باتت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة مطالبة بتقديم الخدمات الرقمية وتلبية توقعات المواطنين حتى قبل أن يدركوا حاجتهم إليها.
ويقول شكرى دباغى، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية لدى شركة “ساس”، إن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يكون المفتاح لتحقيق ذلك.
لطالما كان “تقديم الكثير بالقليل” من أبرز المرتكزات التي تقوم عليها الحكومات في جميع أنحاء العالم. ولتعزيز قدرتها التنافسية، تتعرض الحكومات اليوم لضغوط تدفعها باتجاه تبنّي تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعى وتعلّم الآلات والأتمتة، بطريقة أكثر فاعلية. ولكن لماذا تحتاج الحكومات إلى القدرة على المنافسة؟ لعلّ من أهمّ الأسباب الحرص على جذب الاستثمارات، وتقديم مجموعة متنامية باستمرار من الخدمات لسكان يتمتعون باهتمام متزايد بمختلف التقنيات.
وإذا كان بعض الحكومات يعاني “شُحاً في الموارد”، فإن ثمّة مورداً رئيسياً ومهماً ما من حكومة في أي بلد تفتقر إليه، إلا وهو البيانات.
ووفقاً لتوقعات خلُصت إليها شركة “سى غيت” في دراسة أجرتها حديثاً، من المنتظر أن يرتفع حجم مشهد البيانات في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا إلى 48.3 زيتابايت في العام 2025. ولتصوّر مدى ضخامة هذا الرقم، ما عليك سوى أن تعرف أنه يفوق العدد المقدّر لحبيبات الرمل في الصحراء العربية!
وينبغي ألا يكون مفاجئاً أن المنطقة ستولّد هذه الأحجام الهائلة من البيانات جرّاء التصرفات اليومية لمواطنيها، فالشرق الأوسط هو واحد من أكثر المناطق اتصالاً رقمياً في العالم؛ حيث يتجاوز معدل انتشار الهواتف الذكية 100 بالمئة في بعض دول مجلس التعاون الخليجى، كما أن في المنطقة بعضاً من أعلى معدلات الاستخدام لمنصات التواصل الاجتماعي في العالم.
لدى الحكومات في المنطقة الكثير من البيانات الضخمة التي يمكن الاستفادة منها، لكن الاستغلال المفيد لهذه البيانات يحتاج إلى قوة التحليلات المتقدمة للبيانات الضخمة، التي تُمكّن الحكومات من فحص كميات كبيرة من البيانات للكشف عما تخفيه من أنماط وارتباطات ورؤى، والتحويل الفعال لهذه البيانات إلى منصة للذكاء الاصطناعى.
يجب أن تكون الحكومات قادرة على فصل الرثّ من البيانات عن السمين منها، وتمييز البيانات العامة عن السرية لضمان الكفاءة والإشراف الممتاز. وما من شكّ في أن التحليلات Analytics هي المفتاح الكفيل بإطلاق العنان للقيمة الذكاء الاصطناعي الحقيقية التي تخفيها هذه البيانات المتضخمة باستمرار.
ومع إن الحكومات ظلّت تجمع البيانات لسنوات طويلة، فقط تباطأت في إدراك مقدار المنافع التي يمكن أن تترتب على مجاميعها. على أن الفرصة الحقيقية تكمن في توحيد مجاميع تلك البيانات بطريقة تمكّن قادة الحكومة من تحديد المعلومات المهمة التي تنطوي عليها بياناتهم.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك كيف طبقت دائرة القضاء في أبوظبى حلول تحليلات قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى استفادة من بياناتها وإضفاء القيمة على تعاملاتها وإجراءاتها من خلال تمكين اتخاذ القرارات بطريقة أسرع وأفضل. ونفّذت الإدارة تقنيات تعلم الآلات لتسهيل تحديد العملاء وتقسيمهم ومعالجة طلباتهم في الوقت المناسب.
لقد أصبح بوسع المسئولين عند لجوئهم إلى أدوات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات، اكتساب رؤى أعمق مدى وأوسع نطاقاً، والانتقال إلى مجالات محددة مثل القطاعات الفردية وحتى إلى مؤسسات بعينها.
ولا يُتوقع من البيانات المتاحة للحكومات إلا أن تنمو أحجامها وتتضاعف؛ فالربط بين الأجهزة الذكية وقابلية التشغيل المشتركة لا ينفكّان يزدادان منتجين المزيد من البيانات، ما يساعد على إثراء إنترنت الأشياء ودفع عجلات نموها.
بيد أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي ينطوي على مخاوف من أهمها التأثير المحتمل على الوظائف، فمجرّد ذكر الأتمتة يثير على الفور مخاوف تجاه احتمال إلغاء وظائف لطالما بقيت راسخة ردحاً من الزمن.
على الرغم من أن هذا قد يكون صحيحاً في حالات معينة، إلا أنه لا يخشى كثيراً بأي حال من الأحوال. لكن من شأن الذكاء الاصطناعى، وفقاً لشركة “غارتنر” للأبحاث، تحفيز خلق 2.3 مليون وظيفة جديدة بحلول العام 2020، في حين نجد أن بنك “إتش إس بي سى” قد وضع عدداً من المناصب الوظيفية الجديدة التي من بينها “ميكانيكي خوارزميات” و”مصمم واجهات محادثة” و”مهندس عمليات رقمية”، وهي مناصب مرجح أن تُصبح شائعة في المستقبل.
وقد وجدت دراسة مسحية أجريت حديثاً بتكليف من “ساس” وشملت منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الشركات والمؤسسات (72%) تقول إن تحليلات البيانات تساعدها على تكوين رؤى وأفكار قيمة و60% توضّح أن مواردها التحليلية قد جعلتها أكثر قدرة على الابتكار. إن الاستخدام الأكبر للمعلومات المعتمدة على التحليلات في تخطيط قوى العمل من شأنه تمكين موظفي الحكومة من خدمة الجمهور بشكل أكثر فعالية.
لقد غيّرت ثورة البيانات صورة العالم التي نعرفها، كيف لا وهى ذات أثر ثورى مثير للاهتمام، كما أنها تتمتع بحضور طاغٍ نوعاً ما! ومع ذلك، فهى تمثّل فرصة كبيرة للحكومات لتصبح أكثر استناداً على البيانات وتغيّر الطريقة التي تخدم بها مواطنيها تغييراً جذرياً.
بقلم: شكري دباغي ؛ نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية لدى شركة “ساس”.








