، التى تحصل على 44% من وارداتها البترولية من الشرق اﻷوسط، وإذا توقفت تجارة البترول الإيرانى، إما بسبب العقوبات أو تنفيذ تهديدات إغلاق مضيق هرمز، فستكون الصين أول المتضررين، خصوصاً أن أمن الطاقة أصبح الآن قضية صينية.
ويجب أن تكون آسيا هى الوجهة الطبيعية لبترول الشرق اﻷوسط وليس الولايات المتحدة، نظراً لزيادة الاعتماد الذاتي للولايات المتحدة فى تلبية احتياجاتها من البترول والغاز بفضل ثورة البترول الصخري.
ومن المتوقع شراء الصين ﻷى بترول تحتاجه على المدى القصير، فقد ارتفعت وارداتها بالفعل بشكل غير متوقع إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً فى أبريل الماضى فى خطوة تستهدف زيادة المخزونات قبل المرور بأى أزمة، وقد ساعد ذلك بالفعل فى ارتفاع الأسعار العالمية.
أما على المدى الطويل، ستركز الصين، التى تتأثر بالإجراءات الأمريكية، على التحدى المتمثل فى اعتمادها على المصادر الخارجية للسلع، التي أصبحت ضرورية لتحقيق نجاح اقتصادى مستمر، ومن المحتمل أن تكون النتيجة ذات سياسات تجارية أكبر بشأن تجارة الطاقة.
وإذا لم تتمكن من الرد على النظام التجارى المفتوح، ستلجأ بكين إلى الصفقات الثنائية لتأمين مقدار معين من إمدادات البترول، وربما الغاز أيضاً، من خلال صفقات مقايضة مباشرة بين الدول وباستخدام كافة الأدوات التي يمكن تقديمها، بداية من القروض الرخيصة ووصولاً إلى الدعم السياسى وتوريد المعدات العسكرية وغيرها، وهو نهج سيتجاوز الخطوات المحدودة المتخذه حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، ستشمل خطة تجارة البترول الثنائية الجادة الاستثمار المباشر وملكية الموارد وتحول الشركات الصينية إلى شركات متعددة الجنسيات قادرة على إيجاد وإنتاج موارد الطاقة حول العالم.
هذه الخطوة قد تكون منطقية بالنسبة للصين وستعتبر رداً مناسباً ومفهوماً لمحاولات الولايات المتحدة لفرض هيمنتها فى السوق العالمى، ولكنها ستكون خطوة خطيرة للغاية بالنسبة لبقية العالم، فإذا ربطت الصين حاجاتها من البترول بالصفقات الثنائية ستصبح بقية الدول سوقاً أصغر حجماً وأكثر تقلباً.
بقلم: نيك بتلر
الأستاذ الزائر فى معهد السياسات بكلية كينجز لندن
إعداد: منى عوض:
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”